أرقام وإحصائيات.. كيف تأثر التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل بعد حرب غزّة؟
شهدت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل، تراجعاً وتوتراً في أعقاب التصعيد الأخيرة بقطاع غزة، لتشمل لاحقاً العلاقات التجارية والاقتصادية أيضاً، حيث تجسّد ذلك في تقلص التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب إلى أكثر من النصف، بحسب ما كشف عنه وزير التجارة التركي، كما طالت هذه التأثيرات مشروعات الطاقة المشتركة والتي أعلن الأتراك إلغاءها.
وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، في برنامج تلفزيوني على قناة “A Para”، إنه “لا يمكن الحديث عن أي شيء من التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل دون وقف لإطلاق النار”.
وتطرق الوزير التركي إلى وضع المشاريع المحتملة المتعلقة بالطاقة بين تركيا وإسرائيل بعد الهجمات الإسرائيلية على غزة، موضحاً أن “الحديث عن أي مشروع في مثل هذه الأجواء، حيث تجري مثل هذه الوحشية الكبيرة والمأساة الإنسانية، سيكون بمثابة عدم احترام للإنسانية، ولإنسانيتنا وإخواننا هناك”.
وتابع بيرقدار أن “الشيء الوحيد الذي سنتحدث عنه من الآن فصاعداً هو حاجة غزة إلى الكهرباء والماء والغذاء وكيفية توفير ذلك؟ وهذا يمكن أن يحدث، وهذا هو المشروع الوحيد الذي يمكن الحديث عنه الآن”، مشيراً إلى أن تركيا أرسلت مولدات وهي الآن عند بوابة رفح.
وأضاف أن أنقرة أرسلت سفينة “باور شيب” التي تُعد محطة كهرباء عائمة إلى غزة، وقال: “يمكننا إعادة هؤلاء الناس (في غزة) إلى حياتهم الطبيعية؛ ولا يمكن الحديث عن أي شيء بدون وقف إطلاق النار”.
انخفاض العلاقات الاقتصادية
في السياق ذاته، قال وزير التجارة التركي عمر بولات، إن “التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل انخفض بنحو 50% منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2022”.
وأضاف الوزير التركي خلال مؤتمر صحفي على هامش زيارته إلى دولة الكويت، أن “انخفاض التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب يعود إلى قلة إقبال رجال الأعمال الأتراك والتجار على طلب المنتجات الإسرائيلية بعد العدوان على قطاع غزة”.
شدد كذلك بولات على حرص تركيا على زيادة تجارتها مع الدول العربية خلال الفترة القادمة، مشيراً إلى أن زيادة تجارة أنقرة مع الكويت إلى مستوى 5 مليارات دولار في 5 سنوات أمر مهم لكلا الجانبين.
وأوضح الوزير التركي أن تركيا تعمل في هذه المرحلة على زيادة مشترياتها النفطية من الكويت، وعلى شراء الكويت المزيد من المنتجات التركية مثل الملابس والآلات وقطع غيار السيارات ومنتجات الحديد والصلب ومشاريع الدفاع من تركيا.
كيف تأثر التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل؟
تجمع تركيا مع الاحتلال الإسرائيلي علاقات تجارية منذ عام 1990. وعلى مر السنين، زاد حجم الصادرات والواردات من تركيا وإسرائيل بشكل مطرد لمدة 10 سنوات تقريباً، وصولاً إلى بداية الألفية الجديدة. وتوصف هذه الحقبة بالذهبية في تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية، بحسب تقرير لـ “عربي بوست”.
وتم توقيع اتفاقية التجارة الحرة (FTA) بين تركيا وإسرائيل في عام 1996، ويتم بموجبها إعفاء واردات المنتجات الصناعية من البلدين من الرسوم الجمركية بشكل متبادل. وتعدّ “إسرائيل” الدولة الثالثة عشرة التي تصدر إليها تركيا أكبر عدد من المنتجات.
في حين صدَّرت تركيا إلى الاحتلال 3.8 مليار دولار في الفترة يناير/كانون الثاني – أغسطس/آب 2023، بلغت وارداتها من الاحتلال في الفترة ذاتها 1.2 مليار دولار.
كما تُعد تركيا أيضاً موقعاً مهماً لقضاء العطلات للسياح الإسرائيليين. إذ حطم عدد الإسرائيليين الذين زاروا تركيا رقماً قياسياً بـ570 ألفاً عام 2019. ومع إعادة فتح الحدود بعد الجائحة، اقترب عدد السياح الإسرائيليين القادمين إلى تركيا عام 2022 من 700 ألف.
