روائع التاريخ العثمانيمشاهير

السلطانة عديلة: عميدة الطبقة المخملية العثمانية

قبل فترة التغريب التي عاشتها الإمبراطورية العثمانية خلال القرن الثامن عشر، لم يكن هناك ما يسمى بـ “الطبقة المخملية” أو “طبقة النبلاء”. كان هناك الأغنياء، والرجال الذين يشغلون مناصب عالية، ومع ذلك، لم يعرف العثمانيون كلمة “النخبة” بالمعنى الذي عرفته دول أوروبا.

وكان السبب البسيط في ذلك، هو عدم وجود “بارونات” في نظام الوراثة العثماني، والذي لم يسمح لورثة الباشوات الأغنياء بوراثة ممتلكات آبائهم. فوفقًا للقانون العثماني، عندما يتوفى “خادم” رفيع المستوى من خدم السلطان، يذهب ميراثه لخزينة الدولة، في حين يُسمح للورثة بتلقي جزء من الميراث كافٍ لمساعدتهم على كسب عيشهم. وهكذا، لم تكن هناك “دماء زرقاء” في المجتمع العثماني، وكانت عائلة النخبة الوحيدة، هي العائلة العثمانية نفسها.

إلا أن بعض أغنياء العثمانيين قرّروا أن يصبحوا “الطبقة المخملية” في المجتمع، وقد حاولوا ذلك للمرة الأولى في القرن الثامن عشر، وسميت تلك الفترة بـ “فترة التوليب”، بسبب استيراد زهور التوليب من الدنمارك. أما المحاولة الثانية، فقد بدأت في القرن التاسع عشر على يد محمود الثاني واستمرت على يد أبنائه عبد المجيد وعبد العزيز، وكانت تلك العلامة المميزة لذلك القرن.

أما الثالثة من قادة حملة التغريب، فكانت شقيقتهم السلطانة عديلة، والتي اشتهرت بثروتها وقصورها المتوهجة على طول البسفور، وحفل زفافها الذي استمر أسبوعًا كاملًا.

السلطانة اليتيمة

وُلدت عديلة في الأول من تموز/ يوليو سنة 1826، في قصر توبكابي، والدُها السلطان محمود الثاني، ووالدتُها السلطانة زيرنيغار والتي توفيت بعد ولادة ابنتها عديلة بفترة قصيرة.

اسمها “عديلة” يعني (سيدة العدالة)، وقد جاء الاسم من اللقب الذي اشتهر به والدها “عدلي”. ربما يختلف الكثيرون على أحقية السلطان محمود الثاني لحمل لقب العادل، إلا أن الجميع كان متفقًا حول اسم السلطانة عديلة، والتي عُرفت بكرمها ومساعدتها للفقراء ورعايتها للأيتام.

تلقّت عديلة بطبيعة الحال تعليمًا رفيع المستوى في قصر والدها، وقد أحبت الشعر كثيرًا، الأمر الذي دفعها لكتابة ديوانٍ خاصٍ بها في سنواتها الأخيرة. وتعد عديلة، الفرد الوحيد من عائلةٍ حاكمة الذي كتب ديوانًا شعريًا خاصًا به.

وعلى الرغم من أنها لم تصل لمرحلةٍ في كتابة الشعر تمكنها من منافسة كبار الشاعرات العثمانيات مثل ظفر وفتنة ونيغار، إلا أن عديلة استطاعت من خلال الشعر التعبير عن المشاعر المتخبطة التي كانت تشعر بها، وإيصال حبها وحنينها للآخرين. ومن يقرأ شعرها، يعرف أنها كانت سيدةً غنيةً ولكن مكتئبة، ومحاطةً بالكثير من الحب على الرغم من فقدانها والدتها في وقتٍ مبكر من طفولتها.

بعد وفاة والدتها، اعتنت بها السيدة نيفيدان، والتي كانت تلقب بـ “كادن أفندي kadınefendi”، وهو اسمٌ خاصٌ بكبيرات الخدم في قصور السلاطين. أحبتها عديلة كثيرًا، وكتبت في حبها قصيدةً تقول فيها: “لم تكن أقل من أم حقيقية، لقد كانت أمي التي لم تلدني”.

زفافٌ بسبعة أيامٍ وليال

بعد وفاة السلطان محمود الثاني سنة 1839 واستلام ولده عبد المجيد مكانه، اعتنى بها أشقاؤها عبد المجيد وعبد العزيز. وتزوجت من المارشال في الترسانة الملكية، محمد علي باشا، والذي كان معروفًا بحسن مظهره. عمل محمد كقائدٍ للبحرية، ثم رئيس أركان في الجيش، وأخيرًا كوزيرٍ للسلطان عبد المجيد.

بدأت التحضيرات لزفافهما في الثامن والعشرين من نيسان/ أبريل سنة 1845، قبل عامٍ كاملٍ من الزفاف الذي استمر لسبعة أيامٍ بلياليها، الأمر الذي جعله الحدث الاجتماعي الأهم في الحياة العثمانية في القرن التاسع عشر.

الثرية التي عاشت النكبات

عاشت عديلة حياةً رائعةً ملؤها الثراء، إلا أنها عانت من خسارة أفراد عائلتها. انتقلت بعد زواجها إلى قصر نيشيتاباد على الساحل الغربي للبوسفور، والذي أصبح اليوم جامعة معمار سنان للفنون الجميلة. أنجبت عديلة ثلاثة أطفال، مات اثنان منهم في طفولتهما المبكرة.

يُقال إنها كانت تمتلك ستة مساكن ملكية: قصر نيشيتاباد، وقصرٌ على الجانب الشرقي من البوسفور شيّده زوجها ويسمى اليوم رسميًا باسمها “قصر عديلة”، وقصرٌ في تشامليجا، وثلاثةٌ على طول البسفور.

كانت عديلة متدينة جدًا، وهي عضوةٌ في الصوفية النقشبندية. كانت تعقد اجتماعاتٍ للشيوخ والدراويش في نيشيتاباد، والتي كانت نوعًا من التقاليد التي تُمارس من أجل معرفة السلطان باحتياجات الفقراء.

سنة 1869، خسرت عديلة كلًّا من زوجها وطفلتها الوحيدة السلطانة خيرية. قضت حياتها بعد ذلك في الأعمال الخيرية حتى وفاتها سنة 1899. أنشأت ما لا يقل عن 14 مؤسسة لمساعدة المحتاجين، وأولت اهتمامًا خاصًا بالفتيات اليتامى. وقد تم تحويل قصرها في كانديلّي بعد وفاتها إلى مدرسةٍ للفتيات.

كتبت عديلة نوعين من الشعر، فقد كتبت في الثناء على الله ومديح النبي وأهل البيت والقادة الدينيين والصوفية، كما كتبت في رثاء أفراد عائلتها بما فيهم والديها وشقيقيها وزوجها وابنتها.

يقع قبرُ عديلة بجانب ضريح زوجها في مقبرة هوسريف باشا في حي أيوب في إسطنبول.

زر الذهاب إلى الأعلى