فوز دونالد ترامب يحيي آمال تركيا بحلّ القضايا العالقة
جابر عمر
على غرار دول عدة حول العالم، حبست تركيا أنفاسها بانتظار لحظة حسم نتيجة الانتخابات الأميركية التي جرت الثلاثاء الماضي، لمعرفة هوية الرئيس الفائز والبناء على ذلك لاستشراف مستقبل العلاقات المتوترة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة الماضية، والتي جاء فوز دونالد ترامب بالرئاسة مجدداً ليحيي الآمال بتحسنها. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سارع عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لتهنئة ترامب، قائلاً: “أهنئ صديقي دونالد ترامب الذي فاز بالانتخابات الرئاسية وانتخب مرة أخرى رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، آمل في هذه الفترة الجديدة أن تتعزز العلاقات التركية الأميركية، وأن تنتهي الأزمات والحروب الإقليمية والعالمية، وخصوصاً القضية الفلسطينية والحرب الروسية الأوكرانية، وأعتقد أنه سيتم بذل مزيد من الجهود من أجل عالم أكثر عدلاً”.
تصريح أردوغان يكشف عن قراءة تركية متفائلة نوعاً ما بعودة ترامب إلى البيت الأبيض، بالحديث عن تعزيز العلاقات وانتهاء الأزمات.
ملفات عالقة تنتظر دونالد ترامب
الملفات العالقة عديدة، أهمها ما يتعلق بقضية حزب العمال الكردستاني وصراعه المسلح مع الحكومات التركية منذ عقود. ومع بدء الحرب في سورية عام 2011 وتشكل قوى كردية في المنطقة ممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الكردية، اعتبرت أنقرة أن هذه القوى على علاقة مع “الكردستاني” وهي امتداد لها، فصنفتها على أنها تنظيمات مسلحة محظورة وتحاربها وتقصفها وتتهمها بارتكاب عملية مسلحة داخل تركيا وبعمليات قصف، وتطلب من واشنطن سحب الدعم عنها، وهو ما يعدّ من أبرز الملفات الخلافية بين الطرفين.
وتأمل أنقرة خلال الفترة المقبلة بتطبيق التفاهمات مع واشنطن في ما يتعلق بإنشاء المناطق العازلة على الحدود بعمق 30 كيلومتراً، استكمالاً لعملية نبع السلام التي جرت عام 2019 في ولاية دونالد ترامب الأولى، وإجراء توافقات مع الولايات المتحدة وروسيا لسحب الوجود المسلح للوحدات الكردية من الحدود التركية، ولكن لم يتم تطبيق ذلك. وترغب أنقرة باستكمال العمليات المسلحة في المنطقة ومواصلة تأسيس مناطق آمنة، بالسيطرة على عين العرب ومنبج وتل رفعت، استكمالاً لمناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، في ظلّ اعتقاد بإمكانية التفاهم مع ترامب كما حصل خلال عملية نبع السلام، بظل رفض الإدارات الديمقراطية السابقة في عهد جو بايدن وباراك أوباما لأي حراك عسكري تركي في شمال سورية.
وعلى صعيد الملفات المشتركة، يبرز أيضاً ملف جماعة الخدمة التي تتهمها تركيا بالوقوف خلف العملية الانقلابية العسكرية الفاشلة في عام 2016، وترفض أميركا تسليم قيادات الجماعة ووقف نشاطاتها (في الولايات المتحدة). ورغم رحيل زعيم الجماعة الداعية فتح الله غولن، أخيراً (كان مقيماً في الولايات المتحدة وظلّت واشنطن ترفض تسليمه)، إلا أن قيادات الجماعة ما زالت موجودة وهي مطلوبة لتركيا، وتأمل أنقرة بتحقيق تقدم في هذا الملف.
أما على الصعيد العسكري، فهناك خلافات تتعلق بمسألة مقاتلات إف 35 التي منعت أنقرة من إبرام صفقة حولها، بسبب شرائها صواريخ إس 400 الروسية، وفرض عقوبات على أنقرة في فترة ترامب الأولى. وخلال عهد إدارة بايدن، تم التوافق على مسألة توريد مقاتلات إف 16 وتتوقع تركيا تقدماً في هذه الملفات في ظل التطورات التي حصلت في أوكرانيا وداخل حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وكانت تركيا قد انضمت إلى برنامج تصنيع المقاتلات في عام 2002، وتسلمت أولى المقاتلات عام 2018، ولكنها تسلمت في عام 2019 صواريخ إس 400 الروسية، ما دفع واشنطن إلى معاقبة أنقرة وإخراجها من برنامج تصنيع المقاتلات، وسحبت المقاتلات التي كان يجري الطيارون تدريبات عليها في الولايات المتحدة. وتقول أنقرة إنها دفعت ملياراً و400 مليون دولار ثمن مقاتلات إف 35 التي اشترتها من الولايات المتحدة، ولم تسلمها الأخيرة إليها، فيما شكّلت هذه الحادثة نقطة شرخ في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة قبل سنوات، ولا تزال تداعياتها تتفاعل حتى اليوم.
