كورونا ينقلب على الاقتصادات النقدية والبنوك.. هكذا خرجت الخدمات المالية عبر الموبايل فائزة من الأزمة
عندما دخلت لاغوس في حالة إغلاق الشهر الماضي، أغلقت البنوك في مركز نيجيريا المالي النشط أبوابها. لكنّ كثيراً من مقدمي الخدمات المالية بطريقة غير رسمية، وهي تجارة مهمة للمجتمعات الفقيرة في المدينة، استمروا في عملهم مستخدمين تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول، مساعدين العملاء في تحويل الأموال ودفع الفواتير.
وقال تايو أوفيسو، المدير التنفيذي لشركة “Paga”، وهي شركة نيجيرية للخدمات المالية، لصحيفة The Washington Post الأمريكية: “نحن بلدٌ يعيش فيه الناس اليوم بيومه وبالكاد لديهم مدخرات”. وقدر أوفيسو أنَّ 75% من وكلاء “Paga” النشطين في مارس/آذار الماضي عملوا أثناء حالة الإغلاق التي استمرت خمسة أسابيع وانتهت في 4 مايو/أيار الجاري.
في الدول النامية، لم يعد الناس بحاجة لحسابات بنكية لتبادل الأموال، وأثبت أزمة كورونا أن الخدمات المالية عبر تطبيقات الموبايل المستقلة حققت نتائج مذهلة خلال الأزمة، وستحقق صعوداً كبيراً خلال الفترة المقبلة. فكيف ذلك؟
الخدمات المالية عبر الهاتف ستتصاعد
في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، تزداد شعبية الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول مثل Apple Pay، وGoogle Pay، وPayPal إضافة إلى Venmo وهي خدمة للدفع عبر الهاتف تابعة لشركة PayPal، عن طريق تقديم خدمة محافظ الهاتف المحمول التي تسمح للمستخدمين بتحويل الأموال رقمياً. بدأ نموذج مشابه في بلدان نامية، على الأخص في إفريقيا، مستهدفاً الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى النظام المصرفي والمالي أو من لديهم وصول محدود إليه. قال خبراء وعاملون بتلك الصناعة إن الجائحة ستزيد على الأرجح من صعود هذا الاتجاه.
وصف أوفيسو خدمة “Paga” بأنها “بمثابة PayPal للأسواق الناشئة”، ولديها 15 مليون مستخدم في نيجيريا، ممن لا يحتاجون حسابات بنكية لاستخدام الخدمة. عادة ما يجمع الوكلاء النقود من الناس ثم يضيفونها في صورة رصيد إلى حسابات متصلة بالهواتف المحمولة.
مع انتشار فيروس كورونا، تسعى الأعمال التجارية والحكومات، التي تكافح تحت وطأة الجائحة، إلى الحد من تبادل النقود، وهو ما حذرت منظمة الصحة العالمية من أنه قد ينقل الفيروس. برزت الخدمات المالية عبر الهاتف كبديل لتبادل النقود.
قالت شركات وخبراء الصناعة لصحيفة The Washington Post إنهم يشهدون ارتفاعات في عدد مستخدمي الخدمات المالية عبر الهاتف في أنحاء العالم منذ ستة أسابيع، حتى مع انخفاض إجمالي قيمة المعاملات وسط الضائقة الاقتصادية. خففت أكثر من 12 دولة القيود على التحويلات الخاصة، على سبيل المثال عن طريق تخفيض الرسوم ورفع سقف التحويلات اليومية، ولجأ البعض إلى الخدمات المالية عبر الهاتف لتحويل أموال الطوارئ.
كان التراجع الاقتصادي قاسياً بالفعل. حذرت منظمة العمل الدولية من أن نحو 1.6 مليار شخص يعملون في اقتصادات غير رسمية عُرضة لخطر فقدان مصدر عيشهم نتيجة للجائحة.
طفرة هائلة
على الرغم من جائحة فيروس كورونا وحالات الإغلاق، تنمو صناعة الخدمات المالية عبر الهاتف. على مدار الشهرين الماضيين، ضاعفت “Paga” إلى نحو 14 ألفاً عدد الأعمال التجارية مثل المطاعم والمتاجر، التي تقبل تلقي المدفوعات عبر المنصة، وفقاً لأوفيسو. وتقول الشركة إنها شهدت أيضاً زيادة ربع سنوية بأكثر من 200% في عدد المستخدمين.
