الأسباب الحقيقية لانهيار الليرة التركية لمستويات تاريخية.. من المستفيد والخاسر من هذه المعركة!؟
تخطّى هبوط الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية حاجز “الذروة التاريخية” التي كانت قد بلغته قبل أيّام، في مؤشرٍ يراه بعض خبراء الاقتصاد “خطراً”، لا سيّما بعد قرار البنك المركزي بخفض سعر الفائدة بنسبة 1%.
وجاء قرار البنك المركزي بعدما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء الفائت، أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم: “الحكومة عازمة على إزالة آفة الفائدة المرتفعة على عاتق شعبها”.
وخسرت الليرة التركية هذا العام نحو ثلث قيمتها، مع توقعات الخبراء باستمرار هبوطها لتقفل عند 12 ليرة نهاية العام الجاري.
ومع استمرار تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، تطرح الكثير من الأسئلة نفسها حول قرار الرئيس التركي بخفض سعر الفائدة إيجابياته وسلبياته وتأثير الانخفاض على المستثمرين والحركة التجارية وإذا ما كانت أنقرة تتجه نحو أزمة اقتصادية.
للوقوف على كلّ هذه الأسئلة حاورت وكالة “ستيب الإخبارية” كلّ من الفاعل الاقتصادي التركي، نائب رئيس منتدى الأعمال الدولي غزوان المصري، والخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي.
تأثير العوامل السياسية على الليرة التركية
يقول نائب رئيس منتدى الأعمال الدولي غزوان المصري: “تركيا ليست بالدولة الصغيرة، فاقتصادها يندرج ضمن الدول العشرين الصناعية الكبرى في العالم، ويعتمد اقتصاد تركيا بشكل كبير على الصناعات الصغيرة والمتوسطة وقطاع الخدمات: السياحة والطيران والإنشاءات والعقارات”.
ويضيف: “كما أنه تُظهر العملة التركية حساسية تجاه الأزمات الخارجية، وخاصةً الأزمات مع واشنطن في عدد من الملفات، وأي توتر في العلاقة بين أنقرة وواشنطن يؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد التركي بشكل عام والليرة بشكل خاص، فأمريكا تحاول لي ذراع تركيا بتلاعبها باقتصادها والليرة التركية، ولكن العلاقات التركية الأمريكية مهما تأثرت بهذه الأزمات المصطنعة، إلا أنها لا تدوم طويلاً لكون هناك وعي دولي بالدور الذي تلعبه أنقرة في أمن واستقرار المنطقة بكاملها”.
ويتابع: “فالعوامل السياسية لها دور مهم على استقرار العملة التركية، فكلما نجحت تركيا في علاقاتها السياسية الخارجية، وحافظت على سياسة داخلية مستقرة وقدمت مشاريع استراتيجية جديدة، يؤدي ذلك إلى قوة لاقتصادها والليرة أمام العملات الأجنبية.
وعندما تكون هناك انتخابات في تركيا أو ملف للضغط على تركيا، تتقمص وكالات التصنيف الائتماني الأدوار المناطة بها، فتنتهز الفرصة لتخفيض مستوى التصنيف الائتماني لتركيا، أو الضغط على العملة التركية في الأسواق العالمية كما صرح بهذا علناً ترامب لإخضاع تركيا، وأصبح من المؤكد حدوث وتكرار هذه السيناريوهات مع كل أزمة”.
ويواصل المصري حديثه: “الليرة التركية تتبع نظام الصرف الحر منذ عام 2000، أي أنها تخضع لسوق العرض والطلب، حيث تم التخلي عن سعر الصرف الثابت لليرة على أثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد الأزمات الاقتصادية التي عاشتها تركيا نهاية التسعينيات”.
أهم عقبات الاقتصاد التركي
يرى الخبير الاقتصادي وهو أيضاً رجل أعمال تركي، أن أهم عقبات الاقتصاد التركي “تنحصر في الدين الخارجي القصير الأجل (أي الأموال الساخنة)، وعجز في الميزان التجاري بسبب فاتورة الطاقة التي تستوردها من الخارج، وبالتالي ينعكس على الحساب الجاري”.
