أخبار الهجرة و اللجوء حول العالم

كيف يمكن لآلاف الأطباء السوريين في ألمانيا إنقاذ قطاع الصحة في بلادهم؟

أثار تحرير سوريا من حكم آل الأسد -بعد أكثر من 54 عاما، مخاوف جدية في ألمانيا بشأن تأثير مغادرة الأطباء السوريين على قطاع الصحة، الذي يعاني من نقص حاد في العاملين.

ويبلغ عدد الأطباء السوريين المشتغلين في المستشفيات الألمانية، بين 10 ـ 15 ألف طبيب، حسب رئيس جمعية الأطباء والصيادلة السوريين في ألمانيا فيصل شحادة، في حين يدل الرقم المتداول “6121 طبيبا” على عدد الأطباء السوريين غير المجنسين والمحتفظين إلى اليوم بالجنسية السورية فقط، حسب الأرقام الرسمية للجهات الألمانية، وفق “مهاجر نيوز”.

التواصل بين الحكومتين السورية والألمانية

وصل محمد اليوسف عام 2016 إلى فرانكفورت وسط ألمانيا، وكان يعمل في سوريا فني أشعة ورنين مغناطيسي في مركز النجمة الشعاعي بدمشق في حي القصور، وأتيحت له الفرصة للعمل في شركة Examion GmbH Humanmedizin المتخصصة بصناعة كل ما يتعلق بأجهزة الأشعة بمختلف أنواعها والرائدة في ألمانيا والعالم بهذا المجال.

يقول محمد لموقع تلفزيون سوريا: “من المعايير المتبعة في المشافي الألمانية أنها تستبدل أجهزة التصوير مع إصدار النسخ الأحدث من الأجهزة والتي تراعي تخفيف الآثار الجانبية الناتجة عن الأجهزة وبالتالي يتم تنسيق الأجهزة التي تعتبر نظريا قديمة إلا أنها مقارنة بالأجهزة المستخدمة في سوريا تعتبر حديثا حيث إن أجهزة التصوير الشعاعي في سوريا عمرها يبلغ نحو 30 سنة في حين أن الأجهزة الألمانية يتم تنسيقها ولم يمض عليها ثلاث إلى أربع سنوات في الخدمة”.

ولفت محمد إلى أن دور وزارة الصحة في حكومة تصريف الأعمال السورية الاستفادة من الدور الإيجابي الذي تبديه الحكومة الألمانية تجاهها والتواصل مع نظيرتها الألمانية للحصول على أجهزة الأشعة التي يتم تنسيقها لأنها صالحة للخدمة لسنوات طويلة وهي بجودة ممتازة.

وأكد محمد بأنه هو وعدد من زملائه السوريين في الشركة على استعداد للسفر إلى سوريا وتدريب زملائهم السابقين في سوريا على تشغيل الأجهزة الألمانية.

كما يعمل باسم الحمود مع محمد في نفس المركز لكن خبرته الميدانية في سوريا مختلفة حيث عمل في إدلب حتى مطلع 2021، وينبّه إلى خطورة فتح باب تلقي الأجهزة الطبية المستعملة من دون معايير صارمة، حيث تحولت إدلب إلى مركز للأجهزة الطبية المعطلة لكثرة الأجهزة التي تم جلبها من دون التأكد من صلاحيتها للعمل.

وأضاف الفني الحمود بأن المعايير هنا في ألمانيا أفضل من مثيلاتها في الدول الأوروبية من حيث التعامل مع الأجهزة الطبية حيث بالإمكان الاعتماد على أجهزة طبية تم الاستغناء عنها رغم أنها لم تخرج من الخدمة ريثما يتعافى الوضع الاقتصادي في سوريا وتتمكن من بناء نظام صحي متكامل بالتعاون مع أفضل شركات تصنيع الأجهزة الطبية عالميا.

الأطباء السوريون في ألمانيا

الدكتور قيس أبو زيد وصل إلى ألمانيا عام 2015 وحصل على اعتراف بشهادة الطب العام ومن ثم اختص هنا كطبيب أسرة ويعمل في مدينة كوتبوس شرقي ألمانيا في ولاية براندنبورغ، لكنه يفكر بالعودة إلى سوريا لأن عيادته مغلقة حتى اليوم في غباغب في درعا.

وقال أبو زيد لموقع تلفزيون سوريا “منذ اليوم الأول لفرار الأسد بدأت أرتب أموري للعودة إلى سوريا، ولكن كخطوة أولية بدأت بالتواصل مع زملاء من داخل سوريا لدراسة فرص تقديم الدعم العاجل لهم خلال المرحلة الراهنة ريثما أتمكن من العودة والالتحاق بهم للعمل ضمن المنظومة الصحية”.

