تغطية الإعلام الغربي للانتخابات التركية.. انحياز يضمر نوايا سيئة
يتوقع عامة المواطنين في جميع أنحاء العالم من المؤسسات الإخبارية الغربية المعروفة أن تقدم لهم تقارير موضوعية ومتوازنة عن الأحداث.
لكن خبراء الإعلام يميلون إلى الشك في توازن وموضوعية تلك التقارير، خاصة بالنظر إلى أبحاث كثيرة تم إنتاجها في العقود القليلة الماضية، وتؤكد وجود “علاقة تكافلية” بين المؤسسات الإخبارية الغربية وحكوماتها، خاصة في عالم العلاقات الدولية.
مثل هذا “التكافل” هو نتيجة للعديد من العوامل الهيكلية والاقتصادية والعقائدية، والتي تتراوح بين الملكية (ملكية النوافذ الإعلامية) والروتين التنظيمي والتمسك بالنعرة الوطنية.
وبناءً على ذلك، لوحظ انخفاض في المعايير والقيم الصحفية المهنية في حالات عديدة، مثل التغطية الإعلامية الأمريكية والبريطانية لما بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، والحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق، عام 2003.
وللأسف لا يختلف عام 2018 كثيرًا عن ذلك، فالتقارير الإخبارية الغربية عن الانتخابات التركية المبكرة (في 24 يونيو/ حزيران الجاري) تميل إلى التحيز والإثارة، وأحيانا تتبع خطا تشهيريا.
على سبيل المثال، وتحت عنوان “أردوغان الديكتاتور”، نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية مقالا، في 24 مايو/ أيار الماضي، ركزت فيه على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وبينما كان القراء يتوقعون معرفة المزيد عن الانتخابات التركية المقبلة، فإن تأطير المقال لم يكن فقط غير ذي صلة بالموضوع، بل كان مضللاً تماماً.
وربما كان سيصبح الأمر أكثر جدوى لمحرري المجلة، الذين لا يُعرف عنهم انتقاد الديكتاتوريين الحقيقيين في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، أن يؤدوا واجبهم بالتحقق من تقارير المنظمات الدولية عن الانتخابات التركية، بما فيها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وقد أثنت هذه المنظمة، وهي المسؤولة عن مراقبة الانتخابات الأوروبية، على الإطار القانوني لتركيا في عام 2015، وأشارت إلى مدى ملاءمته لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية.
ومنذ عام 2002، تراقب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ربما دون علم “لوبوان”، نزاهة الانتخابات في تركيا (بما في ذلك الانتخابات الرئاسية).
وتنشر المنظمة فرقا من الخبراء الدوليين في جميع أنحاء تركيا، للتحقق من تلبية الانتخابات للمعايير الدولية لإجراء انتخابات ديمقراطية، وكانت تشهد بالنزاهة لتركيا خلال الانتخابات الماضية.
وعلى المنوال نفسه، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تحليلاً، في 24 مايو/أيار الماضي، بعنوان “اندفاع أردوغان للسلطة يُحدث فوضى جديدة”.
ويمكن ملاحظة إطارين رئيسيين في هذا التحليل، الأول، مرة أخرى، هو تصوير الرئيس أردوغان كديكتاتور، حتى لو كان الموضوع يتعلق بتنظيم انتخابات حرة وتنافسية في تركيا.
أما الإطار الثاني فهو إطار “الفوضى”، الذي بالغ الكاتب من خلاله في التقلب الأخير لسعر العملة التركية (الليرة)، وحاول إلصاق صفات ومواضيع سلبية بالعالم السياسي والاقتصادي لتركيا.
وحاول كاتب التحليل تصوير الدولة التركية كما لو كانت نوعًا من “جمهوريات الموز”، بدلاً من كونها دولة ذات مؤسسات قوية وأداء اقتصادي قوي، على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية.
ولم يكلف الكاتب نفسه عناء التحقيق في أسباب الهجوم على الليرة التركية مثلما يفعل أي محلل مجتهد.
ولم يحاول كشف هوية المتداولين الدوليين الذين يقفون وراء مثل هذه الأعمال أو دوافعهم.
والأكثر من ذلك، كما هو الحال في مقال “لوبان”، لم يوجد أي جهد لتحقيق التوازن في تحليل “واشنطن بوست”، من خلال الاستعانة بوجهات النظر الأخرى.
هذه مجرد أمثلة قليلة في قائمة طويلة من المقالات المتحيزة.
والأكثر إثارة للقلق هو أن تأطير المادة المقدمة من جانب “لوبوان” و”واشنطن بوست”، وغيرهما، ليست مجرد مؤشرات على “صحافة قذرة”، كما يفترض البعض.
فقد تحدث الأكاديمي جورج لاكوف، الباحث في اللغويات المعرفية على نطاق واسع، عن أبواق خطابية تستخدمها النخب السياسية الغربية لشيطنة القوى الصاعدة والمنافسة على الساحة الدولية.
وتحديدا، لاحظ لاكوف أن من بين الأمور الرئيسية في تطوير أجندة السياسة الخارجية الأمريكية هي اتباع استراتيجية تقوم على خطوات تبدأ بتلخيص “الأمة في شخص”، والتي من خلالها يتم تعريف أمة بأكملها بشخص قائدها.
ومن ثم يتم العمل بشكل منتظم على هذه النقطة، عبر بث المشاعر السلبية ضد القائد المعني.
ويهدف ذلك إلى عدم اقتصار الأمر على الحط من قدر القائد وتقويض وضعه السياسي فحسب، بل أيضًا إضعاف معنويات مواطنيه ككل، وإثارة الشكوك حول مستقبلهم والتقدم المحرز، وتصوير كل من الزعيم والأمة بأنهما يقفان ضد مصالح الغرب.
وتعتبر هذه الخطوة بمثابة مقدمة لتوجيه المزيد من الإجراءات المادية الملموسة ضدهم، كجزء من استراتيجيات أوسع لتدمير تلك الأمة.
ورغم أن الساحة تعج بنوافذ إخبارية تتسبب في حيرة متلقي الأخبار الجدد، إلا أن مسألة الوثوق في تلك النوافذ الإخبارية الرئيسية في الغرب أو عدم تغطيتها لبعض الشؤون الدولية يبقى نقطة مهمة في هذا الطرح.
إن تسخير قدرات بعض المؤسسات الصحفية لتوليد انطباعات سلبية عن بعض القادة وأممهم، في إطار السعي إلى زعزعة استقرارهم، يمكن أن يضيف المزيد من الزخم إلى هذه المناقشة.