السياسة المالية الجديدة في تركيا.. بين الإيجابيات والتحديات؟
ساعاتٌ قليلة فصلت بين تسجيل أكبر انخفاض لسعر صرف الليرة التركية، ثم تعافيها السريع بنسبة بلغت 33% أمام الدولار الأمريكي.
كلمة السر كانت في البداية خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء الإثنين، الذي تناول عدة جوانب من خطة مواجهة الأزمة عبر حماية أمول المودعين والعمل على إعادة الثقة بالعملة الوطنية.
خطاب الرئيس التركي تطرّق أيضاً إلى خطة الحكومة في إطار تشجيع الأتراك على إدخال مدخراتهم من الذهب في النظام الماليّ، والتي تبلغ قيمتها 5 آلاف طن.
وصباح الثلاثاء، استُتبع خطاب أردوغان بإعلان وزارة الخزانة والمالية التركية بياناً تضمّن مجموعة قراراتٍ جديدة تتكامل مع ما أشار إليه أردوغان في خطابه، وخاصةً لجهة حماية أموال المودعين من الخسائر جرّاء التقلبات في سعر الصرف.
فهل يمكن الاعتبار أن تركيا خرجب بخير من أزمة تهاوي الليرة؟ أم أنها مرحلة مؤقتة قبل أن تعود إلى التراجع مع إعلان خفض نسبة الفائدة الذي من المقرر أن يتواصل في المرحلة المقبلة؟
ما هي الآثار السلبية والإيجابية للسياسة المالية الجديدة؟ وهل تعدّ سياسة قوية من وجهة نظر الخبراء؟
في حديث لـ”وكالة أنباء تركيا”، قال الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة إن “وجهة نظر الرئيس أردوغان تأتي أغلب الظن من خبرته الشخصية في عالم الأعمال، وهو يعرف أن هناك الكثير من الأكلاف التي تتم تغطيتها عبر الاستدانة”.
وتابع عجاقة “وبالتالي، هو يعتقد أنه إذا خفف الكلفة على الشركات، فهذه الشركات قد تتجّه إلى زيادة التوظيف وتشغيل يد عاملة بنسبة أكبر”.
وأضاف “بالمطلق، وفقاً لنظرية الرئيس، فهو يختار خفض الكلفة، وعندما يتحقق ذلك ستسوّى الأمور”.
وأوضح أن “هذا التوجّه يتم اسخدامه بالسياسات النقدية عادةً، ولكن فقط عندما نمرّ بمراحل معينة من الدورة الاقتصادية، حيث تعتمد المصارف على مبدأ خفض الفوائد بهدف تشجيع الاستدانة وبالتالي رفع الاستثمار وتحريك الماكينة الاقتصادية”.
وأردف عجاقة قائلا إن “هناك طابع آخر، وهو الذي يمكن أن يكون ذا خلفية من الثقافة الإسلامية التي لا تحبّذ الفوائد العالية، وهذا الأمر هو الذي أثار غضبه على موضوع الفوائد”.
وتطرّق عجاقة إلى “الإشكالية الجوهرية التي قد تواجه السياسات الجديدة”، قائلا “عامّةً، تترك للمصارف المركزية الاستقلالية بالتصرّف بمعزل عن الحكومات، وخاصةً بطريقة أو بالتقنيات المستخدمة للحفاظ على قيمة العملة”.
وتابع “كل المصارف المركزية في العالم، لا تستطيع الحكومات أن تتدخل بالتقنيات التي تنتهجها للحفاظ على قيمة العملة”.
وقال “في ظلّ نظام استقلالية المصارف المركزية التي يعدّ المصرف المركزي التركي واحداً منها، يمكن للحكومة أن تعطي توجيهات ولكن لا يمكنها أن تتدخل بالسياسة النقدية بحدّ ذاتها”.
وأردف عجاقة أن “هذا ما تعتبره الأسواق تدخلاً من قبل السلطة التنفيذية بأعمال السلطة النقدية، وهنا عادة يكون هناك نوع من ردة الفعل في الأسواق”.
وتابع “هذا الأمر حدث حتى أيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما تدخّل بموضوع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ووجّه انتقادات لاذعة لرئيس الاحتياطيّ الفيدراليّ وللأعضاء، ويومها تعرّض الدولار لخضّة نتيجة ذلك”.
وأضاف عجاقة “الأكيد أن الأسواق غير راضية عن تدخّل الرئيس أردوغان، بل تعتبرها بمثابة مساس باستقلالية المصارف المركزية، وبالتالي العديد من الأسواق تقوم بردّة فعل، وعادة تكون بالتخلص من الاستثمارات أو هروب رؤوس الأموال وغير ذلك”.
وتطرّق عجاقة إلى الاقتصاد التركي، قائلاً “تاريخياً، الاقتصاد التركي يضرب فيه المثل، وخاصةً منذ عام 2000 وحتى وقت قريب، من ناحية اجتذابه لرؤوس الأموال، حتى بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 20% من الناتج المحلّي الإجمالي في تركيا”.
وحول مدى نجاح سياسة الحكومة التركية الاقتصادية، قال عجاقة إنه “ينبغي الأخذ بعاملين للإجابة على هذا التساؤل، الأول هو عامل اقتصادي بحت، والثاني هو داخلي متعلق بالمواطنين”.
