تركيا في أفريقيا..تمدد دبلوماسي وتعاون اقتصادي وعسكري
سلّطت زيارة رئيس وزراء النيجر علي الأمين الزين إلى تركيا بداية فبراير/شباط الجاري تلبية لدعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان الضوء على دور تركيا في أفريقيا، وسعيها للتمدد والنفوذ عن طريق التعاون الاقتصادي والعسكري.
ومنذ عقدين من الزمن تعمل تركيا على توسيع وجودها في القارة السمراء التي تعتبر مناخا ملائما للاستثمار، إذ تمتلك وفق تقديرات اقتصادية نحو 65% من الموارد العالمية التي لم يتم العمل على استغلالها.
وبعد موجة الانقلابات في الساحل التي بدأت عام 2020 من مالي، وتراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، زادت أنقرة من سعيها عبر قنوات التسليح والتعاون الاقتصادي لتكون شريكا حاضرا في المنطقة التي تشهد تنافسا من قوى النفوذ والتأثير العالمي.
علاقات دبلوماسية
بدأت الدبلوماسية التركية تطبيق إستراتيجية التقارب مع القارة السمراء من خلال توسيع العلاقات وزيادة الحضور الدبلوماسي، وقفز عدد السفارات التركية في أفريقيا من 12 سفارة عام 2002 إلى 44 سفارة وقنصلية في سنة 2022، كما ارتفعت السفارات والتمثيليات الدبلوماسية الأفريقية المعتمدة في تركيا من 10 سفارات عام 2008، إلى 37 سفارة في 2021.
وتحتل تركيا المركز الرابع من بين الدول الأكثر تمثيلا في القارة الأفريقية، بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا.
ووفقا لبيانات وزارة الخارجية التركية فإن العلاقات مع الدول الأفريقية تقع ضمن الأهداف الرئيسية للسياسية الخارجية التركية.
ويعود الاهتمام بتطوير هذه العلاقات إلى سنة 2005 حين أصبحت أنقرة عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي، وأعلنت في العام نفسه خارطة جديدة عنوانها “الانفتاح على أفريقيا”.
الشراكة مع أفريقيا
وفي سياق تمتين هذه العلاقات أصبحت تركيا شريكا إستراتيجيا للاتحاد الأفريقي عام 2008، وقامت في العام نفسه بعقد أول قمة للشراكة التركية-الأفريقية في إسطنبول. وقد كانت أهم شعارات المؤتمر هي “المستقبل المشترك” و”التعاون” و”التضامن” بين الأطراف المشاركة فيه.
وقد أصبحت أنقره عضوا غير إقليمي في بنك التنمية الأفريقي تشارك في التمويلات والقروض الإنمائية.
وفي عام 2014 عقد مؤتمر قمة الشراكة الأفريقية التركية في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية وتم التوقيع من خلالها على الكثير من القضايا المشتركة، كما وضعت إستراتيجية للعمل المشترك بين عامي 2015-2019.
وفي الفترة الواقعة بين 2008 و2023 زار الرئيس التركي 30 دولة أفريقية، ووجّه بوصلة الاستثمارات نحو المنطقة.
استثمارات وتبادل تجاري
وقد عملت تركيا منذ بداية الألفية الثالثة على توجيه الشركات التجارية نحو أفريقيا التي تمتلك سوقا استهلاكية ضخمة ويقطنها ما يربو على 1.3 مليار إنسان.
وفي سياق الشراكة الاقتصادية انتقل حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا من 3 مليارات دولار سنة 2003 إلى 26 مليار دولار عام 2021.
وتستورد أنقرة 90% من احتياجاتها من النفط والغاز بقيمة 42 مليار دولار سنويا، وقد سعت في الفترة الأخيرة إلى الحصول على الغاز بأسعار تفضيلية من منطقة أفريقيا التي تمتلك 10% من الاحتياطي العالمي للنفط.
ويشكل الغار النيجيري نسبة 90% من صادرات البلد نحو تركيا، كما تعتبر الجزائر رابع مصدر للغار المسال نحو أنقرة، وفي إثيوبيا تعمل 200 شركة تركية في مختلف القطاعات الحيوية وتوظف 30 ألف مواطن إثيوبي.
وتصنّف تركيا بأنها ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين، إذ وصلت المبادلة التجارية معها إلى 650 مليون دولار عام 2022.
وقد ارتفع حجم المشاريع التي قامت بها شركات المقاولات التركية في عموم أفريقيا إلى 71.1 مليار دولار سنة 2021، وتختص دول أفريقيا جنوب الصحراء بنحو 19.5 مليار دولار من هذه المقاولات والأعمال.
الحضور العسكري
بعد أن عززت تركيا حضورها التجاري الاستثماري في المنطقة، سعت لمد نفوذها العسكري داخل أفريقيا، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة.
وأسفر ذلك عن توقيع اتفاقيات أمنية مع كينيا وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا لتدريب قوات الأمن في هذه الدول لمكافحة الجماعات المسلحة وأعمال القرصنة، كما عملت تركيا على فتح أسواق جديدة للصناعات العسكرية التركية.
وتمتلك أنقرة 37 مكتبا عسكريا في القارة السمراء، وعام 2021 زادت صادراتها العسكرية إلى أفريقيا حيث ارتفعت مبيعاتها من السلاح من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار.