المستفيدون والخاسرون من انخفاض الليرة التركية
وفيما يتعلق بسلبيات وإيجابيات تراجع الليرة، المصري يؤكد أن انخفاض الليرة -مثل كل عملة لدولة صناعية- يؤثر بالسلب على بعض المتعاملين، لكن تراجع العملة التركية يفيد متعاملين آخرين.
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن العملة التركية رغم تراجعها فإنها تستند إلى اقتصاد متين ومرن يعتمد على الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتأقلم مع سياسة الأزمات، فكل أزمة تخلق فرصاً، فهناك أطراف تربح بسبب انخفاض العملة.
ويضيف: “ومن هؤلاء الرابحين الصادرات والشركات التركية المصدرة إلى الخارج، ويساعد على تنشيط الإنتاج الداخلي الموجه للتصدير، حيث إن انخفاض الليرة يمنح الشركات المصدرة قدرة تنافسية أكبر وفرصة لبيع السلع بوتيرة أفضل ويعزز الصادرات التركية نحو الخارج.
الاستثمارات الخارجية تبدأ بالتدفق على تركيا، لكون تراجع الليرة يحفزهم على دخول السوق التركية لاقتناص الفرص الاستثمارية بأقل كلفة.
تستفيد السياحة التي هي جزء أساسي من اقتصاد تركيا، فتراجع الليرة أمام العملات الصعبة يشجع السياحة إلى تركيا بكلفة أقل وأكثر تنافساً، وأيضاً الحكومة تستفيد من هذه العوامل بتقليص العجز التجاري”.
المصري يتابع: “أما بعض الخاسرين جراء تراجع الليرة التركية، فمنهم الشركات المستوردة من الخارج، لأنها تدفع مبالغ أكبر بالعملة الأجنبية مقابل استيراد السلع والخدمات، والمستهلكون بالداخل، لكون انخفاض الليرة يدفع إلى ارتفاع الأسعار بالداخل ومن ثم زيادة معدلات التضخم، ولكن تركيا تقوم بتخفيف حدة الخسارات من خلال توظيف المبالغ المتحصل عليها من ارتفاع مستوى الصادرات في امتصاص أي صدمة للأسعار داخلياً، مع رفع رواتب الموظفين بمقدار التضخم كل ستة شهور.
الشركات التي حصلت على ديون بنكية بالعملة الصعبة تتأثر بشكل كبير من انخفاض العملة، والمستثمرون الأجانب في قطاع الشقق السكنية، تهبط قيمة شققهم مقابل العملة الأجنبية على المدى القصيرة ومن ثم تعوض هذه الخسارة بالمدى المستوى المتوسط والبعيد”.
ارتفاع معدل التضخم بتركيا
إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي المقيم في إسطنبول: “سبب هبوط الليرة التركية اليوم مع نهاية التعاملات تعني أن الحالة النفسية لدى المتعاملين في السوق تعتبر ردة فعل لما حدث بالأمس من قرار لجنة السياسات في البنك المركزي التركي بخفض معدل الفائدة 1%؛ وكذلك التصريحات التي أدلى بها الرئيس أردوغان حول عزمه على تراجع معدلات الفائدة بما يحقق مصلحة المستثمرين”.
ويزيد في ذات السياق: “وكما نعلم أن سعر الصرف وعمل البورصات عموماً شديد الحساسية للتعامل مع التصريحات السياسية، وخاصةً إذا ما كانت في حجم شخصيات كبيرة بمستوى رئيس الجمهورية، ولكن طبعاً استمرار هبوط الليرة التركية سيكون أحد أسباب التي ستؤدي إلى استمرار التضخم عند معدلات مرتفعة عند 20%”.
