أخــبـار مـحـلـيـةثقافيةمـنـوعــات

أرطغرل وعبد الحميد.. ليست مُجرد حِكايات!

يعرض التلفزيون التركي الرسمي المسلسل التاريخي المتميز قيامة أرطغرل مساء كل يوم أربعاء منذ ما يزيد عن العام ونصف العام، وبدأ قبل أسبوعين عرض مسلسل آخر يتحدث عن سيرة السلطان المظلوم عبد الحميد خان «الثاني». وبدأت الكثير من قنوات اليوتيوب بترجمة هذين المسلسلين الأمر الذي دفع الآلاف من العرب لمتابعتهم بشغف كبير، حتى إنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة مئات بل آلاف العائلات العربية في الوطن العربي.

وفي هذه الأثناء خرجت الكثير من المقالات التي تتحدث عن الفترة الزمنية لمسلسل قيامة أرطغرل، وفي المقابل خرجت العديد من المقالات ومقاطع الفيديو التي تُحذر من هذا المسلسل وتصفه بالمسلسل «المُزوِّر لحقائق التاريخ»، وأمام كل هذا لابد من وقفة لنتعرف على حقيقة ما يجري.

في بداية عرض المسلسل، وحتى بعد ترجمته إلى العربية بقليل، لم يكن أحد ليتحدث عنه باعتباره مسلسلًا من آلاف المسلسلات التي تُعرض على العديد من القنوات، لكن ما لبث أن تحولت وسائل التواصل إلى ساحة كبيرة لمناقشة هذا المسلسل بين مؤيد ومعارض.

وبعد متابعتي للمسلسلين – قيامة أرطغرل والسلطان عبد الحميد – ومشاهدتي للحلقة الواحدة أكثر من ثلاث مرات لدرجة أصبحت فيها أحفظ أقوالهم حرفيًا، وبعد قراءتي للعديد من الأقوال التركية عن هذين المسلسلين، وبعد كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومدحه لهذا المسلسل بطريقة رائعة، فإنني أستطيع أن أستنبط الهدف الحقيقي من هذين المسلسلين.

ومما لا شك فيه أن المسلسل يحتوي على «بعض» الأخطاء التاريخية والتي لا تؤثر أبدًا على السياق العام للمسلسل، ولكن هنالك بعض القصص في المسلسل والتي كذّبها البعض هي حقيقية وتاريخية ولكنها على الأغلب موجودة في التراث الإسلامي التركي، وغير موجودة في كتب التاريخ العربية لذلك رأى البعض أنها مصطنعة.

كذلك انتقد البعض المسلسل بحجة أنه لا يتحدث عن دور العرب، ولا عن جرائم المغول عند العرب، واقتصر الحديث عن الأتراك. وهذا شيء طبيعي لأن المسلسل لا يتحدث عن ظاهرة عامة، بل يتحدث عن شخصية تاريخية تركية فبالتالي لن يتوسع كثيرًا في الحديث عن الجو التاريخي العام وإلا فإن المسلسل لن ينتهي!

وحقيقةً فإن المسلسل لم يخرج ليتحدث عن سيرة القائد المسلم العظيم أرطغرل لمجرد التسلية، أو لمجرد مدح الأتراك، وإن كان كذلك فهناك من الشخصيات التركية التي يوجد في سيرتها ما هو أكثر وأكبر من سيرتي أرطغرل وعبد الحميد، لكن الحديث عن هاتين الشخصيتين كان لتشابه واقعهم بالواقع الذي نعيشه، وإن شئت قل إن واقعهم متطابق مع واقعنا تمامًا.

الفترة الزمنية لأرطغرل كانت الأمة الإسلامية تعاني من انشقاق كبير وتشتت وتشرذم وقتال داخلي، وفترة السلطان عبد الحميد كانت تعاني من تغلغل الغرب وحياكة المؤامرات. وإذا ما جمعت الفترتين فإنك ستتحدث حتمًا عن واقع الأمة اليوم من انشقاق وتشرذم وفتن وتغلغل للغرب ومؤامرات!

أرادت تركيا أن تضع مسؤولية ثقيلة على كاهل الأتراك وكل من يشاهدهم، فهي رسمت لهم واقعًا مؤلمًا كان موجودًا وأظهرت كيف يمكن لشخص مع بضعة محاربين أن يؤسسوا دولة العدالة وأن يُحطموا المؤامرات على بلدانهم. ولعلَّ العبارات التي اختارها المُخرج في حوارات المسلسل تُثبت صحة كلامي بما لا يدع مجالًا للشك.

ومَن شاهد مسلسل قيامة أرطغرل ودقّق فيه جيدًا استنبط ذلك، مثلًا من خلال مجيء ابن العربي الأندلسي في المنام لأرطغرل في إحدى الحلقات، وقال له: «حتى متى ستنام يا أرطغرل، إنَّ هذه الأمة تنتظرك هيا قُم لوظيفتك!»، وما وظيفته إلا أن ينصر المظلومين ويضرب عنق الظالمين! كذلك عندما سُئل أرطغرل عن حال الأمة فقال: «إن وضع الأمة يرثى لها، فالأخ يقتل أخاه، والكفار يحيكون المؤامرات»، فقيل له وما الحل، فقال: «أن نجمع كلمة الأمة وأن نقول للظالم توقف، ونحن لن نتوقف عن جهادنا حتى نزرع راية العدالة في الأناضول».
القائمون على المسلسلين لم يصنعوهما عبثًا، ولا لأجل أن يتفلسف المتفلسفون ويناقشوه من الناحية التاريخية ويحاسبوه على الكلمة. هم أرادوه فنًا بديلًا عن فن التشويه، ليزرعوا في هذا الجيل نَفَس التحدي والصبر والعزم والتوكل على الله، ونصرة الحق والمظلومين في كل مكان.

دعونا نبتعد عن النظرة الضيقة لمثل هذه الأعمال الطيبة المباركة، وبدلًا من المعارضة فلنجتمع سويًا لنشر الأهداف النبيلة التي يحملها المسلسلان، ونختم بما قاله السلطان عبد الحميد في مسلسله: «أريد أمة واحدة، دولة واحدة من جبل طارق إلى جزيرة جاوة، أمة قد آمنت، سماء واحدة ناصعة يعلو فيها صوت واحد هو صوت الأذان، جيشًا واحدًا جيش الرحمة في السلام، وجيش الرهبة في الحرب. هذه خريطتي وهذا حلمي ومَن سيتعب فليغادر الآن».

زر الذهاب إلى الأعلى