وتسهم القوات المسلحة التركية بتدريبات للجيش الصومالي، وبنت له مركزا للتدريب وقدمت له معدات ومركبات مدرعة، إضافة إلى منح أخرى ضمت مركبات وسيارات إسعاف.
وفي سنة 2021 أعلن الرئيس التركي حينها أن بلاده ستبقى واقفة بجانب الحكومة الإثيوبية وتدعمها بكل الوسائل.
وخلال زيارته إلى موريتانيا عام 2018، أكد الرئيس التركي أن بلاده تقدم دعما لمجموعة دول الساحل يصل إلى نحو 5 ملايين دولار من أجل الوقوف في وجه الجماعات المسلحة.
الموقف من الانقلابات
ومع تراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا بسبب الانقلابات العسكرية التي أظهر قادتها عداء مع المستعمر السابق، زادت تركيا من دعمها السياسي والعسكري لتلك الدول.
ووقفت أنقرة ضد عقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” على باماكو بعد الانقلاب العسكري عام 2020، وقام وزير خارجيتها بزيارة رسمية لدولة مالي في العام نفسه.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي ظهر رئيس المجلس العسكري الانتقالي في مالي العقيد آسيمي غويتا في حفل تسليم طائرات بيرقدار المسيرة التي تنتجها تركيا.
وإثر حفل التسليم، قام أحمد يلدز نائب وزير الخارجية التركي والمكلف بالشؤون الأفريقية بزيارة لباماكو قال إنها تأتي لتثمين التحالف الثلاثي بين مالي وبوركينافاسو والنيجر، وتقديم المزيد من الدعم.
ويوم 17 يناير/كانون الثاني 2024 انعقدت اللجنة الوزارية المشتركة بين بوركينافاسو وتركيا برئاسة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره البوركينابي كاراماكو جان تراوري.
ووقّعت اللجنة على كثير من الاتفاقيات التي وصفت بأنها مهمة لمستقبل المنطقة.
وكان النقيب إبراهيم تراوري قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينافاسو قال في مقابلة مع الصحافة المحلية “إن الدول الأوروبية منعتنا من شراء السلاح لكن تركيا وروسيا فتحتا أمامنا كل الأبواب”.
أزمة النيجر
ومع بداية الأزمة التي وقعت في النيجر بسبب انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 وقفت تركيا ضد التدخل العسكري الذي أعلنته مجموعة “إيكواس”.
كما تصاعد حجم التبادل التجاري بين تركيا والنيجر في الأعوام الأخيرة، وارتفع من 72 مليون دولار عام 2019 إلى 203 ملايين دولار سنة 2022.
وفي إطار توجه “تحالف دول الساحل” نحو شراء المسيّرات التركية جاءت زيارة رئيس وزراء النيجر إلى أنقرة، التي اطلع من خلالها على عدد من شركات الصناعات الدفاعية.
وقام الأمين الزين بزيارة لشركة أسيلسان للصناعات الدفاعية والإلكترونية التي قالت إنها ستسهم في دعم أمن المنطقة عبر التعاون الدفاعي.
وسبق لتركيا أن وقّعت اتفاقية عسكرية مع نيامي عام 2021 بعد جولة وزير الخارجية حينها مولود جاويش أوغلو.
ووفقا للصحافة المحلية في النيجر، فإن أنقرة تسعى لإقامة قاعدة عسكرية تركية في منطقة أغاديس شمال النيجر ذات الموقع الجغرافي الإستراتيجي، حيث تقع على تماس مع تشاد وليبيا والجزائر.
كما يعتبر إقليم أغاديس مركزا لمناجم اليورانيوم التي تسعى السلطات في نيامي للسيطرة عليه من هجمات المتمردين والحركات المسلّحة.
تحديات وعقبات
وتواجه سياسة تركيا نحو أفريقيا بعض العقبات والتحديات، تتلخص -وفق دراسة نشرها المركز الديمقراطي العربي- في انتشار الصراعات الدينية والعرقية، وتفاقم حجم النزاعات المسلحة والصراعات الحدودية، التي أثرت في الدول الأفريقية على الأنظمة السياسية الحاكمة وظهرت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الكثير من البلدان.
كما أن ظهور الحركات المسلحة وتزايد الدور الأفريقي للحرب على “الإرهاب” التي احتلت مكانة متميزة خاصة في الفكر الإستراتيجي الأميركي، سيلقي بظلاله على أي دور تركي في المنطقة.
وتشهد القارة الأفريقية العديد من التحديات والصراعات الدولية وتسعى القوى الدولية (الولايات المتحدة، وروسيا والصين وإسرائيل والدول الأوروبية) لمد نفوها داخل القارة، وخلق حالة من التنافس العسكري والاقتصادي والجيوسياسي، مما يؤثر على أدوار الدول الأخرى في المنطقة.
وبشكل عام، فإن المؤشر الرئيسي لسياسة تركيا في أفريقيا يتجه إلى مزيد من التطور وفقا لخطط تنفيذ مشتركة تعلنها الأطراف خلال مؤتمرات قمم الشراكة الدورية بين الجانبين.
وتبقى العلاقات التركية الأفريقية من الجوانب المهمة للسياسة الخارجية التركية، خصوصا في ظل النجاحات التي حققتها أنقرة داخل القارة السمراء.