لماذا الحديث عن محاولة انقلابية جديدة في تركيا؟

تقرير شركة “راند” الأميركية المقربة من البنتاغون حول احتمال حدوث محاولة انقلابية جديدة في تركيا فجر نقاشات سياسية واسعة في البلاد.

 

محاولة “الكيان الموازي” التابع لجماعة فتح الله غولان المتهم الأول بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 من تموز 2016 كانت مختلفة عن العديد من المحاولات الانقلابية السابقة التي عاشتها تركيا. الحديث عن هذه المحاولة الجديدة هدفه إعادة الأمور إلى مسارها الكلاسيكي المعروف في تاريخ الانقلابات وخصائصه المعروفة بتحركات لمجموعات أتاتوركية متشددة نسقت مع بعض العواصم والأجهزة الغربية لتنفيذ خطط من هذا النوع تحت شعار حماية المسار الديمقراطي العلماني وإبقاء البلاد فوق مدارها المعروف الذي وضع كمال أتاتورك أسسه قبل مئة عام.

هل تتحمل تركيا المنشغلة بالعثور على بقايا الانقلابيين وتطهيرهم محاولة

 

جديدة بعد أقل من 4 سنوات على الإساءة التي ألحقتها عصابات كانت تتاجر باسم الدين والقومية والوطنية داخل تركيا وخارجها وتحظى بدعم وتشجيع شرائح واسعة في الشارع التركي خدعتهم لعقود وهي تجهز نفسها لتسلم السلطة والقيادة؟

نقاشات الداخل التركي حول الكشف عن “الجناح السياسي” في المحاولة الانقلابية الفاشلة تتسبب بتسخين الأجواء مجددا بين الحكم والمعارضة وتحرك الرماد تحت ملفات لم تخمد نارها طالما أن كبار وأهم قيادات الانقلاب نجحت في الفرار إلى الخارج وطالما هي تحظى بدعم العديد من العواصم الغربية والعربية توفر لها الحصانة والحماية والتمويل لمواصلة استهداف بلادهم. لكن المشكلة الأكبر اليوم وكما يرى البعض هي توجيه الأصابع نحو مجموعات أخرى تريد التحرك تحت شعار “الوصاية العسكرية” التي ما زالت تعشش رغم كل التغييرات والإصلاحات وإعادة بنية المؤسسة العسكرية في تركيا، ومجموعات سياسية ومراكز قوى فقدت نفوذها ودورها وتسعى لاسترداده رغم كل الضربات التي تلقتها.

قناعتنا هي استحالة وقوع تركيا في مصيدة من هذا النوع بعد تجربة 15 من تموز المريرة ودروسها وعبرها وبعد كل الحراك والتغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني والمشاريع الاستراتيجية العملاقة وشبكات التحالف الإقليمي التي رسمت في السنوات الأخيرة، لكن هناك دعوات توجه للسلطة السياسية في الإسراع باتخاذ التدابير كي لا تقع في مشكلة التردد والتأخر كما حدث في السابق حيث ظلت القيادات ترفض التشكيك والطعن في هذه المجموعات التي ارتدت ثوب الخدمة والدين حتى اللحظة الأخيرة وظلت تضعها خارج الشبهات باسم الأخوة والشراكة والولاء لتركيا في الداخل والخارج فاكتشفنا أنها مجموعات قياداتها خونة وديناميتها تجار وأصحاب مصالح وقواعدها جماهير تم خداعها باسم الدين والخدمات الاجتماعية.

التحذير هذه المرة من قبل كتاب محسوبين على الحكم أن تقاطع مصالح البعض وهدف تصفية الحسابات مع تركيا وانزعاجهم من صعودها في الداخل والخارج وبعثرتها لعش الدبابير في أكثر من مكان من المنطقة، قد يوحد هذه القوى ويحرك مجددا مجموعات داخل المؤسسات التركية النافذة لإعادة البلاد إلى “بيت الطاعة”.