وأشار أبو زيد إلى أنه وبالتعاون مع عدد من الأطباء السوريين الموجودين في ألمانيا وسوريا بدأوا تنظيم ورشات تدريبية للخريجين الجديد والذين لم يلتحقوا بالاختصاص، وهذا سيسهل تبادل المعرفة الطبية في الاتجاهين، ريثما يتم تنظيم ندوات ومؤتمرات علمية طبية بالتعاون مع جمعيات طبية ألمانية يتم تقديمها في سوريا.

ويوم الأربعاء 15 من كانون الثاني زار وفد ألماني برئاسة وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، مستشفى “المجتهد” في دمشق لدراسة سبل دعم القطاع الصحي.

ووفقاً لوسائل إعلام ألمانية، فقد التقت الوزيرة ممثلي الإدارة السورية الجديدة، ومنهم وزير الخارجية، أسعد الشيباني، ووزير الصحة، ماهر الشرع، وقدمت وعودًا بالمساعدة في إعادة بناء النظام الصحي، مشددة في الوقت نفسه على أنه لا ينبغي فهم ذلك على أنه دعم سياسي، فقد أعلنت الوزيرة عن إنشاء شراكات سريرية بين المستشفيات الألمانية والسورية.

ولفتت الوزيرة إلى أن 5800 طبيب يحملون جوازات سفر سورية يعملون في ألمانيا، وأكثر من 2000 من أفراد طاقم التمريض، وكجزء من الشراكات سيسافر أطباء من ألمانيا إلى سوريا لإجراء تدريب طبي فيها، مع إمكانية إجراء التدريب للأطباء السوريين في ألمانيا، وفق برنامج عمل موجود في 52 دولة.

وبيّنت شولتسه أن هناك تحديات هائلة في النظام الصحي السوري، فخلال حكم “الدكتاتور السوري بشار الأسد” تم قصف العديد من المستشفيات وأكثر من ثلثها لم يعد يعمل، كما فرّ أكثر من نصف العاملين في القطاع الصحي من البلاد.

وشددت الوزيرة على أنه من الخطأ عدم القيام بشيء لدعم سوريا في بداية سلمية جديدة، مشددة في الوقت نفسه على أن جميع المشاريع التي اختارتها ألمانيا لن يتم تنفيذها مع حكام الأمر الواقع في سوريا، بل عبر منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، معتبرة أن البداية الجديدة في سوريا لن تنجح ما لم يتمكن الناس من إطعام أنفسهم وذهاب أطفالهم إلى المدرسة ووجود رعاية صحية.

الجدير بالذكر أن حكومة تصريف الأعمال تحاول تحسين الخدمة الصحية في البلاد، التي هاجر منها في الحقبة السابقة الآلاف من الكوادر الطبية إلى الخارج بحثًا عن الأمان وحياة أفضل.

وقبل أيام قالت متحدثة منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، إن هناك حاليًا أكثر من 15 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية في سوريا، من بينهم ملايين السوريين النازحين داخليًا، حيث تعرضت معظم المرافق الصحية لأضرار، وتجاوزت قدرتها على استقبال المرضى، أو ببساطة تعاني من نقص التمويل.

وذكرت هاريس أن المنظمة العالمية وسعت قدرة المستشفيات العاملة بسبب العدد الكبير من المصابين الذين يحتاجون إلى الرعاية، وتابعت: “نحاول توفير الرعاية الصحية في الأماكن التي يرتفع فيها عدد النازحين، ونرسل فرقًا طبية إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها.

ولفتت إلى وجود فجوة كبيرة في التمويل، والحاجة إلى شراء كميات كبيرة من المعدات والمواد الطبية، وذكّرت بأن نظام الرعاية الصحية بسوريا تدهور منذ مدة طويلة، وأن العديد من مرافق الرعاية الصحية تعمل دون المستوى.

وأشارت متحدثة المنظمة إلى عدم وجود حلول سريعة في سوريا، مردفة بأن العديد من السوريين سيعودون إلى بلادهم بخبرات، مشددة على أن عودة النظام الصحي إلى حالته السابقة تعتمد على حسن النية والتصميم.

في دراسة أجراها خلال الشهر الماضي المعهد الاقتصادي الألماني تبين بأن نحو 80 ألفاً من السوريين يعملون في قطاعات تشهد نقصاً في اليد العاملة، بينهم أكثر من أربعة آلاف فني في مجال الميكانيكا الإلكترونية يعملون في مجال صناعة السيارات، ونحو 2470 طبيباً ومتخصصاً في مجال صحة الأسنان، و2260 عاملاً في مجال رعاية الأطفال، و2160 عاملاً في مجال الرعاية الطبية، كما كشفت الدراسة عن وجود أكثر من خمسة آلاف طبيب سوري يعملون بدوام كامل في ألمانيا، ولهذا فإن عودتهم إلى سوريا قد تتسبب بنقص حاد في مجال الخدمات الطبية.

زر الذهاب إلى الأعلى