توليد الكهرباء بالفحم في تركيا الأعلى أوروبيًا.. وهذه هي الأسباب
خلال السنوات الأخيرة، أصبح يُنظر إلى توليد الكهرباء بالفحم بوصفه أكثر المصادر تلويثًا، وشنّت دول صناعية كبرى الحرب على الوقود الملوث لصالح مصادر الطاقة الأكثر نظافة ولخفض الانبعاثات.
ويبدو أن هذا المسار لم يُنفذ بقدر متساوٍ بين الدول الأوروبية، وشهد تباينًا نظرًا إلى عوامل عدة من بينها: حجم الطلب، ومستوى التطور الاقتصادي، وقدرة الإنفاق على توسعات الطاقة النظيفة، وغيرها.
ووفق متابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لتحليل حول معدل توليد الكهرباء بالفحم في أوروبا، سجّلت تركيا مفاجأة بصدارتها في الاعتماد على الفحم خلال الأشهر الـ4 الأولى من 2024.
وتنتمي تركيا إلى قارتين نظرًا إلى موقعها الجغرافي، إذ تشترك مع جنوب شرق أوروبا عبر شبه جزيرة البلقان وتراقيا، في حين تتقاطع مع غرب آسيا عبر شبه جزيرة الأناضول.
معدل الاستهلاك
سجل توليد الكهرباء بالفحم في تركيا أعلى المستويات الأوروبية، خلال الأشهر من يناير/كانون الثاني مطلع العام الجاري حتى نهاية أبريل/نيسان.
وأنتجت أنقرة خلال هذه المدة 36 تيراواط/ساعة اعتمادًا على الوقود الملوث، ورغم أن هذا المعدل ينخفض بنسبة 3% على أساس سنوي مقارنة بالأشهر ذاتها من العام الماضي 2023، فإنه ارتفع بنسبة 6% عن إنتاج المدة ذاتها من عام 2019.
ومقارنة بالإنتاج التركي، بلغ معدل توليد الكهرباء بالفحم في ألمانيا -أكبر الاقتصادات الأوروبية- 34.6 تيراواط/ساعة، بتراجع 32% على أساس سنوي، وبنسبة 42% عن مستويات عام 2019، وفق بيانات صادرة عن مركز أبحاث الطاقة إمبر (Ember).
وحتى بولندا ثالث أكبر مستهلك للفحم في أوروبا، جاءت متأخرة عن تركيا وألمانيا، بإنتاج قدره 31.3 تيراواط/ساعة، بانخفاض نسبته 19.4 مقارنة بمستويات عام 2019.
ويمكن القول إنه خلال الأشهر الـ4 الأولى من العام، بلغ متوسط حصة الفحم من مزيج الكهرباء 34% في تركيا، و35% في التشيك، و30% في بلغاريا، و59% في صربيا.
ومقابل ذلك، كان متوسط حصة الوقود المنبوذ خلال المدة ذاتها 21% في مزيج الكهرباء الألماني، و13% لأوروبا بالكامل.
توسعات الطاقة النظيفة
ربما يرجع التباين في حصة توليد الكهرباء بالفحم ضمن المزيج الأوروبي إلى حجم توسعات الطاقة النظيفة، التي يمكن لمصادرها تعويض فارق التوليد.
ويُدلل على ذلك بتراجع اعتماد ألمانيا وبولندا على الفحم، لصالح مساحة أكبر لمصادر الطاقة النظيفة خلال السنوات الـ5 الفائتة.
وخلال العامين الأخيرين 2022 و2023، زادت قدرة التوليد من الطاقة النظيفة في تركيا بنسبة 4.5% فقط.
وتعود محدودية انتشار الطاقة النظيفة في تركيا لأسباب عدة، من بينها: مواجهة الحكومة عجزًا في الميزانية قلص حجم الإنفاق مقابل دعم وإعانات حكومية في عدد من كبريات الدول الأوروبية، وتراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية نتيجة الجفاف.
ورغم ذلك لم تكن تركيا الأقل أوروبيًا على الإطلاق في توسعات الطاقة النظيفة، إذ نمت هذه القدرة في صربيا بنسبة 3.6% فقط، ورومانيا 1.4%، والتشيك بنسبة 1.1%، خلال العام الماضي.
وعلى النقيض من ذلك، ارتفعت قدرة مصادر الطاقة النظيفة في ألمانيا -خلال العامين المذكورين- بنسبة 9%، وفي بولندا بنسبة 21.4%، وفي هولندا 21%، وفي إيطاليا 9.6%، وإسبانيا 8%.
الفحم والانبعاثات في تركيا
تزامن توسع تركيا في توليد الكهرباء بالفحم مع النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد بوتيرة رائدة أوروبيًا وعالميًا، واقترن بزيادة في الطلب على الطاقة والكهرباء.
ودفع ذلك نحو مساحة أكبر لمحطات توليد الكهرباء بالفحم في البلاد، مع تقليص الجفاف لحصة الطاقة الكهرومائية، حسب تحليل نشرته رويترز الثلاثاء 21 مايو/أيّار 2024.
وقررت أنقرة زيادة واردات الفحم لتلبية الطلب على الوقود المنبوذ عالميًا، وبلغ حجم وارداتها 24.2 مليون طن متري العام الماضي، لتحصد لقب أكبر مستوردي الفحم في أوروبا وتاسع أكبر مستورد عالميًا.
وبالطبع يتناسب التوسع في الفحم طرديًا مع زيادة الانبعاثات، وقُدرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة من محطات الكهرباء العاملة بالوقود الملوث في تركيا -خلال الأشهر الـ4 الأولى من العام الجاري- بنحو 36 مليون طن متري.
وبالعودة للمقارنة بألمانيا وبولندا، أطلقت المحطات الألمانية خلال المدة ذاتها 35.8 مليون طن من الانبعاثات، والمحطات البولندية 32.2 مليون طن.
وتُشير هذه البيانات إلى أن انبعاثات استعمال الفحم في تركيا بجانب بلغاريا وصربيا (دول الجنوب الأوروبي) ستصبح مصدرًا رئيسًا لانبعاثات القارة العجوز.
ومن شأن ذلك أن يُظهر تركيا -التي تشكّل انبعاثات الفحم بها ما متوسطه 10 ملايين طن شهريًا- في صورة مُهدد رئيس لخطط تحول الطاقة في أوروبا بالكامل، خاصة أن ألمانيا ودولًا أخرى تسجل تراجعًا ملحوظًا في هذا الشأن.