أما السلع الرئيسية المصدرة من تركيا إلى الاحتلال الإسرائيلي، فهي المعادن والآلات والبلاستيك ومنتجات الأسمنت والمنسوجات والسيارات. وكان من المخطط أن تقوم تركيا والاحتلال بتحسين علاقاتهما التجارية في نطاق خطوات التطبيع.
في تقرير جمعية المصدرين الأتراك (TİM)، ارتفعت حصة تركيا، التي تحتل المرتبة الرابعة في واردات الاحتلال الإسرائيلي، من 6% في عام 2021 إلى 8% في عام 2018.
تصدّر تركيا العديد من المنتجات الغذائية والزراعية إلى الاحتلال الإسرائيلي، لكنها تهيمن بشكل أساسي على سوق الحديد والصلب في “إسرائيل”.
بحسب جمعية مصدري الصلب (CIB)، بلغ إجمالي صادرات تركيا من الصلب 21 مليار دولار في عام 2022، وسجل تقرير TIM أن تركيا صدرت ما قيمته 1.4 مليار دولار من الفولاذ إلى إسرائيل في عام 2021.
وبرئاسة رئيس مجلس إدارة بنك CIB، عدنان أرسلان، اجتمعت 17 شركة تركية مصدرة للصلب مع شركات إسرائيلية في تل أبيب لزيادة التجارة في سبتمبر/أيلول 2022، مشيراً أيضاً إلى أن إسرائيل تستورد 65% من الفولاذ الذي تستخدمه من الشركات المصنعة في تركيا.
توقف قطار التطبيع
بدأت تتحسن العلاقات الدبلوماسية التركية الإسرائيلية عام 2022 بعد التوتر الذي استمر منذ 2007، وبدأت الانفراجة بعد الزيارة الأولى على مستوى رؤساء الدول في مارس/آذار 2022؛ عندما زار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تركيا.
في عام 2022، زادت أيضاً الاتصالات بين وزراء التجارة والصناعة والتكنولوجيا والشؤون الخارجية والدفاع الوطني في تركيا ونظرائهم من الاحتلال الإسرائيلي.
واعتباراً من عام 2018، تم تمثيل العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال، ما يعني أن العلاقات كانت تتم من دبلوماسيين يتصرفون نيابة عن السفير دون تعيينهم. وتم تعيين السفراء في ديسمبر/كانون الأول 2022.
في بيانه خلال زيارته للدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2023، قال أردوغان إنهم سيبدأون أعمال التنقيب عن الطاقة مع “إسرائيل”.
وقال الرئيس التركي: “سنبدأ في تشغيل خطوط نقل الطاقة ليس فقط إلى تركيا، ولكن أيضا من تركيا. أي من تركيا إلى أوروبا”.
وأوضح الرئيس التركي أنه كان من المتوقع أن يتوجه وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار إلى تل أبيب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنَّ الزيارة ألغيت بسبب العدوان الإسرائيلي.
بعد رفض الرئيس أردوغان اعتبار حماس “منظمة إرهابية” ووصفها بالحركة التحررية، تم إلغاء بعض منتديات الأعمال التي كان من المقرر عقدها بالاشتراك مع تركيا في “إسرائيل”.
توترات لا تُنسى
شهدت العلاقات بين تركيا والاحتلال الإسرائيلي توترات مختلفة في فترات متباعدة وكانت أبرز الأحداث التي لا تنسى في العلاقات مع إسرائيل خلال حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي كما يلي:
– حرب غزة 2008-2009: خلال العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة في 2008-2009، انتقدت تركيا الاحتلال الإسرائيلي بشدة، وأرسلت مساعدات إلى غزة ودعت “إسرائيل” إلى إنهاء العملية.
– ظهور أردوغان “دقيقة واحدة” في دافوس عام 2009: تمت دعوة رئيس الوزراء التركي آنذاك أردوغان والرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز أيضاً إلى حلقة نقاش بعنوان “غزة: نموذج للسلام في الشرق الأوسط” في المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)) المنعقد في دافوس بسويسرا.
ورداً على كلام بيريز، اعترض أردوغان على مدير الجلسة الذي أراد مقاطعته بقوله “دقيقة واحدة”، وقال لبيريس: “أنت تعرف كيف تقتل جيداً”. وقال أردوغان: “لقد انتهى دافوس بالنسبة لي” وغادر اللجنة، ولم يحضر المنتدى الاقتصادي العالمي مرة أخرى.
