“رجل أوروبا المريض”.. كيف يمكن أن ينقذ رحيل جونسون اقتصاد بريطانيا؟
عادة لا يحب المستثمرون عدم اليقين السياسي.. لكن في بريطانيا قد يكون التغيير الحكومي هو بالضبط ما يحتاجه اقتصاد البلاد التي باتت توصف بـ”رجل أوروبا المريض”.
نجا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من تصويت على الثقة يوم الاثنين أجراه نواب في حزبه، وسط غضب سياسي من انتهاكه قواعد فيروس كورونا، وتعامله مع أزمة غلاء المعيشة المتدهورة وندرة الوضوح في أهدافه السياسية. لكن الضغوط لم تنته هنا، ليجبر على استقالة أعادت إلى الأذهان سيناريو مغادرة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، بعد أقل من ستة أشهر من نجاتها من تصويت مماثل على الثقة في أواخر العام 2018.
“رجل أوروبا المريض”
كُبح جماح خامس أكبر اقتصاد في العالم في فبراير الماضي، وبدأ في الانكماش في مارس وكذلك أبريل. كما انخفضت مبيعات التجزئة في مايو للشهر الثاني على التوالي، وتراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 8٪ تقريباً مقابل الدولار هذا العام، وكانت خسارته أكبر حتى من اليورو.
ومن المتوقع أن تسجل المملكة المتحدة العام المقبل أسوأ نمو اقتصادي مقارنة بأي دولة كبرى، باستثناء روسيا المتضررة من العقوبات الغربية، بحسب توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وسواء وقعت بريطانيا في ركود صريح أم لا، من المرجح أن يشهد العام 2022 أكبر انخفاض في مستويات المعيشة بالبلاد على الإطلاق وبيئة تجارية صعبة للشركات.
حتى وقت قريب جداً، كان جونسون يهوى التباهي بأن بريطانيا كانت “الاقتصاد الأسرع نمواً في مجموعة السبع”. لكن بالعودة إلى البيانات، نجد أن النمو الاقتصادي البريطاني تباطأ بشكل أكبر في الموجة الأولى من الوباء مقارنة بالعديد من نظرائه من الاقتصادات الكبرى، لذلك ارتد بشكل أسرع.
قال جوردان روتشستر، محلل العملات في نومورا والمتخصص في سوق المملكة المتحدة في تصريحات لـشبكة CNN الأميركية: “التمرد يفتح حقاً إمكانية التغيير”.
وأضاف أن الحكومة البريطانية الحالية “تفتقر إلى أجندة، باستثناء إبقاء بوريس جونسون في السلطة”.
موقف صعب
في جميع أنحاء العالم، تواجه البلدان تحديات اقتصادية ضخمة، حيث خلقت الآثار المستمرة للوباء، وغزو روسيا لأوكرانيا، وارتفاع التضخم، تراجعاً في انتعاش قوي من الوباء لم يستمر طويلاً، لكن المملكة المتحدة في وضع “سيئ” بشكل خاص.
أدت الآثار غير المباشرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى نقص كبير في العمالة وزيادة تكاليف التشغيل على الشركات، مما جعل الارتفاع في الأسعار أسوأ. وصعد معدل التضخم في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوياته في 40 عاماً في مايو عند 9.1% مقابل 8.1% في منطقة اليورو، ومن المتوقع أن يصل إلى ذروته فوق 10٪ في وقت لاحق من هذا العام، وهي نسبة أعلى من الولايات المتحدة.
وتسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود في أسوأ أزمة تكلفة معيشية في البلاد منذ عقود، مما أجبر الأسر ذات الدخل المنخفض على الاختيار بين “التدفئة وتناول الطعام”، الأمر الذي أطلق صرخة مطالبة بمزيد من الدعم الحكومي.
قالت حكومة جونسون إنها ستقدم 400 جنيه إسترليني (502 دولار) في شكل منح لمساعدة ملايين الأشخاص الذين يكافحون لدفع فواتير الطاقة الخاصة بهم. كما رضخت للضغوط وكشفت عن ضريبة بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني (6.3 مليار دولار) على الأرباح المفاجئة لشركات النفط والغاز.
لكن رئاسة جونسون للوزراء اهتزت بفضيحة “بارتي جيت”، بعد عقد حكومته تجمعات وحفلات في ذروة فترة الإغلاق الوبائي، بينما مُنع ملايين البريطانيين من رؤية أصدقائهم وأقاربهم، مما أدى إلى تآكل الثقة في قيادته.
كما أدى أسلوبه في الحكم إلى تنشيط النقاد مع تعثر اقتصاد البلاد.
ترقب الزعيم الجديد
ولّدت إمكانية وجود زعيم جديد في “10 داونينغ ستريت” (مقر الحكومة البريطانية)، ضجة كبيرة بين المستثمرين، حيث يمكن أن تمنح الحكومة اتجاهاً جديداً.
ذات الأسواق كانت مسرورة بقدوم جونسون في البداية، وقد وفر انتخابه في العام 2019، على خلفية التزامه بـ “إنهاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، مساراً واضحاً للمضي قدماً في أعقاب فترة طويلة من الفتور بعد استفتاء العام 2016 لصالح “بريكست”.
وأدى فوزه إلى ارتفاع الجنيه الإسترليني إلى 1.34 دولار. وعلى الرغم من تضرره جراء تداعيات الوباء، إلا أن الانتعاش القوي في العام 2021 دفعه إلى ما فوق 1.40 دولار قبل عام.
لكن الانكماش الاقتصادي – إلى جانب الارتفاع الحاد في الدولار الأميركي – تسبب في مشاكل منذ ذلك الحين. وانخفضت العملة مرة أخرى إلى ما دون 1.26 دولار.
أضاف روتشستر، محلل العملات في نومورا والمتخصص في سوق المملكة المتحدة لـCNN، أن رئيس الوزراء الجديد قد يكشف عن حزمة إنفاق كبيرة لكسب التأييد، والدخول في إصلاحات أكثر دراماتيكية، وتقليص سياسة “حافة الهاوية” مع الاتحاد الأوروبي بشأن التجارة.
ومن شأن ذلك أن يعطي دفعة إيجابية للاقتصاد البريطاني.