سوريون في تركيا… أعمال بديلة في ظل كورونا
مع انتشار فيروس كورونا الجديد في تركيا، خصوصاً في مدينة إسطنبول شمال البلاد، فرضت الحكومة التركية حجراً صحياً على فئة من المواطنين والمقيمين بشكل كامل، وحجراً جزئياً على المواطنين والمقيمين في أوقات محددة.
وجاء قرار إغلاق بعض المحال والمطاعم وتوقيف معظم الحركة التجارية، ليزيد من معاناة اللاجئين السوريين في تركيا، والذين ليس لديهم سوى أعمالهم للعيش، إذ لا يملك كثيرون منهم أي مدخرات. إلا أن بعضهم حاول التكيف مع ظروف الحجر للاستمرار في العمل، من خلال
التفكير في وسائل بديلة.
خولة طه مهندسة معمارية سورية مقيمة في مدينة إسطنبول، تتحدث لـ “العربي الجديد” عن التغيير الذي طرأ على عملها في ظل ظروف الحجر الصحي، مشيرة إلى أنها كانت تذهب إلى مكان المشروع للاطلاع على الموقع والمساحة وبقية التفاصيل، لتتمكن من إجراء التصميم ثم تنفيذه. أما الآن، وفي ظل الحجر الصحي المنزلي، فأصبح التعامل مع مالك الشقة أو المشروع عن بعد، من خلال استخدام الصور ومقاطع الفيديو للمكان، مبينة أن الأمر ليس سهلاً. وتشير إلى أنها تضطر إلى زيادة التواصل مع الزبون لتعليمه كيفية أخذ القياسات لتسهيل عملها قدر الإمكان.
تضيف طه أنه “في حال كان الزبون مستعجلاً على انتهاء العمل ويحتاج إلى تأمين الأثاث لمنزله أو مشروعه، فأجد نفسي مضطرة للتواصل مع محال المفروشات والأقمشة، ويختار الزبون ما يريده من خلال كاتالوغ عبر الإنترنت. ولا شك أن الخيارات تكون محدودة في هذه الحالة، لكنها تفي بالغرض”.
وتقول إن “العمل عن بعد يشمل المشاريع الصغيرة من تصاميم وشراء أثاث المنزل. أما بالنسبة للمشاريع الكبيرة، فقد توقفت في الوقت الحالي، والسبب أن تلك المشاريع تتطلب عدداً كبيراً من الأشخاص في المكان نفسه لتنفيذها، ولا يستطيع القائم على المشروع المخاطرة بنفسه أو بالموظفين لديه”. كما توضح أن جزءاً من عملها خارج تركيا يعتمد على الإنترنت، وحتى قبل أزمة كورونا وما زال مستمراً. ولكن العمل “أونلاين” داخل تركيا بدأ مع بداية الحجر الصحي لأسباب عدة، أحدها أنها لم ترغب بإيقاف عملها، عدا عن تخوفها من توقف عمل أحد أفراد العائلة فجأة بسبب تبعات انتشار الفيروس.
وتشير إلى “ضرورة أن نكون مرنين في فترة الحجر الصحي، خصوصاً في حال طالت الأزمة، إذ إنه لا يمكن أن تتوقف الحياة عند الحجر الصحي. أعتقد أن أزمة فيروس كورونا أكدت لنا أنه من الضروري أن يكون صاحب العمل لديه الخيار في العمل عن بعد”، مشيرة إلى “خسارة الأشخاص الذين لم يستطيعوا السير مع التيار بشكل مرن”.
لعلي. ش. قصة أخرى. رفض الكشف عن اسمه كاملاً لأنه يقوم بعمل منعته الحكومة التركية، ويتخوف من كشفه وبالتالي اضطراره إلى دفع غرامة مالية. ووصل علي (31 عاماً) إلى تركيا قبل أعوام عدة، ووجد أنه من الصعب عليه فتح صالون للحلاقة، وهي المهنة التي كان يعتاش منها في سورية، بسبب كثرة التراخيص المطلوبة وارتفاع كلفتها، فلجأ إلى العمل في مجال تصميم الأحذية.
يقول علي لـ “العربي الجديد” إن عمله توقف مع بداية فرض الحجر الصحي، ما دفعه للتفكير في العمل بمهنته السابقة. أعلن عن الأمر من خلال مجموعات خاصة بالسوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، وعرض رقم هاتفه، موضحاً أن مستعد للذهاب إلى بيوت زبائنه، متحمّلاً مخاطر هذه الخطوة التي تمنعها الحكومة وتفرض عليها غرامات مالية كبيرة.
ويشير إلى أنه “على الرغم من خطورة الأمر، عزمت على العمل من أجل تسديد بدل إيجار المنزل ومصاريف العائلة. لكنني ما زلت قلقاً من أن يتم اكتشاف أمري ويحدث ما لا تحمد عقباه”. يضيف أنه يقوم بكافة إجراءات الوقاية عند حلاقته للزبائن، من ارتداء القناع الواقي والقفازات واستخدام المعدات لمرة واحدة. لكن كل هذه الإجراءات التي يقوم بها لن تنقذه من غرامة مالية في حال تم اكتشاف عمله.
وكان لنور المعلم خيار مشابه لخيار مروى. يملك مطعماً للمأكولات في مدينة إسطنبول افتتحه قبل عامين. يقول إن المطعم حقق نجاحاً بين السوريين والأتراك وبات له زبائنه، واستطاع مواجهة العقبات الاقتصادية منذ تأسيسه وحتى اليوم، ومن ضمنها أزمة انتشار فيروس كورونا.ويقول نور لـ “العربي الجديد”: “التقدّم الذي حققناه لا يمكن نسفه بقرار الإغلاق، والذي سيؤدي إلى تراجعنا، إضافة إلى أن العمال لدينا لا يملكون مورداً مالياً سوى عملهم في المطعم. لذلك، كان قرارنا بعد الاجتماع بجميع الموظفين تشديد إجراءات التعقيم أكثر داخل المطعم بدلاً من الإغلاق، وقمنا بحملة إعلانات قوية لخدمة التوصيل إلى المنازل امتدت إلى كافة أنحاء إسطنبول على الرغم من كبرها”. كما يبين أنه “لجأنا إلى ضبط المصاريف وتخفيض ساعات العمل وبالتالي تخفيض الرواتب والأجور، لإبقاء جميع العمال من دون استثناء، الذين استطاعوا الاستمرار في العمل وعدم إغلاق المطعم”.