وتابع “بالنسبة للعامل المتعلق بالمواطنين، فقد طرح الرئيس فكرة أن تعوّض الحكومة عن الفارق بالأسعار الناتج عن تقلبات سعر الصرف وسعر الفائدة”.
وأضاف “إذا كان سعر الصرف أفقد الليرة قيمتها، فالأكيد أن ذلك يترتب عنه خسارة على حامل الليرة، لكن المواطن يودع استثماراته بالليرة التركية ويحق له فوائد عنها”.
وتابع قائلاً “الرئيس يتعهد بتعويض الفارق، إذاً هو يطبّق نوعاً من التأمين للمواطنين، وهذا الأمر تترتب عليه كلفة، وبالطبع الحكومة التركية درست ذلك بتمعّن”.
وأشار إلى “شرطين أساسيين لنجاح خطة الرئيس أردوغان بمعزلٍ عن أي اعتبارات أخرى”، قائلاً “إذا اقتنع المواطنون بهذا الأمر ولم يعمدوا لشراء أو التخلص من الليرة التركية لصالح شراء العملات الصعبة، فهذا شرط يمكن اعتباره أجوهرياً لنجاح الخطة”.
وأوضح “أما الشرط الثاني لنجاح الخطة، فهو اقتناع المستثمرين، وخصوصاً الأتراك، أن الفائدة المنخفضة ينبغي أن تدفعهم إلى الاستثمار والتوظيف أكثر”.
وختم عجاقة لافتاً إلى “وجود إشكالية على الصعيد السياسي والتي يمكن أن تكون لها تداعيات اقتصادية مختلفة ويجب أخذها بعين الاعتبار”.
من جانبه، قال الباحث في الاقتصاد السياسي والاجتماعي طالب سعد في حديث لـ”وكالة أنباء تركيا” إن “تحسّنا واضحا شهدته الليرة التركية بحدود الـ 33% بعد خطاب الرئيس أردوغان، وهذا أمر طبيعي لأنه خطاب موجّه مباشرة ومتعلق بمسألة سعر صرف الليرة التي تنهار بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة”.
وحول الإجراءات الجديدة، عبّر سعد عن اعتقاده أن “القرارات الجديدة لن تكون مفيدة لليرة التركية على المدى المتوسط والطويل”.
وأوضح أن “السبب في ذلك هو أنها “إجراءات لم يتم أخذها بسبب انهيار الليرة التركية، كما أغفلت المصدر الذي يزيد الكتلة النقدية في السوق من حيث هي وهمية، والتي تولّدها بالتحديد المصارف التجارية المحلية والأجنبية، بشكل يزيد حجم (مضاعف الائتمان) لليرة التركية”.
وتابع “بالتالي هم يزيدون الكمّية المعروضة من حجم النقد الوطني، وهذا الأمر سيجعل قيمة الليرة تتردّى”.
ورأى سعد أن “هذه الإجراءات التي ولّدت ردة فعل إيجابية، لن تكمل بمسارها التحسّني، لأنها ستعاني في مكان ما من تضخم، وبالتالي ستنتج عنها بعض النتائج من قبيل أن التحسن بنسبة 30% الذي حققته الليرة حالياً، سيتراجع مجدداً لأنه لم يتمّ عمل إجراء بنيوي لتقوية الليرة التركية”.
وقال سعد “كان الأفضل لو ذهبت الحكومة نحو تدعيم الليرة من خلال ربطها بالإنتاج الوطنيّ، وعدم ربطها بنسبة الفائدة أو بقيام الحكومة بدفع فرق خسائر سعر الصرف، لأن هذا سيرتّب على الخزينة العامّة أعباء إضافية ستؤدي إلى تضخّم وبالتالي إلى انهيارٍ بقيمة الليرة”.
وأردف “دائماً سعر الصرف يتأثر بالعامل الاقتصاديّ الذي يشكّل الحصّة الأكبر من مروحة التغيّر، وهناك عاملٌ ثانٍ متعلّق بالسياسة، وعامل ثالث متعلق بالثقة والجمهور”.
وأضاف “أعتقد أن البيان السياسيّ اليوم هو الذي أعطى التحسّن لليرة، ولكن لم يتمّ القيام بإجراء يخصّ الجزء الاقتصاديّ الذي هو الأساس، وهو يشكل صلابة العملة والحصة الأكبر من متانتها”.
ورأى سعد أن “الإجراء لن يؤثر على تعافي الليرة التركية على المدى المتوسط والطويل، لأن البحث ما زال ضمن الأسواق المالية والتفكير بلغة الفوائد وأسواق المال والنقد، وليس بلغة الاقتصاد والإنتاج”.
وحول سياسة التشجيع على الادخار والاستثمار بالذهب، أكد سعد أن “شراء الذهب أفضل من الشراء بعملة مصدرها وقوّتها وإصدارها من بلد آخر، فحتماً يفضّل الادخار بالذهب بدل اللجوء إلى الدولار”.
ونصح سعد أنه “يجب تخفيض ضخ مضاعف الائتمان الذي تولّده المصارف التجارية، وذلك لصالح العملة القانونية أو الفيزيائية التي تسمّى M-0”.
أنباء تركيا