مستقبل الليرة التركية
وفيما يتعلق بمستقبل الليرة التركية، يرى الخبير الاقتصادي أن مستقبل الليرة التركية سواء التحسن أو التراجع فهذا “مرتبط بطريقة المعالجة التي ستتبعها السياسة الاقتصادية للحكومة التركية بالتنسيق مع البنك المركزي كجهة مستقلة تدير السياسة النقدية، وبالتالي هذا الأمر سيتحدد خلال الفترة القادمة يمكن في الأجل القصير المردود سيكون غير واضح.
لكن في الأجل المتوسط السياسات الاقتصادية التي سيعلن عنها لمعالجة الآثار الناجمة عن التضخم أو الأسباب المؤدية إلى التضخم في جانب العرض أو جانب الطلب، سيكون واضحاً في الأجلين المتوسط والطويل، أما في الأجل القصير فنحن أمام تذبذبات المضاربات أو إذا ما تدخل البنك المركزي بضخ الأموال لتبريد سعر الصرف و تحسين قيمة العملة.
لكن على ما يبدو أن البنك المركزي ليس على استعداد الآن للتضحية بإهدار المزيد من احتياطي النقد الأجنبي من أجل حماية سعر الصرف، لكن عملية المضاربة قد تهدأ خلال أسبوع وتكون معدلات سعر الليرة أمام الدولار فيها شيء من التحسن، لكن هذا مجرد توقع والواقع سيسفر عن نتائج حقيقية”.
هل تتجه تركيا نحو أزمة اقتصادية!؟
أشارت تقارير إلى أن تركيا تتجه نحو أزمة اقتصادية، وردّاً على ما تمّ تداوله يؤكد الصاوي أن الخبر فيه نوع من التهويل، قائلاً: “نحن أمام العديد من مؤشرات الاقتصاد التركي القوية، ولكن هذا لا يعني أن لا تهتم الحكومة التركية بمعالجة مشكلات سعر الصرف وسعر الفائدة والمضاربات الموجودة على العملة؛ وكذلك حالة الأبعاد الاجتماعية المترتبة على ارتفاع معدل التضخم فعلى الحكومة أن تتبنى مجموعة من السياسات تؤدي إلى معالجات حقيقية وبعيدة عن المسكنات المؤقتة”.
ويمضي في الحديث: “لكن لا أتوقع أن تكون هناك أزمة اقتصادية في تركيا. هناك مشكلات يمكن معالجتها والسيطرة عليها إذا ما وضعت الأدوات الصحيحة للتعامل معها”.
تأثير هبوط الليرة التركية على المستثمرين والحركة التجارية
الصاوي يقول: “إذا كنا نتحدث عن أثر هبوط الليرة على المستثمرين والحركة التجارية في تركيا، فعلينا أن نفرق بين أمرين وهما المضاربين والمستثمرين.
المضاربين عادةً ما يكثرون الشكوى من وجود أي تراجع في سعر الصرف أو ارتفاع معدلات التضخم أو ما إلى ذلك، وهؤلاء لهم أحكام وتوصيف مختلف عن المستثمرين، لأن المضارب يراهن على الأجل القصير وليس على الأجل المتوسط والطويل بعكس المستثمر الذي دائماً يأخذ في الاعتبار التغيرات الموجودة في سعر الصرف أو بعض المتغيرات الأخرى ويضع في حساباته ضمن العملية الحسابية ما يسمى بـ”احتياطيات تقلب سعر الصرف” مثلاً أو احتياط تقلب معدلات التضخم المستورد أو المحلي وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى وضع مجموعة من الاحتياطيات لتأمين الوضع المالي لشركات المستثمرين وما إلى ذلك.
لكن لنكن واقعيين هناك في ظل هذه الأجواء حالة من التضرر بالنسبة للمستثمرين، وبخاصةً الذين يعتمدون على بعض مستلزمات الإنتاج من الخارج، لأنه في هذه الحالة ترتفع فاتورة الواردات بالنسبة لهم، وبالتالي تزيد تكلفة الإنتاج وهذه واحدة من أسباب زيادة معدل التضخم”.
سامية لاوند – STEP News