هناك أيضا من يتفق مع سيناريو تحرك العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية والإقليمية في الداخل التركي لإشعال فتنة ما لكنه لا يتفق مع سيناريو التحضير لمحاولة انقلابية بل بهدف زعزعة الأمن والاستقرار ومحاولة تفجير عصيان جديد في مناطق جنوب شرق تركيا حيث الغالبية الكردية بعدما فشلت هذه المحاولة قبل سنوات. قناعة ثالثة تردد أن الهدف الأول هو دعم حركات العصيان والتمرد الشعبي السياسي والاقتصادي وبعدها تنفيذ المحاولة الانقلابية عبر بعض المجموعات العسكرية.

الحديث عن سيناريوهات الانقلابات يتراجع أحيانا ويبرز أحياناً أخرى في تركيا. مفاجأة 15 من تموز لم تكن في الحسبان وجاءت مكلفة وموجعة لذلك يدعو البعض للحذر والتعامل مع تحليلات واستنتاجات غربية من هذا النوع بجدية وجاهزية. اللافت هنا هو “النصائح” التي يقدمها بعض الخبراء الروس حول التنبه لمشاريع استهداف الداخل التركي خصوصا بعد التقارب بين أنقرة وموسكو في الأعوام الثلاثة الأخيرة. تركيا واجهت النفوذ الروسي لقرون في البحر الأسود والقوقاز والقرم والتحقت بالتكتلات الغربية السياسية والعسكرية للدفاع عن نفسها في مواجهة الاتحاد السوفياتي، لكن أصواتا روسية تحذرها من المؤامرت التي تحاك ضدها. الكرملين إلى جانبنا كي يأخذ ما يريده هو الآخر على ما يبدو. أردوغان حاول أن يستعير الشعار العربي التاريخي “لا شرقية ولا غربية” لكنه لم يكشف النقاب تماما عن الجزء الآخر منه وبأي اتجاه ستتقدم الخيارات الاستراتيجية التركية. التنافس اليوم هو بين من يريد كسب تركيا إلى جانبه وهي قوية صاعدة وبين من يريد ضبط حركة الإيقاع فيها بعد إرباكها وإضعافها داخليا وخارجيا كما يبدو أيضا.

كتاب إسلاميون من الطراز الأول مثل فهمي قورو وعبد الرحمن ديلي باك ويوسف قبلان يرددون أنهم يقومون بواجبهم التحذيري حيث لن ينفع الندم المتأخر.

كيف سترد القيادات السياسية على كل هذه المزاعم والسيناريوهات وهي التي تتجنب التعليق عليها والدخول في نقاش من هذا النوع قد يساهم في زرع البلبلة ويخدم أهداف تضييق الخناق على انطلاقتها الإقليمية، وهي التي تتحدث يوميا عن إفشالها مخططات استهداف الأمن القومي التركي وتقول إنها نجحت في الأعوام الأخيرة في تطهير عشرات المؤسسات من كوادر الكيان الموازي وفلوله؟

أحزاب تركية جديدة في الطريق إلى الولادة يقال إن بعضها تدعمه مؤسسات وقوى نافذة. خرائط وتحالفات سياسية/ حزبية مرتقبة يجري الحديث عنها. استطلاعات رأي تنشر يوميا حول إعادة تموضع الرأي العام التركي وخياراته. تقارير خارجية ممولة من قبل أجهزة استخبارات عالمية “تفند” أسباب فشل اختبار النظام الرئاسي في تركيا. مؤسسات إعلامية خارجية تمولها دول وحكومات وشركات نافذة تزيد من نشاطاتها “الخدماتية” الإخبارية والتوجيهية في تركيا في الأعوام الأخيرة. ترتيب وإعادة تركيب هذه المكعبات لا بد أن يقلق البعض في نهاية الأمر ويدفعه للاستعداد للرد السريع والعاجل أمام مخاطر من هذا النوع.

 

د.سمير صالحة – تلفزيون سوريا

Exit mobile version