تصاعد التوتر التركي اليوناني.. هل ينزلق شرق البحر المتوسط إلى الحرب؟
شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعدا كبيرا ومتسارعا في التوتر بين تركيا واليونان، بلغ حد التهديد بالحرب والانزلاق نحو الخيار العسكري.
جاء ذلك بعد أيام من إعلان أنقرة عزمها البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها قرب جزيرة كريت، بموجب مخرجات مذكرة التفاهم التي وقعت عليها تركيا وحكومة الوفاق الليبية.
وقال وزير الدفاع اليوناني نيكوس بانايوتوبولوس في حديث تلفزيوني إن بلاده مستعدة لكل شيء في سبيل حماية حقوقها السيادية، بما في ذلك العمل العسكري ضد تركيا.
ورد الرئيس التركي أردوغان بالقول إن “سفن التنقيب التركية هناك ترافقها السفن الحربية والطائرات، وأي خطأ ترتكبه اليونان ستلقى جزاءه”.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد شبه وزير الدفاع اليوناني ذات مرة بالطفل المدلل وطالب حكومته بضبطه، بسبب خطاباته التي تزيد التوتر.
وتمر العلاقات التركية اليونانية بمرحلة صعبة من التوتر الذي ينبع من الخلافات التاريخية على الحدود البرية والبحرية، والمياه الإقليمية، والمجال الجوي، وملف جزيرة قبرص.
ويضاف إليها خلافات جديدة تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، وملف اللاجئين، واستضافة اليونان “انقلابيين أتراكا”، والخلاف حول “آيا صوفيا”، والنزاع الإقليمي في المنطقة بشكل عام وليبيا بشكل خاص.
ففي العام 1996 أسقطت تركيا مروحية عسكرية يونانية مما أدى إلى مقتل ثلاثة ضباط، وكادت الأمور تتطور إلى مواجهة عسكرية طاحنة.
والعام الماضي، سقطت طائرة حربية يونانية وقتل قائدها بعدما اعترضتها طائرات تركيا فوق أجواء البحر المتوسط، وغيرها من الحوادث المتكررة التي لا أحد يضمن أن يتطور أحدها لمواجهة عسكرية.
تعايش حذِر
وفي هذا السياق، قال الكاتب الصحفي التركي إسماعيل كايا إنه رغم مستوى التصعيد الكبير فإن هذه الأجواء لا تعتبر حالة استثنائية تدفع للاعتقاد بأن المواجهة العسكرية باتت قريبة جدا أو أن الخيارات الدبلوماسية انتهت، معتبرا أن ما يجري لا يعدو كونه استمرارا لمسلسل طويل جدا من الخلافات المتجددة التي طالما وجد البلدان صيغة لتخفيف التوتر حولها.
واستدرك كايا في حديثه للجزيرة نت بأنه لا يمكن الجزم أيضا بأن هذا المستوى من التصعيد لن يؤدي إلى نزاع عسكري، لا سيما في ظل الاحتكاك المتواصل بين الجيشين برا وبحرا وجوا، إذ على الدوام كانت هناك خشية واسعة من أن يؤدي أي احتكاك عسكري عرضي أو حادثة غير محسوبة إلى مواجهة عسكرية واسعة، حيث لا يمر أسبوع دون وقوع حادثة اعتراض طائرة حربية أو سفينة عسكرية، حسب قوله.
وأضاف أنه بحكم طبيعة العلاقات بين البلدين التي اعتادت على التعايش مع الخلافات ومنع تطورها إلى صدام عسكري مباشر، توجد لجان من وزارات الخارجية والدفاع ورئاسات الأركان بين البلدين من أجل التواصل الدائم لإبقاء الخلافات تحت السيطرة.
وأشار الكاتب الصحفي إلى أن وفدا يونانيا سيزور أنقرة خلال الأيام المقبلة لبحث الخلافات الأخيرة، حيث لا يعتقد بوجود رغبة حقيقية في الصدام لدى أي من البلدين، لأنه سيكون مدمراً ويمكن أم يمتد ليتحول إلى صراع إقليمي ودولي في حال وقوعه.
وعن الموقفين الأوروبي والأميركي في حال وقوع مواجهة عسكرية، رجح كايا اكتفاء الاتحاد الأوروبي بالوقوف إلى جانب اليونان عبر البيانات والإدانات ومحاولات الضغط الدبلوماسي على تركيا، وأن أقصى ما يصل إليه الموقف الأوروبي هو فرض عقوبات شكلية على أنقرة.
ورغم أن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي فإن تركيا عضو أصيل وتاريخي في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو ما يضع دول الحلف -لا سيما الدول الأوروبية والولايات المتحدة- في موقف صعب ومعقد، يدفعها إلى عدم الوقوف مع أحد طرفي الخلاف، وبذل كل الجهود الممكنة لمنع تفجر أي صراع عسكري مباشر بين البلدين، حسب الكاتب الصحفي كايا.
ولفت إلى أن دخول أميركا أو الاتحاد الأوروبي لصالح اليونان يعني لجوء تركيا إلى روسيا وتحولها إلى حرب على نطاق دولي، وهو في مجمله سيناريو لا يرغبه أحد.
الحوار هو الحل
ومن أنقرة، اعتبر الخبير في الشؤون الإستراتيجية والعلاقات الدولية علي باكير أن تهديد اليونان بالخيار العسكري انعكاس للسياسات اليونانية العدائية مؤخرا، والتي تحاول أثينا من خلالها جذب الانتباه إلى اعتراضاتها المتزايدة على الدور التركي في المنطقة، لا سيما في شرق البحر المتوسط.
وأضاف أن اليونان ليست الإمبراطورية السابقة، والقليل مما لديها لا يخولها للدخول في صدام مسلح مع تركيا، فالتفاوض والحوار هما الحل الوحيد المتاح أمام أثينا، لكن من المحتمل أن يؤدي الدعم اللامحدود من قبل الاتحاد الأوروبي لها، علاوة على التحالف القائم مع الأنظمة العربية “الرجعية”، إلى انزلاقها في مواجهة غير محسوبة العواقب مع تركيا.وقال باكير في حديثه للجزيرة نت “بدلا من أن تتجه أثينا إلى التفاوض والحوار، فضلت التصعيد عن طريق نسج تحالفات وتمتين أخرى مع جهات رجعية في العالم العربي، كالأسد في سوريا، والسيسي في مصر، وحفتر في ليبيا، كما أخذت تستكشف إمكانية توظيف العداء المشترك ضد تركيا مع دول مثل الإمارات والسعودية”.
وشدد الخبير الإستراتيجي على أن هزائم الأسد وحفتر الأخيرة في سوريا وليبيا المعطوفة على تراجع أسعار النفط، من شأنها أن تبرد قليلا من اندفاع أثينا، لكن الأهم أن يأخذ الاتحاد الأوروبي تداعيات تحالف إحدى دوله مع الأنظمة العربية “القمعية” بعين الاعتبار، وأن يأخذ بزمام المبادرة ويدفع باتجاه أرضية مشتركة للحوار، بدلا من تشجيع اليونان على الصدام وجرّ الاتحاد معها ربما إلى معركة خاسرة.
ويجمع محللون أتراك على أن اليونان التي تعاني صعوبات سياسية واقتصادية وترهلا عسكريا، لا تجرؤ إطلاقا على مواجهة تركيا أو التفكير في دخول مواجهة عسكرية معها، لافتين إلى أنها تحاول على الدوام اللجوء إلى أوروبا لحمايتها.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.