مقالات و أراء

أوروبا الكيان المريض 1/2

[dropcap color=”#888″ type=”square”][/dropcap]

user101

بقلم : مولاي علي الأمغاري كاتب وباحث مغربي مهتم بالشأن التركي

 

توظيف أوروبا لقيم الديمقراطية لخدمة مصالحها فقط

الممارسات الأوروبية اللاديمقراطية الأخيرة تجاه حملات “نعم” لتعديلات الدستورية التركية كشفت النفاق الأوروبي تجاه حرصهم على الديمقراطية وثقافتها، ومحاولته الفجة لتدخل في الشؤون الداخلية التركية.

الغرب عموما، وأوروبا خاصة نصبت نفسها حراسة الديمقراطية، والمثال الأعلى الذي يجب على كل العالم شرقه وغربه وجنوبه الاقتداء به، أحرقت ملايين الدولارات لدعم البرامج الديمقراطية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ونشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم والتعايش والتسامح والحرية بين شعوب هذه القارات، كما تسلّط مؤسساتها البرلمانية والحقوقية والمدينة على التجارب الديمقراطية الناشئة تقيما وانتقادا ومدحا.

لهذه الأنشطة والأعمال غاية أساس قد تكون الوحيدة، وهي تحقيق مصالحها بهذه البلدان، والتحكم بهذه الشعوب ومقدراتها، وليس حبا في الديمقراطية وثقافتها، ولهذا الحقيقة شواهد كثيرة، أهما في نظر الإنسان العربي، موقف أوروبا البارد من ثورات الربيع العربي، وصمتها الخائن تجاه الثورات المضادة والانقلابات العسكرية بهذه البلدان.

ينضاف إليها موقفها الأخير من انقلاب 15 تموز/يوليو2016 بتركيا، والذي اعتبره الساسة الأتراك موقف متخاذل وردة واضحة عن القيم الأوروبية والإنسانية، وبلغ انتقاد الأتراك لهذا الموقف إلى التشكيك في رفض الاتحاد وبلدان للمحاولة الانقلابية الفاشلة، وأن أوروبا كانت تمني نفسها بنجاح الانقلاب وسقوط حكم العدالة والتنمية بتركيا.

هذا ما أكده الرئيس التركي الطيب أردوغان خلال مراسم افتتاح مشاريع تنموية بولاية أفيون قبل أيام بقوله: “إن احتمال تركيا لتحقيق أهدافها لعام 2023 يقلق الأوروبيين كثيرا حتى أنهم لا يخجلون بالدوس على القيم التي وضعوها لأنفسهم، الأوروبيون يعرفون جيد ما ستأتي به نتائج 16 نيسان/ أبريل الاستفتاء الشعبي من خير للأتراك وتركيا، وهم يدركون جيدا حقيقة هذا الإصلاح السياسي الكبير، وسيكونون قد ودعوا آمالهم إلى الأبد في تحقيق رغباتهم التي فشلوا في تحقيقها في ليلة الانقلاب 15 تموز/يوليو”.

التعديلات الدستورية ونهاية الحقبة الأتاتوركية الفاشلة

مازالت أوروبا مصرة على رفض واقع أن “تركيا الأتاتوركية” أصبحت من الماضي، وأن الجمهورية التركية مقبلة على عهد جديد بأهداف ورؤى استراتيجية تسعى للقطيعة مع الماضي الأتاتوركي الفاشل، والذي جعل من تركيا “دولة وظيفية” في أحسن تقيم لتاريخ الجمهورية التركية الأولى، جمهورية الانقلابات والتضيق على الحريات ومحاربة كل مظاهر الثقافية والحضارية الإسلامية، بلد الأزمات الاقتصادية والمالية، بلد يكاد يكون الاكتفاء الذاتي فيه غريب ونادر.

أوروبا تعلم علم اليقين دور التعديلات الدستورية، في وضع نقطة النهاية للجمهورية التركية الأتاتوركية، وبداية الجمهورية التركية الثانية، بالانتقال إلى نظام الرئاسي الذي يمنح تركيا الاستقرار السياسي اللازم لاستمرار مسيرة النهضة وتحقيق أهداف الرؤية الثلاثية الاستراتيجية، بدل النظام البرلماني الذي ينتج حكومات عبر انتخابات مجلس النواب، تعيق البيروقراطية العسكرية والقضائية سيرها في اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية، وفي المقابل تمكن التعديلات الدستورية الجديدة من مساءلة السلطة في الجانب التنفيذي، كما تقوي نفوذ الشعب في محاسبة رأس السطلة التنفيذية “رئيس الجمهورية” عن طريق صناديق الاقتراع، والتي ستحكم على عمل رئيس الجمهورية وحكومته طيلة فترة رئاسة الممتدة لخمس سنوات، فالتحول إلى النظام الرئاسي ستتجنب تركيا الزلزال السياسي واللاستقرار الذي ينتج عن الحكومات الائتلافية في حالة عدم فوز أحد الأحزاب التركية بالأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية.

أوروبا وأعراض المرض

لكن العجيب في موقف أوروبا من لهذه التعديلات -والتي طبعا ليس في صالحها الاستقرار السياسي بتركيا- أن الساسة والخبراء والأكاديميين الأوروبيين وحتى الإعلام بأنواعه، لم يناقش مضامين ومحتوى المواد الدستورية التي يتضمنها الدستور الجديد، فكل أولئك اختصروا الغاية من التعديلات في جملة واحدة” تركيا بنجاح حملة “نعم” يوم 16نسيان المقبل، ستتحول إلى جمهورية ديكتاتورية، وأردوغان إلى حاكم مستبد”.

إن مواقف أوروبا الأخيرة  تدل على عدم استيعابها لحقيقة أن العدالة والتنمية التركي قام بنهضة شاملة حولت الجمهورية التركية إلى “تركيا جديدة” قوية متحررة من الوصاية الدولية والإملاءات الغربية، فكانت هذه المواقف والتصريحات الأوروبية غير المنضبطة ولا ديمقراطية جعلت أوروبا كالمريض بالحمى يهدي بكل ما في عقله.

قال “ديديه بيليون” نائب رئيس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي: “…إن الأوروبيين عاجزون عن فهم إنجازات أردوغان في بلده.. تركيا لم تعد ذلك البلد الصغير الذي تتحكم به أوروبا..نحن الآن في أوروبا “الرجل المريض” وليس تركيا “.

ومن أمثلة تصريحات “أوروبا المريضة” ما جاء عن “نوربيرت روتغين” العضو في المجلس الفيديرالي الألماني :”بأن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ستنتهي في حال خرجت نتائج التصويت على الاستفتاء بـ نعم”.

يـــــــــــــتــــــــــبــع

 


هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه

زر الذهاب إلى الأعلى