خليفة أردوغان المثير للجدل!
لا يتوقف السؤال عن مستقبل تركيا والخليفة المنتظر للرئيس رجب طيب أردوغان بعد أن سحق منافسيه في دورتين متتاليتين على مستوى الانتخابات الرئاسية، وسحق حزبه الأحزاب المعارضة في الانتخابات البرلمانية حتى كان الفارق بين حزبه الذي يرأسه، حزب العدالة والتنمية، والحزب المعارض الأقوى والأقرب في أخر انتخابات ما يقارب ضعف المقاعد، وهو ما يؤكد بعد المعارضة عن نيل مقعد الرئاسة في ظل هذه الشعبية المتدنية، وبعد أن تم تعديل الدستور وأصبح نظام الحكم رئاسيا في تركيا مع إعطاء الرئيس صلاحيات أوسع لتسهيل اتخاذ القرار وتسريعه أصبح الحديث أكثر عن خليفة لأردوغان بعد شغور المنصب لأي سبب من الأسباب.
بعد وأثناء محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 برز وجه صهر الرئيس ووزير الطاقة في حكومته بيرات البيرق، والذي صاحبه خطوة بخطوة أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة حتى مرت بسلام، وبدا من وقتها تصاعد نفوذ الشاب الأربعيني، رجل الأعمال المتلقي دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، يعتمد بيرات على إرث عائلته وخاصة والده صادق البيرق الذي كان صحفيا كبيرا وكادرا وقياديا في حزب الرفاه الذي أسسه أستاذ أردوغان الأستاذ نجم الدين أربكان، هو ما جعل بيرات مقربا للرئيس قبل أن يصاهره، ومع توليه منصب وزير المالية زاد نفوذه أكثر، ووجوده مع الرئيس في كل ظهوره كان رسالة مهمة يمكن فهمها على أنه المرشح لخلافة الرئيس الأقوى لتركيا في الفترة الأخيرة.
من ناحية أخرى وفي أعقاب أزمة تفشي فيروس كورونا لمع نجم وزير الداخلية سليمان صويلو بشكل كبير حتى أن البعض قال إن حادثة استقالته وردت فعل الشارع التركي عليها زاد من شعبيته التي بدأت مع محاولة الانقلاب الفاشلة التي أبلى فيها بلاء حسنا وقدم تضحيات كبيرة لازال الشعب التركي يذكرها، فالرجل تنازل عن قيادة الغرف المغلقة وعرض حياته للخطر مضحيا من أجل دحض الانقلاب، وهو ما كان، ومنذ ذلك الحين، وصويلو يقدم للأمة التركية الكثير، فلا ينكر عليه إلا جاحد دوره المهم في التخطيط في تدمير البنية التحتية لإرهاب وتحييد عناصر مهمة في هيكله التنظيمي، فيرجع الفضل له ولرجاله في الاستقرار الداخلي الذي تعيشه تركيا في وقت تحاك لها المكائد من كل صوب.
لكن الساحة رغم ذلك ليست مفتوحة للحزب الحاكم ورجاله من غير مزاحمة من المعارضة، لقد أنتج فوز أكرم إمام أوغلو ببلدية إسطنبول حالة تسوق لها المعارضة في الداخل والمناهضين للنظام المنتخب من دول الجوار في الخارج، على أن الفائز ببلدية إسطنبول هو رئيس تركيا القادم، وأن الانتخابات هي أقرب ما تكون لاستفتاء على سياسات الرئيس أردوغان، وهو ما أعطى تلك الانتخابات زخما أكبر، ومن ثم أعطى لأكرم إمام أوغلو رونق أكثر بعد فوزه.
لقد أبلت المعارضة بلاء حسنا في معركة انتخابات البلدية في الاختيار، فالتسويق لشاب كان مهما مع حديث أغلب الشعب عن استيائهم من المرشحين كبار السن، كما كانت الحملة الانتخابية تدار بشكل أكثر احترافية من كل تلك التي خاضها حزب الشعب الجمهوري خلال السنوات الماضية، والفضل في ذلك يرجع إلى أتيلجان بايار، مدير حملات حزب العدالة والتنمية ومستشار الرئيس الذي استقال وقرر أن يدعم حزب الشعب في الانتخابات البلدية فخطط بشكل رائع لحملة أكرم إمام أوغلو وقدمه على أنه رئيس جمهورية لا رئيس بلدية، وأنفق الحزب على تلك الحملة ببذخ غير معهود عن الحزب، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة، حول الحملة التي تم تسويقها عربيا من خلال وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية بشكل غير مسبوق أيضا، وتواكب هذا التسويق مع ترويج للإعلام الغربي للرجل على غير عادة الإعلام الغربي.
يرى البعض في أكرم إمام أوغلو فقاعة سرعان ما انفجرت مع أول اختبار حقيقي لرئيس بلدية، فلقد كانت أزمة السيول التي اجتاحت إسطنبول بعد أيام من توليه المنصب اختبار مهم رسب فيه الرجل، فلقد صرح بغير الحقيقة أن الأرصاد الجوية لم تخطره بقدوم السيول لاتخاذ التدابير اللازمة، وهو ما كذبته هيئة الأرصاد بالوثائق، ولام عليه معارضوه عدم تواجده غيابه في المرة الأولى من السيول في غرفة العمليات، وتفضيله الاستمتاع بأجازة عائلية في مدينة بودروم عن مواجهة الأزمة، فكان الرد من أكرم بأنه إنسان يحق له التمتع بإجازة عائلية، وهو الرد الذي زاد من سخط الجماهير التي تضررت كثيرا من السيول، وفي الموجة الثانية من السيول، فضل أكرم حضور مؤتمر صحفي لمساندة رؤساء بلدية متهمين بالإرهاب، مكايدة في الحزب الحاكم، على أن يدير أزمة السيول الثانية، هو ما زاد من سخط جماهير عريضة مرة أخرى.
منذ أيام وفي عيد الطفولة في تركيا، وهو عيد مهم جدا بالنسبة للأتراك، قام أكرم إمام أوغلو بإرسال هدايا للأطفال بهذه المناسبة، وكان من ضمنها مجلة تحوي بعض الأفكار التي لا يجب على الأطفال أن يطلعوا عليها، كمقال بعنوان “الصندوق شرط من أجل الديمقراطية ولكنه ليس كافياً” وهي الدعوة التي تبنتها جماعة فتح الله جولن لإسقاط الحكومة والبرلمان المنتخب بين أتباعها، وهو ما كان مبررا لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.
هذه الفكرة الفوضوية يهدم كل قيم الديمقراطية التي ضحى من أجلها الشعب التركي ليلة الخامس عشر من تموز وقدموا عشرات الشهداء ومئات الجرحى، وهي الفكرة التي هزمها الدستور بإعادة الجيش إلى ثكناته ووضعه في حجمه الطبيعي كراعٍ لحدود الدولة الخارجية لا راعيا للحياة السياسية ينقلب على إرادة الشعب فيما لو تقاطع مصالح حزب الشعب الجمهوري مع إرادة الشعب باختيار حزب غيره ليحكم البلاد، لقد كانت سقطة كبيرة من أكرم إمام أوغلو، لكنها تكشف عن الحالة النفسية التي يعيشها خليفة الرئيس أردوغان المأمول من قبل المعارضة، وتظهر أن الوصول إلى سدة الحكم من قبل أمام أوغلو وحزبه يمكن أن تركب الدبابة في طريقها إلى قصر الحكم بشتبيه.
ياسر عبد العزيز – مدونات الجزيرة