شباب نيتهم “ستر” البنات وأهل يحققون معهم
ومن المطلعين عن كثب على أحوال الجالية السورية في بريطانيا لينا أمير براق، وهي ناشطة في المجتمع المدني والجالية السورية ومشرفة على صفحات سورية، ومقيمة في مدينة نوتنغهام منذ نحو 30 عاما.
السبب الأساسي للمشكلة كما تراه لينا، هو أن الشباب الذين وصلوا إلى بريطانيا كانت ظروفهم صعبة جدا ويعانون من الوحدة، وتوقعوا أن العائلات السورية ستحتويهم وتقبل تزويجهم بناتها. في المقابل تعاملت العائلات معهم بحذر، ورفعت سقف الضمانات في غياب أي معرفة سابقة بالشاب أو بأهله، فشعر الشباب بإجحاف وبأنهم يتعرضون لتحقيق.
كما أن أهالي البنات لم يكونوا يعرفون أن ضمان الزوجة في بريطانيا ليس بالمهر، وإنما بتسجيل الزواج رسميا، وبالقانون الذي يضمن لها حقوقها بحالة الانفصال.
كما تلاحظ لينا وجود فروقات بين الجنسين في التعامل مع المتغيرات الجديدة، فكثير من الشباب ظلوا محتفظين بعقلية قديمة، معتبرين أن الشاب حين يتقدم لخطبة فتاة سورية فهو “يستر عليها”، رغم أن وضعه غير مستقر. بالمقابل كثيرات من الصبايا لم يعد الزواج من أولياتهن، وقررن إكمال الدراسة أولا والاستفادة من الفرص الجديدة التي أتيحت لهن.
وتقول كان الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و26 عاما يطلبون فتيات أعمارهن 16 و17 عاما، فيرفض الطلب لأن البنات يتابعن الدراسة.
كما حصلت صدامات بسبب حالة المزج بين أطياف سورية مختلفة في وقت لم تكن فيه مستعدة لذلك، لكن هذه الحدة، خفت مع مرور الزمن، كما بدأ الشباب يتعرفون على البلد بشكل أفضل، وأدركوا أن الرواتب التي حسبوها في البداية بالعملة السورية، واعتبروها ضخمة، بالكاد تكفي هنا، كما تقول لينا.
وترى لينا إن خطبات كثيرة تحصل اليوم، كانت مستبعدة سابقا.
الخوف من عدم الزواج لدى الشابات موجود أيضا، لكنه وفقا للينا أكثر احتمالا بين الشابات اللواتي جئن لدراسة الدكتوراه، ونسبة منهن تزوجن من أجانب أو من مسلمين من جنسيات أخرى، والبعض منهن عبر مواقع التعارف الخاصة بالزواج، كما أن بعض الشباب اقتنعوا بالزواج من فتيات بأعمار مقاربة لهم، أو حتى أكبر بقليل.
ولكن بشكل عام لا تزال التقسيمات واضحة في أوساط الجالية السورية. فجيل المهاجرين القدامى، نشأ أولادهم في ظروف مختلفة، وهم عادة يزوجون بناتهم لشباب ينتمون إلى نفسط الوسط، وفقا للينا.
صدر الصورة، JACOBS STOCK PHOTOGRAPHY LTD
وفي محاولة لخلق بيئة مناسبة للتعارف، تقول لينا “حاولنا جمع الشباب من الجيل الثاني مع الشباب الجدد وتنظيم نشاطات وإيجاد قواسم مشتركة خصوصا عبر منظمة ” SCAN UK، “ذا سيريان تشاريتيز أسوسيشسن أند نيتورك إن ذا يونايتد كيندوم” وهي مظلة تضم عدة جمعيات سورية.
بريطانية ولكن!
قبل مدة قرأت على فيسبوك منشورا لشاب سوري يعيش في ألمانيا، ويقول إنه سيتزوج بريطانية مسلمة ولم يعد مضطرا للبحث عن زوجة سورية، تتدلل هي وأهلها عليه، وترهقه بالطلبات.
تواصلت مع الشاب، الذي أخبرني أنها مطلقة ولديها ولدان. لكن هذا لا يعني شيئا بالنسبة له، فهو يحبها.
بداية لم تكن هناك أي طلبات. وبسبب روادع دينية قرر الشاب عقد قران إسلامي أولا بسبب تعقيدات تسجيل الزواج رسميا. لكن قبل عقد القران أخبرته أنها تريد ضمان حقها بمهر قدره 40 ألف جنيه استرليني، وفي النهاية وبعد مفاوضات تدخلت فيها العواطف، تم الاتفاق على مبلغ 3 آلاف.