وشهدت خدمة “Orange Money”، التي تقدمها شركة الاتصالات الفرنسية Orange في 17 دولة، زيادة تصل إلى 20% في معاملات الحسابات التجارية في أنحاء العالم منذ الأسبوع الأخير في شهر مارس/آذار، وفقاً لسدريك لومير، أحد المسؤولين التنفيذيين في قسم الشرق الأوسط وإفريقيا بالشركة. وبغض النظر عن زيادة المستخدمين، انخفضت التعاملات على المستوى العالمي بنحو 10%، وهو الأمر الذي يرجعه لومير إلى الضغوط الاقتصادية بسبب جائحة كورونا، مشيراً إلى أن خدمة “Orange Money” شهدت خلال ثلاثة أيام من الإغلاق في سيراليون انخفاضاً في المعاملات بنسبة 90%.
وهذا الاتجاه ليس محصوراً بدول العالم النامي، إذ قال دان شولمان، المدير التنفيذي لخدمة PayPal، المتوفرة في أكثر من 200 دولة ومنطقة، لمجلة Fortune، إن الجائحة منحت شركته “طفرة هائلة”.
تدخل الحكومات
اتخذت أكثر من 12 دولة خطوات لزيادة استخدام الخدمات المالية عبر الهاتف أثناء الجائحة. كانت كينيا أولى تلك الدول. في منتصف شهر مارس/آذار، خفضت شركة “Safaricom”، وهي أكبر شركة اتصالات في البلد، وتدير خدمة “M-Pesa” الشهيرة، الرسوم على كل المعاملات بين الأشخاص التي تقل عن ألف شلن كيني (10 دولارات)، ورفعت السقف اليومي لمعاملات الأعمال التجارية صغيرة ومتوسطة الحجم.
في باكستان، حيث تظل محافظ الهاتف المحمول محدودة، خفضت الحكومة في منتصف مارس/آذار كل رسوم الخدمات المصرفية عبر الإنترنت للترويج إلى المعاملات الرقمية أثناء الجائحة. أما غانا فقد اتخذت خطوة إضافية.
ويُعتبر إنشاء محفظة على الهاتف المحمول أمراً سهلاً نظرياً؛ فكل ما يحتاجه المستخدم هو هاتف وبعض المال وبطاقة وحدة تعريف المشترك (SIM). وللحصول على الأخيرة تطلب الحكومات عادة مستنداً رسمياً لتحديد الهوية. وتهدف هذه القواعد التنظيمية إلى منع الجرائم المالية ومنح الدولة رؤية عما يحدث، لكنها تمثل عوائق لمجموعات سكنية هم على الأرجح فقراء والأقل ترجيحاً أنهم لا يملكون هذه الوثائق، مثل المهاجرين، واللاجئين، والنساء وقاطني المناطق الريفية. لذا ففي منتصف مارس/آذار، غَيّر المصرف المركزي في غانا المعايير للسماح لأي مشترك في خدمة اتصالات الهاتف المحمول بإنشاء محفظة هاتف محمول وتحويل ما يصل إلى 170 دولاراً يومياً.
قيود أمام الأسواق الجديدة
تقدم منصات الخدمات المالية عبر الهاتف خدمةً العالم في أمسّ الحاجة إليها، لكنها ليست حلاً سريعاً للهياكل المؤسسية، التي عصف بها فيروس كورونا، ما يترك الناس الأفقر والأضعف فقراء.
قال ألفريد هانيغ، المدير التنفيذي لمؤسسة “Alliance for Financial Inclusion”، وهي مؤسسة بحثية مقرها في ماليزيا: “هؤلاء الذين جرى التخلي عنهم (مالياً) قبل الأزمة” مثل النساء واللاجئين والمهاجرين “تلقوا الآن ضربة أقوى”.
يحتاج الاشتراك في أسواق الخدمات المالية عبر الهاتف اتصالاً دائماً بالإنترنت وتدفقاً ثابتاً للنقد. وهناك أيضاً عوائق ثقافية. ففي باكستان المحافظة، على سبيل المثال، أغلب وكلاء الخدمات المالية عبر الهاتف هم رجال، ما يعني أنه سيكون من الصعب على النساء الوحيدات التعامل معهم، وفقاً لهانيغ.
وبغضّ النظر عن العوائق الحالية، قال أوفيسو من “Paga” إن الخدمات المالية عبر الهاتف ستخرج من الجائحة على الأرجح أقوى مما كانت عليه قبلها. وأضاف: “أحد الاتجاهات التي ستنتج عن هذا هو تحرك العالم صوب نظام مالي أكثر اعتماداً على الإنترنت”.