كلاب الشوارع… من مؤانسة الوحدة إلى ورقة انتخابية في تركيا
أزال قانون “حماية الحيوان” في تركيا صفة الحيوانات السلعة، وقرر سجن من يسيئون معاملتها وتغريمهم، لكن حوادث كلاب الشوارع تطرح إشكالية موازنة القانون مع السلامة العامة.
ليس سهلاً تدجين بعض الحيوانات، لكن شوارع تركيا تثبت العكس، فالقطط لا تخاف من البشر، كما لا يخاف المارة من الكلاب المستلقية على الأرصفة. ويصل تراكم العطف واللطف وحسن التعامل إلى حدّ عدم طيران العصافير والحمام خلال المرور بجانبها.
وعموماً قد تكون مشاهد الكلاب في شوارع تركيا أول ما يلفت السياح، علماً أن وجود بيوت للكلاب في الشوارع وتأمين أغذية خاصة بهم أمر مستغرب أو غير متداول في المنطقة العربية، وكذلك ظاهرة اصطحاب الأتراك كلاب “الزينة” والتي زادت في العقد الأخير.
يقول مربّي الكلاب وبائع مستلزمات الحيوانات في العاصمة أنقرة، درسون ألتي برماك، لـ”العربي الجديد”: “باتت محلات خدمة الكلاب في العاصمة أنقرة تضاهي تلك التي لبيع المنتجات الاستهلاكية، إذ لا يخلو شارع من محلات بيع أغذية للكلاب أو حلاقين لها أو عيادات بيطرية”.
لكن موضوع قتل كلاب الشوارع أو الكلاب الشاردة عشرات الأشخاص سنوياً ظهر إلى الضوء قبل الانتخابات البلدية التي ستشهدها تركيا نهاية مارس/ آذار المقبل، ما جعل الكلاب نفسها ورقة انتخابية رفعها مرشح حزب “العدالة والتنمية” لمنصب الحاكم، مراد قوروم، بقوله: “إسطنبول مدينة كبيرة، ولديها مشكلة مع الكلاب الشاردة سنعمل على حلّها من خلال زيادة عدد حظائر الحيوانات وإعادة تأهيلها، وتوفير الرعاية الطبية اللازمة للكلاب الشاردة، وحث المواطنين على تبنيها”.
وتؤكد الباحثة التركية عائشة غل، في حديثها لـ”العربي الجديد” أهمية إدراج موضوع الكلاب الشاردة في الانتخابات لأنه يعني جميع السكان بعد التعامل معها بتساهل في الأعوام السابقة، ما أدى، بحسب بيانات منصّة “مشكلة الكلاب الشاردة” إلى موت 33 شخصاً العام الماضي لدى هروبهم من كلاب شاردة، إذ توفي 13 منهم بحوادث مرورية، و20 آخرون بعد إصابتهم بجروح خطيرة خلال الهجمات. وقدّرت المنصة عدد الكلاب الشاردة في تركيا بنحو 10 ملايين، منها 250 ألفاً في ولاية إسطنبول.
وتعاظمت حملة مكافحة ظاهرة الكلاب الشاردة بعد حادثة الاعتداء على طفل في أنقرة التي استدعت تدخل الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه، وتعهده بحل المشكلة “بما يتناسب مع قيم تركيا وتراثها الإنساني”، ما يعني استبعاد حلول قتل الكلاب عبر إطلاق النار عليها أو تسميمها، لحساب حلول أخرى تحافظ على حقوق الحيوانات التي ينص عليها قانون حمايتها، وبينها الإخصاء الشامل للسيطرة على عدد الكلاب وتغيير طبيعتها العدوانية. أيضاً تنوي الحكومة تنظيم حملات تثقيفية وإعطاء دروس عن حقوق الحيوان في المدارس من أجل رفع مستوى الوعي بالحيوانات في المجتمع، “فمن المهم أن يفهم الناس الحيوانات، ويعيشوا في وئام معها ويتصرفوا بمسؤولية تجاهها”.
ويوضح درسون أن “حل التعقيم والإخصاء هو المرجح اليوم لتحقيق هدف تأمين السلامة العامة للناس مع تفادي إلحاق أذى بالكلاب الشاردة، كما يطرح اليوم مشروع إنشاء مراكز رعاية وملاجئ للحيوانات الشاردة، بمشاركة الحكومة والسلطات المحلية في جميع الولايات، لتأمين اللقاح والتعقيم. وبعد إزالة العدوانية من الكلاب الشاردة، ستدعم المراكز مالياً الأشخاص الذين يتبنون الحيوانات الشاردة في بيوتهم”.