أسأله، ألا تعرف البريطانية أن الزواج الرسمي يعني اقتسام الممتلكات إن حصل الانفصال؟ فيجيبني “لكنها تعلم أيضا أنني أعمل، ولدي دخل مقبول، لكن ليس لدي أي ممتلكات”.
لا يزال الشاب يعيش في ألمانيا مؤقتا بانتظار حصوله القريب على الجنسية قبل الانتقال إلى بريطانيا. أما الزوجة فتلاحقه بأعذار مختلفة لطلب مبالغ مالية، رغم أنها تعيش في سكن مجاني عن طريق الدولة ولديها دخل خاص، كما يقول.
وللشابات تجارب أخرى. خلود الغانم، سورية مقيمة في شفيلد، وهي زوجة وأم لطفل. لكن لتصل إلى حيث هي اليوم كان عليها قطع عدة حدود، والإقامة لمدة سنة ونصف في ألمانيا.
تقول خلود إنها كانت في سوريا حين تعرفت على زوجها الطبيب المقيم في بريطانيا عن طريق فيسبوك، وسرعان ما أدركت أن الشاب خلوق وجدي، وتطور الأمر إلى حب واتفاق على الزواج.
وبسبب الظروف كان اللقاء الأول في مصر عام 2013 ، و”تأكدت أنه فعلا الشخص الذي أبحث عنه، وكانت بيننا أشياء كثيرة مشتركة، وتمت الخطوبة هناك”.
بعد تقديم الأوراق، جاء الرد بالرفض، وشكل ذلك صدمة كبيرة للإثنين. كما تغيرت الأوضاع، ومنعت مصر السوريين من دخول أراضيها، فقرر الإثنان أن يلتقيا في الأردن حيث تقيم خالة خلود.
حزمت خلود كل أشياءها، وودعت عائلتها، وسافرت إلى الأردن، لكن بعد 14 ساعة على الطريق من دمشق إلى الحدود الأردنية، لم يسمح لها بالدخول.
وتقول خلود “عوملت بفظاظة شديدة، وجروني جرا إلى الباص لأعود إلى الحدود السورية، وكانت الساعة تجاوزت الثانية ليلا، وكان علي أن أبقى في العراء إلى أن تفتح الحدود في الصباح”.
بالنهاية خرجت خلود إلى ألمانيا بتأشيرة دخول دراسية، بعد أن حصلت على قبول في إحدى الجامعات، وهناك تقول “عقدنا قراننا لدى شيخ بانتظار إكمال إجراءات الزواج الرسمي والأوراق الصعبة جدا. وبقيت في ألمانيا سنة ونصف ودرست خلالها، وحصلت على ماجستير”.
أريد أن أتعلم وأستقل ماديا
فيان كل حسين، شابة كردية سورية من مدينة عفرين عمرها 22 عاما، وتعيش مع عائلتها في مدينة ليفربول، وتدرس التصميم الداخلي، وتستعد لدخول الجامعة العام المقبل.
الزواج ليس أولوية بالنسبة لفيان كما تقول، وتضيف أنها طُلبت للزواج مثل أية فتاة بعمرها، لكنها “لا يمكن أن توافق على شخص ليس لديه هدف ولا يدرس، ولا يعمل، أو لديه عمل لا يصنع مستقبلا”، وأهلها يوافقونها الرأي ولا يتدخلون في قراراتها.
وتؤكد فيان أنها تريد أن تتعرف على الشاب الذي سترتبط به في المستقبل، وأن يكون قرارهما مشتركا، ومن دون تدخل الآخرين، والشاب المناسب برأيها “يجب أن يكون متعلما ومثقفا ومندمجا ضمن المجتمع الأوروبي، وهذا لا يعني أنه متخل تماما عن جذوره وأصله”.
صدر الصورة، JOSE LUIS RAOTA / EYEEM
وتقول إن عددا من صديقاتها تزوجن، وتطلقن، والسبب هو الأهل، لأن الزواج حصل من دون تعارف حقيقي.
وهي ترى أن طلب أهل الفتاة مهرا “يصل إلى 10 آلاف أو 15 ألف جنيه استرليني، نتائجه سيئة، وقد يولد لدى الشاب رد فعل عكسي ويضعه تحت ضغوط مادية، ويجعله لا يعامل البنت كشريك حقيقي، والعلاقة لا تكون مبنية على فكرة التفاهم والحب”.
