“سيكون للقدس مقابل” لا تقول هذه العبارة سوى تركيا. من أنت كي تلوح بإصبعك أمام تركيا بالنيابة عن أمريكا وإسرائيل؟! لقد رأيناكم في السياسة والدبلوماسية والإعلام وكل مكان…
لقد رأينا الكثير ممن يهددون تركيا ويظهرون العصا من تحت الطاولة ويستفزونها.
لقد رأينا الكثير ممن يلوحون بأصابعهم أمام تركيا والشعب والوطن والدولة وتاريخنا ومستقبلنا في سبيل القوى والأوساط التي ينتمون إليها ومصالحها وأولوياتها.
لقد رأينا الكثير ممن شغلوا أعلى المناصب بهذه الدولة وعينوا في أكثر أماكنها حساسية، لكنهم لم يشعروا بالانتماء إلى هذه الدولة، بل عملوا لمصلحة القوى الدولية، بل واعتبروا مصالحها أهم من مصالح هذا البلد، فقدموا لها الخدمات خلسة وخفية.
لقد رأيناكم في السياسة والإعلام والاستخبارات والدبلوماسية وعالم الأعمال…
لقد رأينا ذك النوع من الأشخاص في عالم السياسة والأعمال والثقافة والإعلام والاستخبارات والدبلوماسية.
بل وسنرى الكثير منها مستقبلا.
إن الذين يستخفون اليوم بالتهديدات المتنامية شرق الفرات ويتعاونون مع الجهات الخارجية لإيقاف مسيرة تركيا الكبرى ويخفون ذلك تحت عباءة المعارضة البريئة، سيخرجون علينا غدا على هذه الصورة.
وإن من يتحركون اليوم مع طلائع بي كا كا وغولن الإرهابي ويقومون بتلك التحركات في مناصب الدولة وقلب الشعب، سيخرجون علينا غدا على هذه الصورة.
وإن من لجأوا لتبني هويات مختلفة لعجزهم عن الحركة باسم بي كا كا اليوم وحلوا محل غولن الإرهابي، سيخرجون علينا غدا على هذه الصورة. وإن من يخفون عناصر بي كا كا اليوم على قوائم مرشحيهم في الانتخابات، سيخرجون علينا غدا ضمن التدخلات الخارجية الجديدة.
لماذا تزعجك صفقة صواريخ إس-400؟
سيكون هناك دائما من ينشرون الأخبار الصحفية تحت عناوين “الناتو منزعج” عندما ترفض تركيا شراء أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية، ومن يقولون “يجب أن يدخل الناتو منطقة جنوب شرق تركيا”، ومن يقولون “على الناتو فرض سيطرته على شرق البحر المتوسط”، ومن يحاولون فرض أوامرهم على تركيا نيابة عن الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
إن من ينشرون التهديدات إزاء الخطوات التي تقدم عليها تركيا في سبيل التخلص من الحصار الذي يفرضه الغرب عليها في مجال التكنولوجيا العسكرية ويقولون “إياكم أن تشتري منظومة إس-400، سيكون لذلك ثمن” لا يقولون ذلك بسبب مخاوفهم الشخصية، بل إنهم يتحدثون باسم الجهات التي يتبعونها ويخدمونها.
إن هذه هي الاعتراضات التي يسوقها السفير التركي السابق في واشنطن نامق تان، فهي ليست من قبيل التوقيع الدبلوماسي أو التحذير أو اللطافة، بل إنها محاولة لتوجيه الأوامر لتركيا باسم الثنائي الأمريكي – الإسرائيلي المقرب منه.
النظر إلى اللوبي الذي جعل من تان سفيرا في أمريكا وإسرائيل
لم ولن أندهش عندما علمت أن تان كان هو المقصود من التصريحات شديدة اللهجة التي قال فيها الرئيس أردوغان: “إنهم خائنون. إنك ستأكل خبز هذا الشعب وتصبح سفيرا، ثم تطلق التصريحات عديمة التربية. فهل هذا الأمر من اختصاصك؟ من يعطيك الحق لقول هذا الكلام لأنك عملت سفيرا وتقاعدت من تلك الوظيفة؟”
وبدلا من أن أندهش، فإنني أتساءل حول الجهات واللوبيات التي عينته في منصب السفير التركي في الولايات المتحدة وإسرائيل. لماذا؟ سأسرد عليكم ذلك الموقف…
كان ذلك قبل سنوات عندما كانت إسرائيل تهاجم الأراضي اللبنانية وتجري عمليات مستترة في إطار الاتفاقات السرية الموقعة بين تركيا وإسرائيل إبان 28 فبراير. وكان هناك مزاعم خطيرة حول وجود بعض الوحدات من القوات الخاصة التركية تعمل مع إسرائيل. وعندما أفصحت عن ذلك أبدى السفير تان رد فعل شديد، وكان حينها المتحدث باسم الخارجية التركية. كان ذلك يوم 15 سبتمبر 2006.
القلق على إسرائيل
كان رد فعل طبيعيا وضروريا من متحدث باسم الخارجية، فهذا ما كان عليه فعله، لكن رد الفعل كان يبدو أنه يدعم إسرائيل أكثر من تركيا؛ إذ كان المرء يشعر من كل حركاته وسكناته أنه حريص على مصالح تل أبيب. شعرت بالانزعاج الشديد. اتصل بي، فاتفقنا على ضرورة إصدار تصريح. وبعد مكالمتنا بساعة كلف المسؤولين في وكالة الأناضول للأنباء بنشر بيان شديد اللهجة.
