ثقافية

“الخرزة الزرقاء” في حياة الأتراك، ثقافة أم خرافة!

قد تكون “الخرزة الزرقاء”، منظرًا جميلًا في بعض الأحيان، عندما ننظّر للأمر من باب الزينة والجمال، وتخف معه وطأة المعتقدات الدينية والأساطير، الإ انه رغم التطور الكبير الذي يشهده العالم، ما زالت الخرزة الزرقاء بكل أشكالها، مُتربعةً في قلوب الأتراك، كدّارئة للحسد، وجالبة للحظ!.

ويستخدم الأتراك بشكل خاص، الخرزة الزرقاء، في كل تفاصيل حياتهم، حيث يعتقد الأتراك حتى يومنا هذا، أنها ترد العين والحسد والنحس، ويتفنون في صناعتها، شكلا ولونًا، ويهتم بها كافة فئات الشعب، بدءًا من البسطاء، ووصولًا الى الأغنياء!.

ويفضل الأتراك الخرزة الزرقاء الزجاجية، ويعتبرونها افضل من البلاستيكي، نظراً لجماليتها- وبرأيهم-، لأنها تنكسر وتتحطم، حينها يدرك الشخص أنه انتصر على العين الحاسدة.

أما عن سر اللون الأزرق، فمرده لاعتقاد القدماء في ثلاثة ألوان، وهي الألوان التي كانت سائدة في حليّهم، الأحمر والأخضر والأزرق، وكان كل لون يرمز لشيء، فالأحمر يرمز لحمرة الدم الذي يجري في العروق، ويمنح الحياة والنشاط، والأخضر يرمز إلى خضرة الزروع التي توفر خيرات الأرض والطبيعة، من حبوب وثمار وخضراوات، واللون الأزرق مرتبط بزرقة السماء، التي تسبح فيها الشمس، وتعيش فيها “الآلهة”، وتحمي الإنسان وتباركه.

ولا يؤمن الأتراك بالخرزة من ناحية دينية، إنما يعتبرون أن هذه الخرزة الزرقاء، أو العين الواحدة، تعمل على جذب الانتباه، وبالتالي تشتيت تركيز العين الشريرة “الحاسدة”، والتخلص من تأثيرها السيء.

وقد آمن الناس قديمًا، بأن للحلي قوى وآثاراً سحرية، إلى جوار وظيفتها في الزينة، فاتخذوا من الحلي تمائم يعلقونها على مختلف أجزاء أجسادهم، واختلفت التمائم باختلاف الغرض المعلقة من أجله، فهناك تمائم للوقاية من الأمراض، وأخرى للوقاية من السحر والحسد والغرق والحوادث.

لا يوجد تاريخ محدد لأصل للخرزة الزرقاء، يقول البعض إنها تعود للقرن السادس قبل الميلاد، وقبل اعتناق الإسلام، كان الإيمان بتأثير الحسد، يختلف باختلاف الوضع الاجتماعي، فالأغنياء استخدموا الحلي المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة، بينما استخدم العامة، الخرز الأزرق المصقول.

وتمكنت تركيا في العام الماضي 2014م، من إدراج ما أعتبرته مجموعة من القيم الثقافية والتراثية إلى قائمة اليونسكو، فيما يخص التراث الثقافي غير المادي، وكانت على رأس تلك القيم الثقافية والتراثية، كل من “ثقافة القهوة التركية وتقاليدها”، وثقافة “الراوي الشعبي”، و”المولويّة”، و”عروض قره كوز، والحاج عواض”، و”المصارعة الزيتية التركية”، و”ثقافة الخرزة الزرقاء”، مما يشكل لدى الأتراك قيمة تراثية وثقافية.

وباتت “الخرزة الزرقاء” هوسًا أصيب به الشعب التركي، الذي يعتقد أغلب أبنائه أنه قادر على حمايتهم من الحسد، ودرء شروره عنهم، وجعلوها أساسًا في حياتهم، إذ لا تكاد تجد بيتًا يخلو منها، أما الأسواق والمحال التجارية، وخاصة تلك التي تبيع (الإكسسوارات)، وأدوات زينة المنازل، فهي تحرص على إدخالها في كل شيء، لكثرة الطلب عليها من قبل الزبائن.

ولشدة ولع الأتراك بهذه الخرافة” الخرزة الزرقاء”، يلجأ الباعة إلى إدخال الخرزة إلى معظم بضائعهم، ولم يقصروها على اللون الأزرق فحسب، بل أصبحت تأخذ ألوانًا أخرى كالأحمر، والأصفر، والأخضر، وغيرها، ليجدها المشتري تخترق كل احتياجاته.

وتحتل الخرزة الزرقاء، والكف، مكانة هامة في الثقافة الشعبية للمجتمعات التركية، حتى عندما يهدون بعضهم الهدايا، فلا بد أن يكون للعين الزرقاء مكانا فيها، فلا يكاد يخلو منها بيت، أو سيارة، او محال، وتعلق عادة كقلادة حول الرقبة، فالناس يعتقدون أن بها قوى سحرية تحصن حاملها من المخاطر، وتقيه من العين الحاسدة، أو تدرأ عن سيارته الحوادث، الأتراك يستخدمون الخرزة الزرقاء في تفاصيل حياتهم كلها.

الخرزة الزرقاء موجودة في كل بيت تركي، وفي المحلات والمكاتب، وثياب المواليد الجدد، وعلى المناشف والشراشف، فإن لم تكن معلقة في مكان ما في البيت، أو العمل، فهي موجودة في الأواني التي يستخدموها، أو التي يحبون اقتنائها.

وتعرف الخرزة الزرقاء أيضًا بأسماء مختلفة في العالم، لا سيما لدى بعض الدول العربية والإسلامية، فاسم “خمسة وخميسة” يشار لها في اللهجة المصرية، ولها أسماء أخرى أقل شهرة، فهي تعرف لدى المجتمعات الإسلامية أيضا باسم بـ “يد فاطمة”، إشارة إلى فاطمة (الزهراء)عليها السلام، وهي بنت الرسول.

الخرزة الزرقاء من المعتقدات الشعبية التركية، ويؤكد الأتراك أنها لا علاقة لها بالدين، لا من قريب ولا من بعيد، فالبعض يعتقد بها، والبعض الآخر يرفضها ولا يعتقد بها، بل يستخدمونها احتياطًا، أو زينةً، ويظنون أنها تعطي طاقة إيجابية، لكن الواقع يقول إن الخرزة الزرقاء محببةً إلى قلوب معظم الأتراك، ورغم أن الدين الإسلامي يؤكد على أنه لا صحة لمثل هذه الأمور في الواقع، إلا انه ليس من المتوقع، أنها ستختفي من حياة الأتراك.

– ولاء خضير – خاص ترك برس

زر الذهاب إلى الأعلى