وتقول إن بعض الشباب حين يتم رفضهم، “يسخرون من البنات، ويقولون إنهن أصبحن فجأة عاشقات للعلم”.
وبحسب فيان، فإن نسبة قليلة من الأكراد يتزوجون من خارج مجتمعهم، كما تخبرني بأن الشروط التي تضعها عائلات البنات في الأوساط الكردية تصل إلى اختيار المغني الذي سيحي حفلة العرس.
أما السن المناسب للزواج برأيها فهو حين تكون الفتاة واعية ومتعلمة ومستقلة ماديا، وهذا يختلف حسب التجربة والوعي الشخصي.
نصائح الخالة
تواصلت أيضا مع الخالة أم ياسر كما يدعوها الجميع، وهي مقيمة في شفيلد منذ سنوات طويلة، ولا تبخل في مساعدة الشباب والفتيات في العثور على من يناسبهم، ولوجه الله، ولكنها لا تتدخل في التفاصيل ولا تقدم ضمانات، كما تقول.
تخبرني الخالة أم ياسر أن متوسط المهر في بريطانيا هو 5000 جنيه استرليني، لكن الأهم في نظرها هو أن يكون الشاب حسن الخلق، فهذا هو الضمان الأهم، والمرأة حين تعيش مع رجل لا يُحتمل، تضطر في النهاية إلى خلعه والتنازل عن كافة حقوقها، بل وقد تضطر أحيانا إلى أن تدفع له مبلغا ماليا ليطلقها.
ونصيحتها الأخرى، هي توخي الحذر من الطرفين عندما يتم التعارف عن طريق وسائل التواصل، بعد أن حصلت قصص خداع كثيرة، كما تقول إن بعض الشباب مثلا يطلبون عدة فتيات للخطبة في مدن مختلفة في الوقت نفسه، لذلك تؤكد على ضرورة التقصي جيدا قبل الموافقة على الزواج.
وتخبرني الخالة أم ياسر أيضا عن تجارة جديدة تنتعش من تزويج الراغبين، ومن ضمنها الخاطبات، وأن الخاطبة تتقاضى من 25 إلى 50 جنيها استرلينيا لكي تبدأ بالبحث عن المواصفات المطلوبة، وإذا تمت الخطبة قد يصل ما تطلبه إلى 500 جنيه.
عدا عن مجموعات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي تتقاضى اشتراكا سنويا، وتشترط دفع 500 جنيه قبل عقد القران بيوم، كما تقول.
نجاح وفشل
اخبرتني خلود بقصة صديقة لها تعرفت على شخص عن طريق النت، قال إنه طبيب، ويعيش في بريطانيا، وتزوجا في بيروت. لكنها حين لحقت به إلى بريطانيا اكتشفت أنه ليس طبيبا كما ادعى، وأنه يعيش في بيت يؤجر بقية غرفه لفتيات، ويتركها في البيت ويخرج للسهر، إضافة إلى التعنيف الجسدي واللفظي. بالنهاية تركته وعادت إلى سوريا، وهناك أجهضت حملها لأنها لا تريد ما يربطها به.
سمير، كردي الأصل من مدينة حلب، كان يعيش في مدينة كولن في ألمانيا وعمره 30 عاما، حاول أن يتزوج هناك بالطريقة التقليدية، وفي كل مرة كان الأهل يطلبون مهرا كبيرا وعرسا فخما.
وهو يقول “كنت لاجئا أدرس ولدي عمل بسيط، وهذه الطلبات خيالية بالنسبة لي”. في النهاية تعرف على شابة فرنسية، وأحبا بعضهما، وتزوجا. وهو الآن يعيش مع زوجته في مدينة روان حيث يعمل مهندس صيانة في إحدى الشركات.
السؤال المستحق
ولتوضيح أسباب هذه الظاهرة وأسباب تمسك السوريين بأساليب وممارسات في الزواج غير ملائمة للظروف الجديدة، تواصلت مع الاستشارية النفسية والاجتماعية روعة السمان المقيمة في برلين.
تقول روعة إن الانتقال إلى مكان جديد والاقتلاع من الجذور يفرض عملية تغيير وتكيف، وتعود درجة ذلك إلى مرونة الشخص. هناك أشخاص لديهم قدرة على غربلة العادات والتقاليد والاحتفاظ بما هو مناسب منها فقط. وهناك أشخاص عندهم خوف من المجهول، ومن الذوبان في ثقافة أخرى. وعندما يتغربون يصبحون أكثر تشبثا بعاداتهم، وبدينهم أيضا، رغم أنهم قد لا يكونون ملتزمين في مجتمعاتهم الأصلية.