وبعد التقارب التركي الأميركي عقب الحرب الروسية في أوكرانيا عام 2022، ورغبة توسيع حلف ناتو بانضمام السويد وفنلندا إليه، وقبول تركيا دخول هاتين الدولتين مقابل عدة شروط، تمّ تمرير صفقة مقاتلات إف 16 جديدة وتحديث قرابة 80 مقاتلة عاملة في تركيا، وموافقة الكونغرس الأميركي عليها، وهي مرحلة لا تزال مستمرة دون شوائب.
كما تتوقع أنقرة أن تغلق واشنطن مسألة محاكمة مصرف “خلق بنك” الحكومي، والإقدام على خطوات لحلّ المسألة السورية عبر الضغط واتخاذ خطوات لتفعيل الحل السياسي، ووقف الحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن الضغط في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة ولبنان، واستهداف سورية وإيران، ما يهدد بحصول حرب إقليمية ستكون تداعياتها كبيرة على المنطقة وتركيا. ومن المنتظر حصول خلافات في وجهات النظر في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ودعم إسرائيل وهجماتها المستمرة.
توقعات بولاية ثانية أكثر توازناً
ورغم الآمال التركية والتوقعات الإيجابية، إلا أن فترات عصيبة مرّت بين أردوغان وترامب خلال فترة حكم الأخير الأولى (2016 – 2020)، بسبب مسألة الصواريخ، ومسألة القس الأميركي أندرو برونسون الذي اعتقل بحجة الارتباط بجماعة الخدمة، ورفضت تركيا الإفراج عنه، ما دفع ترامب إلى اتخاذ خطوات ضد الاقتصاد التركي أدّت إلى انهيار الليرة التركية، وإرسال رسالة مهينة لأردوغان، وانتهت بالإفراج عن برونسون لاحقاً في عام 2018 لتعود العلاقات للتحسن بعدها.
الصحافي والكاتب إسماعيل جوكتان، قال في حديث لـ”العربي الجديد”، إن دونالد ترامب “بدأ كما في ولايته الرئاسية الأولى بخطاب ضمان السلام وإعطاء الأولوية لأميركا ومنع الهجرة غير النظامية، وهذه المرة يأتي إلى منصبه بخبرة أكبر مما كان عليه في ولايته الأولى ومع معرفة أكبر، وعندما نتحدث عن الشرق الأوسط على وجه التحديد يمكننا أن نتوقع منه أن يتخذ خطواته بشكل أكثر توازناً هذه المرة. في المقابل، فإن القوى في المنطقة، وخصوصاً تركيا وإسرائيل، اعترفت بترامب وتعتقد أن بإمكانها توقع ما سيفعله”.
وأضاف جوكتان: “في ما يخص تركيا، لن يكون هناك فرق كبير بين إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن، لأن المشاكل التي توتر العلاقات التركية الأميركية بدأت في ولاية أوباما الأخيرة (2012 – 2016)، واستمرت في عهدي ترامب وبايدن، ومن ناحية أخرى يمكننا أن نستنتج من تغريدة التهنئة التي أطلقها الرئيس أردوغان أن تركيا أصبحت أكثر تعاطفاً قليلاً مع إدارة ترامب، لكن يمكن القول إن كبار المسؤولين في تركيا كانوا يفكرون منذ فترة طويلة في فوز ترامب بالانتخابات، كما أعرب وزير الخارجية هاكان فيدان عن ذلك في أكثر من مناسبة”.
ولفت إلى أن “الظروف الراهنة في المنطقة تحتم على البلدين حلّ مشاكلهما، لأن الإدارة الأميركية لن ترغب في خسارة تركيا، خصوصاً في مواجهة التوتر المتزايد مع المحور الصيني الروسي الإيراني، ومع ذلك فإن المستوى الذي يحدّده الطرفان لتوقعاتهما هو الذي سيحدد مسار العلاقات بين البلدين، كما أن النهج الأميركي تجاه إسرائيل مهم أيضاً في هذه المرحلة، لأنه وفي إطار الاتجاه التطبيعي لإسرائيل مع دول المنطقة الذي بدأ في ولاية ترامب السابقة، دخلت تركيا أيضاً في عملية تطبيع جدّية مع إسرائيل حتى بدأت المجازر في غزة، وقد يكون نهج ترامب تجاه إسرائيل أحد العوامل التي ستحدد على أي أساس ستتم مناقشة المشاكل مع تركيا”.