– حادثة مافي مرمرة 2010: في 31 مايو/أيار 2010، قتل جنود إسرائيليون 9 مواطنين أتراك، وأصابوا العديد من الآخرين على متن سفينة مافي مرمرة توفي منهم شخص تركي لاحقاً متأثراً بإصابته، ضمن الأسطول الذي انطلق لتوصيل المساعدات إلى غزة.
– بعد حادثة مافي مرمرة، جمّدت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي، وبناء على طلب تركيا، وافق الاحتلال الإسرائيلي على الاعتذار عام 2013 وتم التوقيع على اتفاقية تعويض بقيمة 20 مليون دولار، وبهذا الاتفاق بدأت العلاقات تتحسن.
– أزمة القدس 2017: اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2017، بينما قال أردوغان إن “القدس خط أحمر للمسلمين”.
وعقد أردوغان اجتماعاً لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول بصفته الرئيس المؤقت لها، وصدر إعلان أعلن فيه أن “القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين”. وأصبحت أزمة القدس مصدراً جديداً للتوتر في العلاقات.
– مسيرة العودة الكبرى 2018: تم استدعاء السفراء في شهر مايو/أيار 2023، نتيجة توتر العلاقات التركية الإسرائيلية مرة أخرى مع هجمات القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين الذين شاركوا في “مسيرة العودة الكبرى” التي بدأت في مارس/آذار 2018.
– صراعات 2021: في 6 مايو/أيار 2021، بدأت الصراعات بعد أن قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إبعاد بعض العائلات الفلسطينية التي تعيش في حي الشيخ جراح بالقدس، قسراً من منازلها وإعادة توطينها في أماكن أخرى. وقال أردوغان: “إن إسرائيل قاسية، دولة إسرائيل إرهابية، تهاجم المسلمين في القدس بطريقة وحشية وغير أخلاقية”. وأدانت جميع الأطراف في الجمعية الوطنية الكبرى التركية إسرائيل بشدة في بيان مشترك.
الموقف التركي من التطورات في غزة
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) وفصائل أخرى في المقاومة الفلسطينية، إطلاق عملية أسمتها “طوفان الأقصى” ضد أهداف إسرائيلية في غلاف قطاع غزة التي تعاني من حصار مطبق منذ سنوات.
إسرائيل وأمام مباغتة المقاومة الفلسطينية لها، ردت على “طوفان الأقصى” بإطلاق ما أسمته “عملية السيوف الحديدية”، قصفت بموجبها المناطق السكنية وأهداف حماس في قطاع غزة ومحيطها، في محاولة منها لردع العملية الفلسطينية وإيقافها.
وخلّفت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، آلاف القتلى وعشرات آلاف الإصابات بين المدنيين، وسط تحول القطاع إلى ما يشبه الدمار والركام، وحديث عن إخلاء القطاع من سكانه وإجلائهم نحو الجنوب قرب الحدود مع مصر.
ومنذ اللحظة الأولى لتصاعد التوتر الفلسطيني الإسرائيلي، أكدت تركيا وعلى لسان كبار مسؤوليها على ضرورة وقف إطلاق النار بأقرب وقت حقناً للدماء وتجنباً لمزيد من الضحايا المدنيين، فيما أكد رئيسها رجب طيب أردوغان على أن الحل لتحقيق السلام في المنطقة وفي فلسطين يمر عبر تأسيس دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة بحدود 1976 وعاصمتها القدس.
وأمام تصعيد إسرائيل من هجماتها تجاه المدنيين في غزة وعدم استجابتها لمطالب وقف إطلاق النار، صعّدت تركيا ورئيسها أردوغان من موقفها ضد إسرائيل متهمة إياها بـ “ارتكاب المجازر والإبادة الجماعية” في غزة، قبل أن تعلن في 4 نوفمبر/ تشرين الجاري استدعاء سفيرها في تل أبيب إلى أنقرة “للتشاور” رداً على المجازر الإسرائيلية بالقطاع.
وأرسلت تركيا حتى الآن عدة طائرات إلى مصر، محملة بمساعدات مختلفة لسكان غزة، إلى جانب فريق من الأخصائيين الطبيين الذين سيقومون بالتحضيرات اللازمة من أجل بناء مشافي ميدانية تركية في معبر رفح وفي مطار العريش بمصر، لعلاج الجرحى الفلسطينيين.
بدورها، أعلنت جمعية الهلال الأحمر التركي تكفّلها بسد احتياجات الطاقة الكهربائية للمشافي وسيارات الإسعاف في غزة، طيلة شهر كامل، فيما تواصل منظمات إغاثية تركية إطلاق حملات لدعم ومساعدة سكان غزة.
ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلنت تركيا استدعاء سفيرها في تل أبيب إلى أنقرة للتشاور “رداً على المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة.