Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عـالـمـيـةمـنـوعــات

تدعي امتلاك “أجزاء سرية” من القرآن.. طائفة “الموريش” الأميركية بعَلم مغربي ومزيج بين الإسلام والمسيحية

كشفت المظاهرات الأخيرة، التي عمّت عشرات المدن الأميركية احتجاجا على مقتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد على يد رجال شرطة بيض بولاية مينيسوتا، النقاب عن عمق الشرخ الاجتماعي والعرقي الذي تعيشه الدولة الأقوى في العالم.

هذا الفصل الجديد من فصول التنديد بعنصرية “الرجل الأبيض” في الولايات المتحدة، كشف في الآن ذاته حجم التنوع العرقي والطائفي الذي يتسم به النسيج المجتمعي بالولايات المتحدة، حيث ظهرت مجموعات عرقية ودينية إلى السطح معلنة تأييدها الصريح لمطالب المحتجين.

 

ولعل من المشاهد اللافتة في هذا الإطار ما جرى تداوله من صور وفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لجماعة من السود الأميركيين يحملون أعلاما مماثلة لعلم المملكة المغربية في مدن وبلدات أميركية عدة، مما أثار تساؤلات وشكوكا بشأن ماهية هذه الجماعة وسر حمل المنتمين إليها العلم المغربي في ظل حراك مجتمعي أميركي صرف.

 

الموريش

كلمة “الموريش” قدمت عناصر إجابة للباحثين عن سر هذا المشهد المثير. فالموريش، أو من يعرفون أنفسهم بمغاربة أميركا، هم طائفة دينية ظهرت في الولايات المتحدة رسميا قبل أكثر من قرن، حيث أعلن مؤسس الطائفة نوبل درو علي في العام 1913 نفسه نبيًّا وأسس معتقدا يخلط بين مبادئ الإسلام وطقوس المسيحية.

 

المتتبع لنشأة هذه الطائفة مع بداية القرن العشرين يدرك أنها ظهرت في ظروف صعبة كان يمر بها السود بأميركا، مما يرجح أن تكون ردة فعل طبيعية لإثبات أنهم ليسوا زنوجا، بل من أصول أفريقية مغربية، وبالتالي يجب أن يعاملوا على قدم المساواة مع سكان الدولة شأنهم شأن باقي الأعراق الأخرى.

أعلن مؤسس الجماعة درو علي أن الديانة الأصلية لسود أميركا هي الدين الإسلامي، وأن عليهم الرجوع إلى أصولهم العقائدية، لكن معتقدهم مختلف كثيرا عن الممارسات الإسلامية، إذ يركز بالأساس على الصراع العرقي بين السود والبيض، وعلى تربية تاريخية تنسب الأتباع إلى شمال أفريقيا.

 

نقطة البداية

ولد درو علي في ولاية كارولاينا الشمالية بشرقي الولايات المتحدة سنة 1886، وكان اسمه تيموثي درو، لأب من أصول مغربية كان عبدا في أميركا، ولأم من قبيلة “الشيروكي” من الهنود الحمر.

تقول بعض المصادر إنه في السادسة عشرة من عمره عمل ساحرًا في سيرك، وكان يتسنى له من هذا العمل التجول خارج الولايات المتحدة، حيث نزل في إحدى الجولات بمصر.

وكانت هذه الجولة في مصر نقطة تحول في حياته، حيث التقى برجل متصوف ادعى أنه علمه حقائق كان يجهلها عن القرآن وغيرها من مبادئ الإسلام.

كما ادعى درو علي أن هذا المتصوف رأى النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) متجسدًا فيه، وبعد عودته لأميركا ظلت فكرة النبوة تعتمل في ذهنه حتى صدح بها إثر رؤيته حلما قيل له فيه “يجب عليك تأسيس دين جديد لرفع البشرية المنهارة”.

مؤسس طائفة الموريش نوبل درو علي (مواقع التواصل)

 

بنى درو علي معبده الأول في نيويورك قبيل الحرب العالمية الأولى، لكنه وأتباعه لم يستقروا في هذه المدينة، وأجبروا على مغادرتها إلى شيكاغو بسبب رفضهم المشاركة في الحرب.

ومن شيكاغو كان الانطلاق الحقيقي لحركته، وأسس هناك “محفل علوم الموريش”، وأساس فكرته على أن “الله بعثه لنصرة السود في أميركا وخلاصهم”، وقد انتشرت فكرته في عشرينيات القرن العشرين، خصوصًا في ولايات نيوجرسي ومتشغان (ديترويت) ونيويورك وفيلادلفيا، وأخيرًا إلينوي (شيكاغو) التي انتقل للعيش فيها عام 1925.

أتباع وخصوم

تشير الإحصائيات إلى أن عدد منتسبي جماعة “الموريش ساينس” (Moorish Science) حتى عام 1928 بلغ 30 ألف عضو، وتقدر مصادر أخرى عددهم حاليا بنحو 60 ألف شخص في عموم أميركا، في حين يقدر عدد معابدهم بالولايات المتحدة بنحو 90 معبدا.

اتسمت علاقة الموريش بالحكومة الأميركية خلال مرحلة النشـأة بالصدام، وبلغ هذا الصدام ذروته بالهجوم على معبدهم ووقوع ضحايا في صفوفهم.

وفي عام 1929، استدعت الحكومة درو علي لاستجوابه، وتعاملت معه شرطة شيكاغو بوحشية ثم أفرجت عنه، ولم يلبث إلا قليلا حتى توفي يوم 20 يوليو/تموز من السنة ذاتها.

رغم وفاته، لم يسلم أتباع درو علي من ملاحقة مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الذي اتهمهم عام 1940 بتأييد اليابانيين في الحرب، دون أن يتمكن من إدانتهم حتى أواسط الخمسينيات.

كما فتحت وفاة درو علي الباب على مصراعيه للمنافسة بين قادة عديدين على زعامة الجماعة، ويشير موقع الموسوعة البريطانية في تعريفه بها إلى أن وفاة زعيمها وما تلاها من خلافات وانشقاقات داخلية أفضت إلى تأسيس جماعة ثانية تعد أشهر جماعات السود الأميركيين وأكثرها نفوذا، وهي حركة “أمة الإسلام” التي أسسها والاس فرد محمد عام 1930.

أتباع طائفة الموريش يختلفون بمظهرهم المميز عن باقي المواطنين الأميركيين من أصول أفريقية (مواقع التواصل)

معتقد الطائفة

تقوم مبادئ ديانة الموريش على خمسة أركان هي: الحب والحقيقة والسلام والحرية والعدالة، ويؤمنون بالأنبياء والرسل السابقين، لكنهم يقدسون “نبيهم” نوبل درو علي.

أما كتابهم المزعوم، ويدعى “القرآن مجموعة الموريش” أو “قرآن الدائرة 7″، فيتضمن آيات من القرآن وعظات من الإنجيل، ويتكون من فاتحة و28 فصلا، الفصل الأول هو خلق وسقوط الإنسان، والفصل الأخير عن نهاية الزمان وتحقيق النبوءات.

كما يدعون امتلاك “آيات سرية” من القرآن، ويرددون في صلواتهم “الله، أبو الكون، أبو الحب والحقيقة والسلام والحرية والعدالة.. الله هو الذي يحميني، هو مرشدي، هو خلاصي، في الليل والنهار من خلال نبيه المقدس درو علي.. آمين”.

تزدان معابد الموريش ومواقعهم بالعلم الأحمر ذي النجمة الخماسية الخضراء، وهو علم مطابق للعلم الحالي للمملكة المغربية، ويفتخرون به، ويعتبرونه رمزًا لجذورهم وهويتهم المغربية.

ويرتدي رجالهم الطربوش المغربي الأحمر، ويسمونه بـ”الفاسي” نسبة لمدينة فاس المغربية، أما نساؤهم فلهن حجاب خاص يميزهن عن باقي النساء من أصل أفريقي في الولايات المتحدة، يتمثل في عمامة رأس سوداء أو حمراء عوض الحجاب التقليدي، وأزياء فضفاضة تخفي تفاصيل أجسادهن.

تحتفل جماعة الموريش بأعياد مرتبطة بالتقويم الميلادي، منها “عيد ميلاد النبي درو” يوم 8 يناير/كانون الثاني من كل سنة، ورأس السنة الموريشية يوم 15 يناير/كانون الثاني، ويوم العطاء يوم 17 مارس/آذار، والملتقى الوطني لطائفة الموريش من 15 إلى 20 سبتمبر/أيلول.

ويمتلك الموريش صحيفة ناطقة باسمهم تدعى “دليل الموريش” (Moorish Guide)، وإذاعة وقناة يوتيوب اسمها “صوت مغاربة أميركا” (The Voice Of Moorish America)، وليست لهم حسابات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، يستثنى من ذلك حسابات شخصية لبعض أتباعهم وقياداتهم، تنشر محتوى مرتبطا بالجماعة وأنشطتها وتاريخها ومعتقداتها.

الموريش يعتزون بأصولهم المغربية ويدّعون أن أجدادهم سبقوا الأوروبيين إلى الوصول للقارة الأميركية (مواقع التواصل)

أرض الأجداد

يعتبر الموريش المغرب موطنهم الأصلي، الذي عاش فيه أجدادهم، ويعتزون به، لهذا تراهم يفتخرون بلبس الطربوش المغربي الفاسي ويمارسون أغلبية تقاليد المغرب الأصيلة. كما يعتبرون وضع العلم المغربي في معابدهم أمرا مقدسا، ويتفاخرون بإظهاره في كافة المناسبات الدينية والوطنية الخاصة بهم.

رغم أنهم لا يحملون الجنسية المغربية، فإن بعضا من الموريش يزورون المغرب بصفة منتظمة، ويقدسون بشكل خاص مدينة مراكش المغربية، التي تشير بعض المصادر إلى أن اسم الطائفة ربما يكون مشتقا من اسمها.

لقبول أعضاء جدد في “محفل مغاربة أميركا”، يتوجب على الأتباع الجدد الإقرار بأصولهم المغربية، وأن يطالبوا بجنسياتهم الرمزية كمغاربة، وأن يتخلوا عن تاريخهم المتعارف عليه، المطبوع بذكرى العبودية وطمس الهوية.

ويمد المحفل كل فرد جديد عند قبول عضويته ببطاقة هوية غير رسمية تثبت أصوله المغربية، وبجواز سفر خاص بالطائفة مختلف عن الجواز الأميركي الرسمي.

 

 

الوصول إلى أميركا

تؤمن طائفة الموريش بأن أصل معظم الأميركيين السود هو شمال أفريقيا، وتحديدا “الإمبراطورية المغربية” (Moroccan Empire) التي تشمل الرقعة الجغرافية لدولة المغرب حاليا وصولا إلى نهر السنغال وأجزاء من النيجر ومالي وتشاد، حيث تم بيعهم عبيدا لتجار الرق الأوروبيين، الذين ساقوهم عبر البحر إلى العالم الجديد.

ويعتقدون أن أميركا كانت أرضا تابعة للمغرب قبل أن يصلها كريستوفر كولومبوس عام 1492، وأنهم هم من استوطنوها ونشروا فيها الإسلام وبنوا بها المساجد، حتى جاء الأوروبيون بعد عقدهم صفقة مع سلطان المغرب باستئجار أراضي الولايات المتحدة وفقا لعقد محدد لمدة 50 سنة من أجل استغلالها فلاحيا، لكنهم نقضوا العقد بعد انقضاء المدة ليحتلوا أراضيها كاملة.

أتباع الموريش يميزهم لبس الطربوش المغربي الذي يسمونه بـ”الفاسي” (مواقع التواصل)

باتلر لامونت

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية مقالا طريفا يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2013 تحت عنوان “إستراتيجية دفاع جديدة.. نحن في المغرب”، تناول إحدى أكثر القضايا غرابة في تاريخ المحاكم الأميركية.

يتعلق الأمر بقضية المواطن باتلر لامونت المنتمي إلى طائفة الموريش، والذي سطا على قصر “بيثيسدا” غير المأهول في واشنطن (مساحته 35 ألف متر مربع وقيمته حوالي 7 ملايين دولار)، مدعيا ملكيته، وقدّم أوراقا رسمية تثبت مزاعمه.

الغريب في الأمر أن المستندات التي قدمها لم تكن سوى معاهدة سلام وصداقة قديمة بين المغرب والولايات المتحدة ترجع إلى سنة 1787، إضافة إلى معاهدة فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963.

باتلر لامونت برر ملكيته للقصر بأن جزءا كبيرا من أميركا تابع للإمبراطورية المغربية، وأن أسلافه كانوا هنا قبل تشكيل الولايات المتحدة، وعليه فإن الموريش هم الورثة الشرعيون لتلك الأراضي بما فيها من عقارات.

خلال محاكمته، حضر لامونت إلى المحكمة مرتديا بذلة أنيقة وجلس خلف طاولة الدفاع واضعا أمامه زوجا من الأكواب عليهما علمان صغيران، أحدهما علم المغرب والآخر العلم الأميركي.

وأثناء مرافعته تحدث عن مراحل حياته من دراسة ووظيفة وكيف أنه بحلول 2006 بدأ يبحت عن إجابات عديدة لأسئلة في حياته ووجدها في دراسة تاريخ المغرب وأميركا.

وبرر لامونت اقتحام القصر بأن أميركا بأكملها ملك لأجداده المغاربة، وهو ما رد عليه القاضي الأميركي تيرانس ماكغان بالقول “وفق قوانينك فإن كل منزل لك الحق فيه وتملك أميركا بأكملها.. وتملك بحارها وكل شيء تريده فيها.. لكن المجتمع الحر والمنظم لا يسير بهذه الكيفية”.

وظهر من خلال وقائع المحاكمة أن القاضي وجد صعوبة كبيرة في إقناع لامونت بالتخلي عن معتقداته الراسخة بأن أميركا جزء من الإمبراطورية المغربية المترامية الأطراف، وأن أجداده المغاربة حلوا بالعالم الجديد فترة طويلة قبل تشكيل أميركا الحالية.

وأمام أجوبة لامونت الاستفزازية وتشبته الكبير بمغربية أميركا، أمر القاضي أخيرا باحتجازه في السجن وعرضه على طبيب نفسي.

حفدة الزموري

يرى الباحت المغربي في التاريخ المعاصر أسامة الزكاري أن ادعاء الموريش وصولهم إلى أميركا قبل الرحالة كريستوفر كولومبوس مشوب ببعض التناقضات، لأنهم يربطون في أدبياتهم بين وصولهم للعالم الجديد بالحملة التي قام بها السلطان المغربي السعدي أحمد المنصور الذهبي إلى بلاد السودان الغربي (أجزاء من تشاد ومالي والنيجر) سنة 1571، والتي جعلت هذه المنطقة تصبح إلى حد كبير جزءا من الإمبراطورية المغربية.

ويضيف أن ربط الموريش بين هذه الحملة وتدفقهم إلى الأراضي الأميركية، يعني حتما أن وصولهم إلى القارة الأميركية جاء في مرحلة تاريخية لاحقة لوصول كولومبوس.

 

 

لكنه يستطرد أن الموريش يربطون في استشهاداتهم على أسبقية وصول أجدادهم إلى أميركا بوصول المغربي سعيد بن حدو، المعروف بمصطفى الزموري أو إستيفانيكو في المراجع الغربية، إلى القارة الأميركية.

ويؤكد أن كتب التاريخ تجمع على أن الزموري الذي ينحدر من مدينة أزمور المغربية، وصل القارة قبل وصول كولومبوس إليها، والموريش يعتبرون أنفسهم حفدة لمصطفى الزموري، الذي وصل المنطقة واختلط بالساكنة المحلية -خاصة في ولاية أريزونا حاليا- وارتبط بقبائل الهنود الحمر واستقر هناك.

ولا يزال الهنود الحمر الأميركيون إلى يومنا هذا يعتبرون الزموري أيقونة السلام والحوار في تاريخ أميركا، كما يحتفي به الأميركيون من أصل أفريقي كل سنة حيث يقيمون مهرجانا سنويا يخلد ذكراه في بلدة بنسكولا بولاية فلوريدا.

المصدر : الصحافة الأميركية + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي

زر الذهاب إلى الأعلى