وأكد جوكتان أن “من أهم القضايا مع واشنطن أيضاً، تأتي قضية إس 400 وصواريخ باتريوت، ودعم الولايات المتحدة لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، ويبدو من المرجح أن يحافظ ترامب على الموقف نفسه، لكن تركيا تريد أيضاً تنويع دفاعها الجوي، وليس من الصعب على الأطراف إيجاد أرضية مشتركة إذا شرعوا في إجراء حوار مناسب حول هذه القضية”. وبرأيه، فإن “قضيتي حزب العمال الكردستاني وسورية تبقيان الأكثر تحدياً في العلاقات بين البلدين، ولم تنفذ تركيا أي عمل واسع النطاق ضد الحزب في سورية منذ عملية نبع السلام”.
وأضاف: “إذا كان دونالد ترامب صادقاً بشأن ضمان السلام الإقليمي، فإنه سيناقش هذه القضية بالتأكيد، لكن لا ينبغي أن ننسى أنه تم اختيار الكردستاني شريكاً في سورية خلال فترة ترامب، ومع ذلك ومن أجل تحقيق ضمان السلام وتأمين إسرائيل، سيحتاج ترامب إلى اللجوء لعملية الحل في سورية”. واعتبر أنه “في مثل هذا الوضع، يمكننا القول إن نفوذ تركيا سيتعزز، لأن البلدين متفقان على ضرورة حلّ القضية السورية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، لذلك فإن التغييرات الجذرية في الوضع الحالي للعلاقات التركية الأميركية خلال عهد ترامب، ستعتمد إلى حد كبير على الإجراءات التي ستتخذها إدارته، لأن تركيا كما كانت من قبل، متمسكة بموقفها الراغب في العمل بشكل مشترك مع الولايات المتحدة في سورية بشرط تعطيل حزب العمال الكردستاني”.
الكاتب والباحث عمر أوزقزلجك، قال من جهته لـ”العربي الجديد”، إن “انتخاب ترامب يشكل فرصة جديدة لتركيا في تطوير العلاقات وتحسينها بين البلدين، حيث ستتحول العلاقة لتتعزّز على مستوى زعيمي البلدي، وليس على مستوى المؤسسات، حيث إن هناك علاقة بين أردوغان وترامب سابقة، وينتظر أن تتعزز في المرحلة المقبلة”. أما في مسألة التعاون، فسيستمر البحث في قضية إف 16 وأف 35، وينتظر، برأيه، أن تتسارع عملية التفاوض، وفي ما يخص الملف السوري، ينتظر أن تحصل مناقشات وتفاهمات حولها. واعتبر أن “أهم مسألة هي أن ترامب يرغب دائماً بالتوصل إلى توافقات في ما يخص الملف الخارجي لأميركا، لأنه ينظر إلى المسائل من وجهة نظر رجل أعمال، وهو ما سيكون في صالح تركيا، لأن أنقرة تعاني منذ سنوات في العلاقة مع واشنطن، وفي الملف السوري والشرق الأوسط، وترغب بالتوصل إلى توافقات وأرضية مشتركة، ما يعني بدء مرحلة جديدة في العلاقات”.
وشدّد أوزقزلجك على أن “هناك فرصة كبيرة في ذلك، ولكن بالطبع توجد مخاطر أيضاً، وأهمها الغموض الذي قد يرافق عودة ترامب، فليس سهلاً معرفة ما يريد فعله بالتحديد وما هي سياساته وكيف ستكون حركته، حيث لا يمكن التنبؤ به، كما أنه خلال ولاية ترامب الأولى، مرّت العلاقات بمرحلة لم تكن سهلة، وتتعلق بقضية الراهب برونسون”. وذكّر بأن دونالد ترامب كان قد أرسل إلى الرئيس رجب طيب أردوغان خلال تلك الأزمة “رسالة غير لائقة وفرض عقوبات على تركيا، وبالتالي فإن سياسته الخارجية لا تسير بشكل مستقر، وقد تشهد تبدلات، وهو ما يفتح مخاطر”. ولفت إلى أن الموضوع الأخير يبقى “مسألة إسرائيل ودعمها، وقضية فلسطين، فهناك مواقف مختلفة بين تركيا وترامب حول الموضوع، وعدم توافق في وجهات النظر”. وبرأيه، فإنه “في هذا السياق، ستتواصل الخلافات”.