وكان أول رد أبديه على ذلك التصرف: “يبدو أن تان سيعين سفيرا في إسرائيل…” وهو ما حدث فعلا. ذلك أن حساسية الرجل وأولوياته بشأن إسرائيل لفتت دوما ما لفتت انتباهي. هذا فضلا عن أنه عين سفيرا في إسرائيل يوم 29 سبتمبر من العام ذاته. لقد اتضح سبب ذلك القلق والغضب الشديد الذي بدا عليه.
ها هو اليوم يلوح بإصبعه أمام تركيا بالنيابة عن أمريكا وإسرائيل!
نشرت هذا الكلام يوم 31 أكتوبر 2006 في مقال بعنوان “هل أنا سيئ النية إلى هذا الحد؟” وقلت في ذلك المقال “لا زلت مقتنعا بأن طريقة السيد تان لتكذيب هذه المزاعم وقلقه المثير والغريب مرتبط بمسيرته الوظيفية الشخصية أكثر من كونه نابع من مخاوفه بشأن السياسة الخارجية التركية. وعلى ما يبدو أن بذل جهدا حثيثا ليحافظ على علاقته بإسرائيل في مستوى جيد حتى قبل أن يعين سفيرا بها!”
عين تان بعدها سفيرا لتركيا في واشنطن. وأتذكر أنني عندما سمعت ذلك الخبر قلت “واحسرتاه”.
واليوم يلوح تان نفسه بإصبعه أمام تركيا نيابة عن أمريكا وصديقتها إسرائيل وأوساطهما المشتركة، ويطلق التهديدات بقوله “إياكم أن تشتروا صواريخ إس-400″، بل ويقول ذلك تحت عباءة هويته كدبلوماسي مخضرم. وهل سنظن أن ذلك نابع من خبرة دبلوماسية؟ أم أنه يلعب دور المتحدث باسم أجندات أخرى؟ وكنت شخصيا قد سجلت ذلك عام 2006، وتابعته منذ ذلك اليوم، فالمكان الذي يقف به واضح وضوح الشمس داخلي عقلي.
الأصل هو المكان الذي تقفون به على مر التاريخ بغض النظر عن هوياتكم السياسية
ولننظر ماذا حدث بعد ذلك عقب ذلك الهجوم الذي استهدف تمزيق تركيا من خلال تنظيم غولن الإرهابي. لننظر إلى من تحركوا من أجل بي كا كا وأخفوا ذلك تحت عباءة الهوية المحافظة. لننظر إلى تلك الأوساط الرامية لإيقاف مسيرة تركيا الكبرى من الداخل.
فلننظر إلى العقلية والإرادة التي جمعت هويات سياسية مختلفة تحت مظلة واحدة لخوض انتخابات 31 مارس المحلية وحولتها إلى جبهة مشتركة. لننظر إلى هذه الأجندة الجديدة التي لا تهدف سياسيا إلى تعزيز قدرات تركيا بأي شكل من الأشكال.
لننظر على الهجمات الدولية التي تدار من الخارج لإضعاف الهيكل الأساسي لتركيا من أجل جعلها بدون دفاع، ولننظر إلى الكيانات الداخلية التي تتحرك بالتوازي مع تلك الهجمات.
لننظر إلى من يتخذون مواضعهم في هذا السياق داخل عالم السياسة والبيروقراطية والأعمال والإعلام ومنظمات المجتمع المدني. وإن لم ننظر اليوم فإننا سنواجه مفاجآت كبيرة غدا.
فالأساس هو المكان الذي تقفون به في إطار التاريخ بغض النظر عن هوياتكم السياسية.
محور تركيا هو هوية سياسية واحدة
إن هذا الأمر على هذا الحال دائما سواء بالنسبة لتركيا أو المنطقة. فالأساس هو المكان الذي تقفون به في إطار التاريخ السياسي بغض النظر عن حقائقكم الدورية أو مصالحكم أو غضبكم واعتراضاتكم أو هوياتكم العرقية.
إنكم أبناء هذا الوطن إذا كنتم تتحركون منذ ألف عام من خلال الثراء والجينات السياسية التي تصنع التاريخ في هذه المنطقة وتنضمون اليوم إلى صف “محور تركيا”. فهذا يعني أنكم منتمون لهذا الوطن وإنكم تاريخه ومستقبله.
وإن لم تقفوا هناك، وإن كان لديكم أصدقاء وشركاء آخرون، فهذا يعني أنكم عاجزون عن أن تكونوا منتمين لهذا الوطن. ولهذا فإن اليوم هو الوقت الذي يراجع فيه كل فرد أين يقف وأن ينتبه مع من وفي أي اتجاه يتحرك…
سيكون للقدس مقابل”
لا تقول هذه العبارة سوى تركيا
كان الرئيس أردوغان قد قال عبارة بينما كان يتحدث عن آيا صوفيا قبل أيام جاءت كالتالي: “ستعترفون بالقدس عاصمة لإسرائيل، فلا بد أن يكون لذلك مقابل…”
ليس هناك دولة غير تركيا قادرة على قول هذه العبارة، لا في الماضي ولا المستقبل. فهذه هي تركيا، هذا ما يعنيه أن يكون المرء وطنيا، هذه هي الجينات والتقاليد السياسية التي يعود تاريخها لألف عام مضت.
إن هذه هي الهوية السياسية الحقيقية بغض النظر عن التوجه السياسي الذي تنتمون إليه. فهذا هو المكان الذي نقف به، ولن نسمح أبدا بأن يلوح من يتخذون مواقع أخرى بخلاف هذا المكان بأصابعهم لهذا البلد وشعبه.