الاستثمارات التركية في السودان.. شراكة مع الشعب لا الأنظمة
تجمع تركيا والسودان علاقات استراتيجية طويلة الأمد واستثمارات واسعة تشمل الاتفاقيات المبرمة منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير. فما مستقبل الاستثمارات التركية السودانية، في ظل تدخل قوى فاعلة أخرى مثل السعودية والإمارات ومرور البلاد بمرحلة انتقالية؟
يمر الحراك السوداني بمرحلة حرجة، حيث يأمل المتظاهرون في سرعة انتقال مدني للسلطة، في الوقت الذي بدأت فيه الأطراف الخارجية بالتدخل.
فقد قدمت المملكة العربية السعودية والإمارات حزمة مساعدات مشتركة إلى السودان، يوم الأحد 21 أبريل/نيسان الجاري، بإجمالي مبلغ 3 مليارات دولار. أُودعت 500 مليون دولار منها في البنك المركزي “لتقوية مركزه المالي”، على أن تُصرف البقية كمساعدات غذائية وصحية ومشتقات نفطية، حسب وكالة الأنباء السعودية.
وقابل المتظاهرون السودانيون الدعم المقدم في هذه المرحلة الحرجة بالتشكك والريبة، فقد ارتفعت لافتات تحذر البلدين من التدخل في شؤون البلاد، وتعلن رفضها الدعم الخليجي الذي يرونه قمعاً للمسار الديمقراطي ودعماً لقوى الثورة المضادة، كما حدث في بلدان أخرى بالمنطقة وفقا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وترددت أنباء في بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية عن إلغاء الاتفاقية المبرمة بين تركيا والسودان حول جزيرة سواكن الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهو ما نفته وزارة الخارجية التركية، الجمعة، إذ أكد حامي أقصوي المتحدث باسم الوزارة أن هذه الأنباء “لا تعبر عن الواقع”، مشدداً على أن الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) مستمرة في عملها الخاص بترميم الآثار العثمانية الموجودة في الجزيرة.
جذور العلاقات التركية السودانية
على الرغم من ترنُّح الاقتصاد السوداني بعد عقود من العقوبات المفروضة عليه، بالإضافة لانفصال جنوب السودان المنطقة الأغنى بالنفط، إلا أن هذا لم يوقف الاستثمارات الخارجية في البلد المعروف بثرواته الطبيعية.
في عام 2018، بلغت نسبة الصادرات التركية من البضائع والخدمات إلى السودان نحو 360.8 مليون دولار، بينما بلغت الواردات نحو 73.1 مليون دولار، وفقاً لمعهد الإحصاء التركي.
وقد شهد عام 2017 زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفقة مجموعة من رجال الأعمال الأتراك إلى السودان، إذ أعلن حينها رغبة بلاده في رفع استثماراتها تدريجياً داخل السودان حتى تصل إلى 10 مليارات دولار.
وخلال هذه الزيارة، سلم الرئيس المخلوع عمر البشير إدارة جزيرة سواكن إلى تركيا لفترة زمنية غير محددة، كي تقوم بإعادة ترميم الآثار العثمانية الموجودة فيها، ويعتبر ميناء سواكن أحد أقدم الموانيء السودانية الذي يستخدم غالباً في نقل البضائع والمسافرين إلى ميناء جدة، وعلق الرئيس التركي حينها بقوله “الأتراك الذين يريدون الذهاب إلى العمرة في السعودية، سيأتون إلى سواكن ومنها يذهبون إلى العمرة في رحلة سياحية مبرمجة”.
وانتهت الزيارة بارتفاع الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين إلى21 اتفاقية في مقدمتها إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي.
أما على الأرض، تتصدر وكالة تيكا مشاريع البنية التحتية السودانية، حيث أنجزت الوكالة حفر 90 بئراً، وأوصلت أنابيب المياه إلى المناطق النائية، بالإضافة إلى ما يقدمه مستشفى نيالا التركي السوداني من خدمات للسودانيين، كما تخصص الحكومة التركية منحاً دراسية للطلاب السودانيين.
ويتمثل الاستثمار التركي الأكبر في السودان، في مشروع بناء مطار الخرطوم بميزانية تصل إلى نحو مليار دولار.
وبالنظر إلى توتر العلاقات السياسية بين تركيا والسعودية والإمارات، على خلفية عدد من القضايا أبرزها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، فهل يمكن أن تؤثر المساعدات الخليجية سلباً على الاستثمارات التركية في السودان؟
يرى محللون سياسيون أن الإطاحة بالرئيس السوداني ونظامه الحاكم لن تؤثر في العلاقات التركية السودانية، أو يلحق الضرر بالاستثمارات في السودان، نظراً لأنها في غالبيتها استثمارات إنمائية إنسانية يحتاجها السودان بالفعل.
وتحت ظل نظام البشير، قدمت السعودية نحو 2 مليار دولار إلى السودان، ما يعني أن التدخل السعودي ليس جديداً وفقاً لمحمد تاندوغان الأستاذ في جامعة مدنيات بإسطنبول، وأضاف تاندوغان لـTRT “يمكن قراءة المساعدات السعودية الإماراتية المقدمة للمجلس العسكري السوداني في تلك المرحلة الانتقالية، على أنها محاولة لشراء دعم السودان في الحرب على الحوثيين في اليمن”.
وأرجع تاندوغان نجاح الاستثمارات التركية إلى أنها كانت “إنسانية في المقام الأول”، ولذلك سوف تستمر لأمدٍ طويل، وهو ما أكده الجانب السوداني بعدما أشاد السفير يوسف الكردفاني بموقف تركيا خلال الأحداث الأخيرة، كما أعلن التزام بلاده بكافة الاتفاقيات المبرمة مع تركيا واهتمامها باستمرار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
في حين يرى البروفيسور عبدي إسماعيل ساماتر من جامعة مينيسوتا لـTRT، أن المرحلة الحالية التي تمر بها السودان قد يكون لها “تأثير إيجابي على الاستثمارات التركية في البلاد”، كما أشار إلى أن “تركيا تفكر في تقديم المساعدة للقيادة الجديدة”، وهو ما من شأنه أن يعزز العلاقات بين البلدين على المدى البعيد.