لعبة التصعيد الخطرة.. بريطانيا وأميركا وألمانيا ترسل طائرات وصواريخ.. والناتو يستعد لتحركات روسيا
تريد روسيا تشتيت الأنظار عن مشاكلها الداخلية وفرض نفسها قوة عالمية كبرى. تحركات الناتو تساعدها أكثر فأكثر لتحقيق ذلك.
نشهد هذه الأيام أكبر تعبئة عسكرية للناتو أمام الحدود الروسية منذ الحرب الباردة. فبريطانيا سترسل العام المقبل طائرات مقاتلة إلى رومانيا، فيما الولايات المتحدة ستبعث بجنودها ودباباتها وقاذفات صواريخها إلى بولندا، وأما ألمانيا وكندا وغيرها من دول الناتو فتعهدت هي الأخرى بإرسال قواتها، وذلك في اجتماع لوزراء دفاع ورؤساء أركان هذه الدول في بروكسل الأربعاء 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان.
تأتي الخطوة بعد انشغال روسيا فترةً بنشر عتادها الثقيل واستعراضه، ففي وقت سابق من هذا الشهر قالت موسكو إنها ستنشر صواريخ ذات قدرات نووية في مدينة كالينينغراد، المنطقة الروسية المحاطة ببحر البلطيق وبولندا وليتوانيا. وفي هذا الأسبوع تسللت سفينتان حربيتان روسيتان محملتان بصواريخ كروز إلى بحر البلطيق.
حاملة الطائرات الروسية تتجه نحو سوريا
في هذه الأثناء تتابع حاملة الطائرات الروسية الثقيلة الأميرال كوزنيتسوف تقدمها، وتمخر عباب البحر عبر القناة متجهة نحو سوريا. وقالت إسبانيا إن موسكو سحبت طلباً لإعادة تزويد ساحل إسبانيا الإفريقي الشمالي بالوقود، وسط شكوك غربية بأن الأسطول الروسي سوف يدمر حلب فوق رؤوس ساكنيها.
الظاهر -حسب مقال لـ”الغارديان” البريطانية في 27 أكتوبر/تشرين الأول2016- أن هدف الناتو هنا هو ردع أي أعمال عدوانية مستقبلاً على الأراضي الأوروبية. فبعد فترة الخمول التي تباطأت فيها استجابات الناتو، الذي بدا ضعيف الهمة تنقصه الشكيمة، يستجمع الناتو نفسه الآن ليوجه رسالة صارمة، وكما قال وزير الدفاع الأميركي آش كارتر هذا الأسبوع: إن كل تحركات الانتشار هذه هدفها الردع.
الناتو يريد إظهار أنه مستعد
وعلى وجه التحديد فإن رغبة الناتو هي أن يظهر لموسكو أنه مستعد للدفاع عن دول البلطيق المهددة بالحرب: إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
قوات بريطانية إلى حدود روسيا
في شهر مايو/أيار المقبل سوف ترسل بريطانيا كتيبة قوامها أكثر من 800 جندي إلى إستونيا، مدعومة كذلك بالقوات الفرنسية والدنماركية. وبحلول الصيف القادم سيكون عدد جنود الناتو المتمركزين أمام حدود روسيا الغربية حوالي 4000 جندي في وجه 330 ألفاً من الجنود الروس في موسكو.
وليس أي من هذا دليلاً على أن أوروبا مقبلة على معركة وشيكة بين الشرق والغرب، ولا حتى مثلما قال ترامب وبعض المعلقين في تلميح ينبئ بنهاية العالم، إن كل الدول تستعد الآن لدخول حرب عالمية ثالثة. لكن الأمر ليس كذلك، حتى إن بوتين نفسه قال نفس الشيء في مؤتمر عُقد بسوتشي الخميس، حينما تحدث إلى مجموعة خبراء غربيين قائلاً إن “من الغباء وغير الواقعية” الظن أن روسيا قد تهاجم أحداً ما في أوروبا.
معنى الكلام إذاً أنه رغم كل أجواء الحرب الباردة التي نشهدها فإن الاحتمال ضئيل جداً بأن تجتاح الدبابات الروسية الحدود وتتوغل نحو بحر البلطيق في أي وقت قريب.
هذا ما تسعى له روسيا
الحقيقة والواقع أن تلويح روسيا الأخير بسلاحها وعتادها واستعراضها لقوتها ما هو إلا جزء من استراتيجية هجينة يطبقها الكرملين. فخارجياً تهدف روسيا إلى تصوير قوتها العسكرية الروسية وتقديمها بمظهر مهيب يخيف الأعداء، فمنذ تولِّي بوتين رئاسة البلاد عام 2000 وهو عازم على إعادة الهيبة لموسكو والبريق لقوتها العظمى، كي تكون نداً منافساً عالمياً لـ”الهيمنة” الأميركية.