وهذا يمكن إسقاطه على العادات المتعلقة بالزواج، والطلبات التعجيزية من قبل الفتيات وأهاليهن، والتي يعود جزء منها إلى اعتبار الشرط المادي نوعا من التعويض والأمان بالنسبة لأشخاص خسروا كل شيء في بلدهم، كما تقول روعة.
وتشير روعة إلى وجود نموذجين رئيسيين بما يتعلق بالزواج. الأول يكون بحاجة إلى ماسة للاستقرار، وإعادة بناء عائلة نظرا لافتقاده الشديد لعائلته التي ابتعد عنها. هذا بالنسبة للعامل الداخلي وهو قوي وملح، أما العامل الخارجي فهو ضغط الأهل الذين يريدونه أن يتزوج ويستقر، لكي يطمئنوا عليه.
أما النموذج الثاني فهو الشخص الذي مر بتجربة صعبة، لكنه تأقلم، ولم يعد البعد عن أهله مضنيا، وهو رغم رغبته بتكوين عائلة، يتعامل مع الموضوع بتمهل، ولا مانع لديه من انتظار الشريك المناسب في الوقت المناسب.
كما تقول روعة إنها لاحظت فرقا بين الجنسين في التكيف مع المعطيات الجديدة، وإن الفتيات بشكل عام في بلاد اللجوء اتجهن إلى التركيز على بناء أنفسهن والدراسة وإيجاد عمل، خصوصا في حالة غياب دعم الأسرة، في حين ما زال جزء كبير من الشباب يعتقد أن مسؤوليته تقتصر على العمل خارج البيت وتأمين الدخل، وهو حتى حين يعتمد على نفسه في المنزل يكون مجبورا، ويطمح إلى أن تأتي زوجة، وتحمل عنه هذا العبء.
ومرد ذلك كما ترى الأخصائية النفسية هو أن الأنثى بطبيعتها أكثر مرونة وقدرة على البوح بمشاعرها. بينما يصعب هذا على الشاب، الذي قد يتجه إلى الإدمان، وربما الانتحار، ولا يلجأ إلى العلاج النفسي.
الضغط المجتمعي
سألت روعة عن سبب تمسك بعض الفتيات بشروط صعبة وطلبات لا منطقية للموافقة على الزواج؟ فكان ردها “توجد في ثقافتنا فكرة أن الشاب عليه أن يبذل جهدا ليحصل على الفتاة، وأيضا بشكل عام عندما يتزوج من أجنبية يحترمها، لكنه لا يتعامل بنفس الشكل مع بنت شرقية لا تترفع عليه”.
وتضيف أن هذا يضاف إليه الضغط المجتمعي الذي تواجهه الفتاة إذا قبلت بمهر بسيط أو رمزي، وماذا ستقول لأقربائها؟ بعض الفتيات ليست لديهن جرأة رفض هذه الفكرة، والخوف من مواجهة المجتمع الذي هن جزء منه حتى وإن كن في أوروبا فالتواصل مستمر، والجميع محاط بضغوطات.
صدر الصورة، MARIDALIS NEGRON
وبما أن كثيرين من الأزواج الجدد يعانون من مشاكل، سألت روعة إذا كانوا يطلبون مشورتها النفسية. تقول “تأتيني زوجات فقط للأسف، فالرجل عموما غير منفتح لطلب المساعدة، ويعتبر أن المرأة هي التي يجب أن تبذل جهدا وترضيه”.
لكن روعة مع هذا واثقة من أن التغيير في مفهوم الزواج سيحدث عاجلا أم آجلا، “لأن التشبث بما هو غير ملائم من عاداتنا، سيزيد من حجم التحديات التي فرضتها البيئة الجديدة، وهذا يعني المزيد من المعاناة، وهذا بالتحديد سيدفعنا لتعلم سلوك جديد”.
وتقول روعة “نحن الآن تحت الصفر، في طور فصل أنفسنا عما هو غير صالح أو مفيد في الموروث”.
وتضيف أنه مع مرور الزمن ستتأثر قرارات الارتباط واختيار الشكل المناسب منه. وسيتغير الناس ويدركون أن القانون هو الذي يحمي حقوق المرأة.