وفي شأن أنواع الكلاب بتركيا، يقول درسون: “توجد كلاب لحراسة منازل ومزارع وقطعان أغنام، وبينها من نوع كلب الأغنام كاتالبورون، وأقباش، إلى جانب سلالات شهيرة عالمياً مثل أسود الأناضول، وأقسراي ملقلاسي، في حين تحظى الكلاب من نوع كنغال بشهرة خاصة بسبب وزنها وقوتها، وسعرها الذي يزيد على 5 آلاف دولار. وتولي السلطات أهمية كبيرة لهذه السلالة، علماً أن وزير الصناعة السابق مصطفى وارانك افتتح مركزاً لإنتاج كلاب الكنغال في ولاية سيواس وحمايتها وتدريبها.
ويذكر درسون أن “كلاب المنازل تلقى إقبالاً متزايداً، خاصة في أنقرة وإسطنبول وإزمير، وأشهر الأنواع المطلوبة هي ليبرادور وسبيتز الهندي وروت ويلر. وأرى انطلاقاً من طبيعة عملي وتخصصي في تربية الكلاب أن الإقبال يحصل بدافع إنساني بالدرجة الأولى، كما تزيد المشكلات العائلية والفشل في الدراسة أو عدم تحقيق أحلام وطموحات معينة توجه الناس إلى اقتناء حيوانات أليفة، كما تشكل الوحدة عاملاً مهماً في تبني كبار السن حيوانات أليفة من قطط وكلاب كي ترافقهم خلال الرياضة والتسوّق، ويقول لي كثيرون إن تبنيهم حيوانات أليفة كان بنصيحة من طبيب نفسي”.
إلى ذلك، يقول بائع مستلزمات الكلاب مراد حاجي بيرم لـ”العربي الجديد” إن أسعار الكلاب وأغذيتها ومصاريف رعايتها الصحية زادت كثيراً في تركيا، علماً أن طعام كلاب المنازل يختلف تماماً عن ذلك الذي يرمى للكلاب الشاردة في الشوارع، ويجري تحديده بحسب العمر أو الحالة الصحية، فمثلاً لا يعطى طعام كليكر الغني بالبروتين الحيواني خلال حالات صحية معينة، كما يخصص طعام أونست كيشتن لحالات محددة. وعموماً تحتوي أطعمة الكلاب على حبوب وخضار ولحوم وزيوت ودهون وأسماك وفيتامينات ومعادن، بعضها من مصادر تركية مثل منتجات شركة شاتاي المتخصصة في أغذية الحيوانات، وأخرى مستوردة من الدنمارك خصوصاً”.
وفي شأن خدمات الكلاب المنزلية، يذكر مراد أن العيادات البيطرية تزداد على غرار تكاليف العلاج والرعاية الصحية. وأنشئت في ولايات عدة فنادق تستضيف الكلاب خلال سفر أصحابها، وتقدم لها الطعام والرعاية بحسب برنامج وأنواع يحددها صاحب الكلب.
واللافت أن كل كلاب الشوارع غير الشاردة وغير المؤذية لديها سجلات “هويات” على آذانها مخصصة للمراقبة والكشف، كما أصدرت تركيا العام الماضي قانوناً لزرع رقائق تعقب إلكترونية لحماية الحيوانات الأليفة بينها الكلاب، في حال تعرضت لإهمال من أصحابها أو تُخلّي عنها. وهذه الرقائق ليست مؤذية، ولا تثير حساسية في أجسام الحيوانات.
وتعمل وزارة الزراعة والغابات التركية لتفعيل قانون زرع الرقائق الإلكترونية في أجسام الحيوانات الأليفة، وتفرض غرامة مالية، مقدارها 200 دولار على المتخلّفين عن تطبيق القانون، علماً أن الرقائق الإلكترونية تمثل جواز سفر تُسجل بيانات الكلاب وتلك التي لأصحابها، وأيضاً حالتها الصحية واللقاحات التي تلقتها.
ويبلغ حب الأتراك للحيوانات الأليفة درجة عدم خلو بيت من قط أو كلب، ويعزوه بعضهم إلى مراعاة المبدأ الديني الخاص بالرفق بالحيوان، وآخرون إلى عادة قديمة بمناطق الأناضول، وليس مستغرباً وجود تمثال بحي كاديكوي للقط الشهير “تومبيلي” أو تمثال للكلب “مانتش” في ولاية قوجا ايلي التي شاركت الرئيسة المجرية كاتالين نوفاك في مراسم إزاحة الستار عنه العام الماضي.
وافتتحت في تركيا قبل عامين قرية للقطط على مساحة 10 آلاف متر مربع ببلدية سامسون، في منطقة غابات خضراء تبعد نحو 20 كيلومتراً عن مركز المدينة.
وفي ولاية إزمير (غرب) تتمتع حيوانات في حديقة خاصة بتناول الفواكه والخضار المثلجة في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف.
ولعلّ انتظار كلب لمدة أسبوع صاحبه الذي كان تحت أنقاض منزل انهار بسبب الزلزال في ولاية هاتاي العام الماضي، زاد محبة الأتراك للحيوانات الأليفة. وينقل فيلم “كيدي” الوثائقي الشهير قول شخص: “من لا يحبّ الحيوانات لا يمكن أن يحبّ الناس”.