ما يريده بوتين هو إظهار أنه لا يمكن حل أي مشكلة عالمية من دون أخذ مشورة الكرملين ووضع رأيه بعين الاعتبار. والأمر ينطبق على الشرق الأوسط وعلى سوريا، التي شنَّت روسيا على أرضها أكبر عملية عسكرية لها خارج حدودها، منذ عهد الشيوعية في الاتحاد السوفييتي السابق.
والأمر كذلك ينطبق على أوكرانيا، تلك الدولة الجارة التي احتلها بوتين بشكل سافر عام 2014 وضم إقليمها المسمى “القرم” إلى أراضيه الروسية. وبعيداً كل البعد عن مزاعمه بأنه لا يعتدي على أحد في أوروبا، فإن 10 آلاف شخص هلكوا شرقي أوكرانيا، في تلك الحرب التي أشعل الكرملين فتيلها، وظل يدير رحاها دون توقف.
هذا ما يروِّج له التلفزيون الروسي
للجيش الروسي وقواته المسلحة دور رئيسي، لكن دور التلفزيون كذلك مهم جداً، ففي روسيا تروج القنوات الرسمية الروسية لإمكانية الدخول في حرب نووية مع واشنطن (فرغم أن الجيش الروسي أضعف وأقل شأناً مقارنة بالأميركي، فإن أسلحته النووية توازي تلك التي بحوزة الجيش الأميركي) والعديد من الروس يشفقون الآن من أن بلادهم تعيش حالة حرب، أو أنها مقبلة على دخول حرب شرسة ضد الغرب.
وطبعاً، كل طبول الحرب هذه وخطاباتها الرنانة ما هي إلا وسيلة للتحايل ولفت الأنظار بعيداً عن مشكلات روسيا المحلية والعويصة، التي لا تعد ولا تحصى، من تدهور الاقتصاد والعقوبات الغربية إلى الغش والتلاعب في الانتخابات البرلمانية الروسية والفساد المستشري الذي نخر الدولة من رأسها، بقيادة بوتين نفسه وأعوانه الأثرياء بالمليارات. بالفعل إن دعاية بوتين الإعلامية هذه قد نجحت نجاحاً واسعاً في الداخل الروسي.
الناتو عدائي من وجهة نظر بوتين
يرى الرئيس الروسي في الناتو تحالفاً عدائياً لا حد لعداوته، لكن المفارقة الكبرى هي أن حركات الانتشار العسكرية الأخيرة التي ينفذها الناتو في شرق أوروبا تصب الزيت على النار، لأنها تؤكد رواية بوتين وتلفزيونه الرسمي، وتمنحها المصداقية في عقول الروس الذين استمعوا لتلك الأقاصيص والدعايات فترة طويلة، فيصدقون الآن أن الغرب فعلاً عازمٌ وعاقد النيةَ على “تطويق” روسيا وإركاعها جاثية على ركبتيها.
الخطر الآن ليس من صراع عسكري مفتوح، بل من كثافة أعداد الجنود المنتشرين واستمرار الطائرات الروسية المقاتلة بالتحليق فوق سفن ناقلات الطائرات الأميركية وغيرها، بسرعة تهتز لها الأخيرة، كل هذا سيزيد الخطر من احتمال وقوع حادث أو اصطدام ما. ففي سبتمبر/أيلول الماضي توصل تحقيق هولندي إلى نتيجة أن صاروخ Buk مهرباً عبر الحدود الروسية هو الذي كان قد أصاب الرحلة MH17 الماليزية، المتوجهة من أمستردام إلى كوالالمبور عام 2014، وأسقطها متسبباً بمقتل 298 شخصاً.
لقد كان الناتو يسير على غير نهج طيلة فترة التسعينيات الماضية، في السنوات الأخيرة أعوزته الأموال والنقود، وسط تشكّي الولايات المتحدة مراراً وتكراراً من أن العديد من الدول الأعضاء تكابر وتمتنع عن دفع ثمن هذا الأمن الأوروبي التعاوني المشترك. أما الآن فقد بات لدى الناتو هدف وغاية لا ندري أشرٌّ هو أم خيرٌ له، ألا وهو وضع حدٍّ لتهديدات الكرملين المتصاعدة التي لا يؤمَن جانبها.
هافينغتون بوست عربي