سوق العقار في تركيا.. من الارتفاع الجنوني للأسعار إلى التوازن
شهدت أسعار العقارات في تركيا تقلبات قياسية خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها عادت للتوازن عن جديد بعد ارتفاعها لمستويات وصفت بـ “الجنونية”، فيما يعزو الخبراء سبب هذا التوازن إلى سياسات الحكومة الخاصة بسعر الفائدة ومعدلات التضخم.
وللشهر الثالث على التوالي، أبقى البنك المركزي على سعر الفائدة عند 50٪، وذلك في إطار خطة حكومية للتشديد النقدي من أجل مكافحة معدلات التضخم المرتفعة.
وكانت معدلات التضخم كذلك تسجل مستويات قياسية، إذ وصلت إلى ذروتها في مايو/أيار الماضي فبلغت 75.45٪ على أساس سنوي، قبل أن تنخفض إلى 71.6٪ في يونيو/حزيران المنصرم.
وبالعودة قليلًا إلى الوراء، نجد أن السكن شراءً أو بيعًا أو إيجارًا، كان أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة التضخم، إذ ارتفعت أسعار العقارات في تركيا بداية من 2019 حتى 2023 بشكل كبير، ومعها ارتفعت أيضًا قيمة الإيجارات، ولكن بوتيرة أسرع لا تزال مستمرة.
وبينما نجحت الحكومة في مبتغاها حول خفض معدلات التضخم، فإنه على الجانب الآخر تأثر قطاع العقارات بشكل كبير. وحسب أرقام هيئة الإحصاء التركية، فإن 75 ألف وحدة بيعت في إبريل/نيسان 2024، مقابل 85 ألف وحدة بيعت في الشهر نفسه من 2023، أي بانخفاض بلغ 11٪، كما انخفضت نسبة مبيعات المساكن للأجانب خلال عام 2023 بمعدل 48.1٪ مقارنة بعام 2022.
يقول محمد جمعة، إنه في فبراير/شباط الماضي كان يبحث عن شقة ليشتريها ويعيش فيها، فوجد شقة لكن سعرها كان أكثر قليلًا من المبلغ الذي خصصه لشراء العقار، وكانت الشقة حينذاك بـ90 ألف دولار، بحسب تقرير لـ “الجزيرة مباشر”.
وأوضح جمعة أنه اشترى الشقة قبل يومين بـ80 ألف دولار، أي بانخفاض قيمته 10 آلاف دولار، وبرر مالك العقار السعر المرتفع الذي وضعه في البداية برغبة الوسيط في تعويض انخفاض مبيعاته.
ارتفاع جنوني
في هذا الصدد يرى المستشار العقاري محمد فاتح، أن أسعار العقارات في تركيا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية كانت غير عادلة ومرتفعة “بشكل جنوني” مدفوعة بتسهيلات شركات العقارات والتسهيلات البنكية.
وعلى مستوى الشركات العاملة في العقارات والتسويق العقاري، أوضح فاتح أنها تعرضت لضرر بالغ بسبب ارتفاع نسبة الفائدة، لافتًا إلى أنه كان من المنطقي للمواطن، في ظل هذه الظروف، أن يضع أمواله في البنوك بدلًا من شراء عقار.
وقال فاتح إن ركود المبيعات دفع بعض شركات التسويق العقاري إلى الاتجاه إلى أسواق أخرى أكثر استقرارًا، مستدلًّا بأرقام تراجع نسبة المبيعات للأجانب بشكل عام، وللعرب بشكل خاص، إذ تراجعت نسبة العرب من مبيعات الأجانب من 50٪ عام 2017 إلى نحو 23٪ بنهاية عام 2023.
ووفقًا لفاتح، انخفضت أسعار العقارات في بعض المناطق في تركيا بنسبة 20٪ خلال العام الجاري، وفي حال الاحتياج لسرعة البيع، فإنها تنخفض إلى أكثر من ذلك وتصل إلى 30٪.
وبشكل إجمالي انخفضت مبيعات العقارات خلال عام 2023 بنسبة 17٪، ويتوقع فاتح أن تنخفض هذه النسبة بنهاية عام 2024 لتصل إلى 5٪ مقارنة بالعام السابق، مدفوعة بتراكم الطلب واستقرار العملة المحلية.
أسباب أخرى لتراجع الأسعار
بدوره أرجع الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، تراجع مبيعات العقارات، إلى أسباب أخرى إضافية بجانب سعر الفائدة المرتفع.
من تلك الأسباب زلزال كهرمان مرعش الذي ضرب جنوب تركيا العام الماضي، مع وجود توقعات بحدوث زلزال مماثل في إسطنبول، إضافة إلى كثرة المعروض، حيث شهد قطاع العقارات استثمارات “أكثر من اللازم” على حد وصف الصاوي، خلال الأعوام القليلة الماضية، فضلًا عن بعض الحوادث العنصرية اتجاه العرب.
وتحدث الصاوي، للجزيرة مباشر، عن اعتماد الشعب التركي بشكل كبير على التمويل البنكي لشراء العقارات، ومع ارتفاع تكلفته أحجموا عن شرائها.
سعر الفائدة
يرى الصاوي أنه ليس من السهل تخفيض نسبة الفائدة في نهاية العام الجاري، حسبمًا أعلنت جهات رسمية.
وقال الصاوي إن أسعار الفائدة المرتفعة في الأسواق الأوروبية وأمريكا تؤثر في سعر الفائدة بتركيا، كما يرى أن تركيا “وقعت في فخ الأموال الساخنة”، مشيرًا إلى أنه إذا خفضت تركيا نسبة الفائدة “فإنها ستفاجأ بهروب نسبة كبيرة من الأموال الساخنة، إلا إذا كانت قد وصلت لمرحلة الاستغناء عنها”.
“فرصة استثنائية”
على الجانب الآخر، يرى رئيس الجمعية التركية للتخطيط، أحمد مطر، أن هذا أفضل وقت لشراء العقارات، معتبرًا أنها فرصة لن تتكرر.
وقال مطر للجزيرة مباشر إنه حتى لو استمرت الفائدة على هذا الحال، فإن الطلب سيعود على العقارات “لا يمكن أن يتراكم الطلب أكثر من 3 سنوات، السوق العقاري عادة ما تصيبه حالة من الهدوء، يليها قفزة يعاقب عليها من أجلوا قرار الشراء”.
ويتوقع مطر أن تقفز أسعار العقارات خلال صيف عام 2025، إذ يرى أن استقرار سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية يدعم هذا التوقع.
وأكد مطر وجود أسباب عدة لاستمرار الطلب على العقارات، بل وارتفاعها، مشيرا إلى أن “النظام الاجتماعي الأسرى يؤدي إلى إحداث طلب سنوي بمعدل 2٪، كما أن ارتفاع متوسط دخل الفرد أدى لزيادة مستوى الطموح الاجتماعي”.
أما فيما يخص الأجانب، فإن الجودة التي تتمتع بها العقارات في تركيا من حيث التنفيذ والتصميم، إضافة إلى وجود مسطحات خضراء واسعة وطبيعة خلابة وكثافة المواقع الأثرية والسياحية، ستظل ميزة للمستثمر الأجنبي، وفقًا لمطر.
واتفق مطر والصاوي وفاتح، على أنه بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب، فإن السوق العقاري التركي قويّ جدًّا ونسبة الطلب عليه تظل مرتفعة، خاصة في مدينة إسطنبول وأنطاليا وغيرهما من المناطق الساحلية.