أخــبـار مـحـلـيـة

“عودة الأمل”.. سوريون يختارون الرجوع للوطن بدل الهجرة إلى أوروبا

من “وين ناوي تسافر، وكم كلفتك الطلعة، وبتعرف طريق تهريب مضمون”، إلى “إيمت راجع، وشو ناوي تشتغل”، هكذا تبدلت أحاديث السوريين وخططهم من خوض رحلات الهجرة واللجوء ومحاولات الاستقرار خارج سوريا إلى العودة إلى مدنهم وقراهم بعد تحرير سوريا وإسقاط رئيس النظام السوري السابق، بشار الأسد.

حتى فجر الثامن من كانون الأول الحالي حين أُذيع خبر هروب الأسد خارج سوريا، كان البحث عن وطن بديل واللجوء إليه أحد أهم الأهداف التي يسعى إليها سوريون هُجّروا من منازلهم أو اضطروا للنزوح بفعل إجرام جيشه وخاضوا من أجله رحلات محفوفة بالموت والمخاطر.

محاولات البحث عن بلدان لم تقتصر على المهجّرين والفارين من بطش الأسد، وشملت حتى مؤيدين له عانوا في مناطق سيطرته من التضييق الأمني والوضع الاقتصادي المتردي والظروف المعيشية السيئة، حتى قُدّر مجموع السوريين في الخارج بأكثر من 11 مليون سوري.

“لاجئة منشقة”

مع إعلان التحرير، قررت بشرى فرحات المنحدرة من مدينة بنش بريف إدلب الشرقي والمقيمة في إسطنبول التراجع عن السفر لدراسة الدكتوراة في أوروبا واصفة نفسها في حديثها لموقع تلفزيون سوريا بـ”اللاجئة المنشقة”.

اختيار بشرى لهذا الوصف جاء بعد قرارها عدم السفر رغم حصولها مؤخرًا على قبول لمنحة دراسية في إحدى جامعات النمسا عقب حصولها على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة المدنية في تركيا، مؤكدة أن إلغاء خطتها للسفر هو خلاص سوريا من حكم بشار الأسد.

عودة قيد التخطيط

فيما ضحت بشرى بالمنحة الدراسية، أعادت الصحفية بتول الرفاعي وزوجها المقيميان في إسطنبول، النظر في أمر السفر إلى أوروبا بعد سنوات أمضياها في اللجوء وعدم الاستقرار.

هُجّرت بتول بعد سيطرة قوات النظام السوري المخلوع، من ريف دمشق إلى الشمال السوري مع زوجها عبر ما عُرف بـ”الباصات الخضر” عام 2017، وبعد حالة من اليأس عاشاها بريف إدلب، عبرا الحدود ليصلا إلى تركيا حاملَيْن أملًا بتحسين أوضاعهما واستكمال الزوج لدراسته الجامعية التي انقطع عنها في دمشق بسبب الملاحقات الأمنية والاعتقالات التي كانت تحصل في كلية الإعلام التي كان يدرس فيها.

ومع مرور السنوات وعدم وضوح المستقبل أمام الزوجين الذين يقيمان مع طفليهما في مدينة إسطنبول بموجب بطاقة الحماية المؤقتة الممنوحة للاجئين السوريين في تركيا، بالإضافة إلى غياب الشعور بالاستقرار المادي والاجتماعي وحملات العنصرية التي شُنت بين الحين والآخر ضد اللاجئين بدأت بتول وزوجها بالتفكير في خيار السفر إلى ألمانيا التي يقيم فيها أقارب لهما.

تقول بتول لموقع تلفزيون سوريا إنها وزوجها قررا عدم الهجرة إلى أوروبا بعد سقوط نظام الأسد خاصة أنهما لا يمتلكان الطاقة لبدء حياة جديدة في بلد ثالث.

“من المؤكد أن العودة إلى بلدنا سيكون خيارا أفضل وأسهل لنا من الذهاب إلى أوروبا”، تضيف بتول، وتشير إلى أن العودة إلى سوريا “قيد الانتظار والتخطيط” وتعتمد بشكل رئيسي على استقرار الوضع هناك وإيجاد عمل ذو مردود مالي جيد يُمكّن الزوجين من استئجار منزل خاصة بعد تدمير منزلهما.

عودة لإعادة الإعمار

على غرار بتول وزوجها، كانت أوروبا وجهة محمد الحسن المنحدر من مدينة منبج بريف حلب التي غادرها عام 2014 إلى تركيا بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها.

مع تحرير سوريا من نظام الأسد، أوقف محمد نية السفر إلى اليونان التي كان ينوي السفر منها إلى هولندا أو النرويج بعد 11 سنة أمضاها في تركيا ازدادت خلالها حالات العنصرية ” بحسب ما قاله لموقع تلفزيون سوريا، مشيرا إلى أنه يدرس العودة إلى سوريا التي تتطلب وجود استقرار وتحسن سبل العيش وإعادة إعمار منزله.

وكانت الظروف الاقتصادية ومعاداة اللاجئين الدافع وراء تفكير إسراء طلاس التي غادرت حمص عام 2013 بسبب قصف قوات النظام السابق على المدينة، لتستقر مع عائلتها في تركيا وتتخرج في إحدى جامعاتها، في السفر.

كانت العائلة قررت الهجرة إلى ألمانيا الصيف المقبل بحثا عن حياة أفضل، إلا أن خطتهم تغيرت بشكل كامل مع تحرير سوريا، وقررت العائلة العودة إلى مدينتها وترميم منزلها، بحسب ما قالته إسراء لموقع تلفزيون سوريا.

إلغاء سوريين خطط الهجرة إلى أوروبا ترافق مع إعلان دول أوروبية، إضافة إلى المملكة المتحدة، تعليق إجراءات اللجوء للسوريين مؤقتا، فيما أعلنت بعضها نيتها ترحيل اللاجئين بعد إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا.

معابر مزدحمة

تتوالى صور المعابر الحدودية المزدحمة بالسوريين العائدين، بعد أن كانت هذه المعابر تغص بأعداد كبيرة من الذين يحاولون الخروج من بلدهم باحثين عن فرص جديدة.

في أول إحصائية رسمية بعد إسقاط النظام، عاد نحو 9 آلاف سوري من تركيا خلال 5 أيام مع رفع المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا لطاقتها الاستيعابية لتسهيل عودة السوريين إلى بلادهم، في حين يبحث سوريون في دول أخرى عن طرق للعودة وينتظر آخرون المطارات السورية لفتح أبوابها مجددًا أمامهم.

وبحسب ما رصده موقع تلفزيون سوريا، شهدت أسعار تذاكر الطيران إلى مطاري عمان وبيروت والتي تعد نقاط عبور للوصول إلى سوريا ارتفاعاً ملحوظاً.

وفيما تشهد سوريا مرحلة انتقالية مفصلية في تاريخها، يربط سوريون موعد عودتهم إليها بتحسن الوضع الأمني والاقتصادي ووضوح خطط إعادة الإعمار مع خسارة الآلاف لمنازلهم بالإضافة إلى توفر الخدمات الأساسية وخاصة الماء والكهرباء والاتصالات.

زر الذهاب إلى الأعلى