ماذا يعني انتعاش “صافي احتياطيات” البنك المركزي التركي؟ (خبراء)
يشير خبراء اقتصاديون إلى أهمية الانتعاش الذي حققه البنك المركزي التركي في صافي الاحتياطيات باستثناء المقايضات، حيث خرجت من السالب إلى نطاق الإيجاب.
وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن احتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي زادت في العام الأخير نحو 44 مليار دولار، ليتجاوز الإجمالي حاجز 142 مليار دولار، لكن وفي ذات الوقت أشار خبراء اقتصاد إلى وصول “الصافي” لنقطة “الصفر”، لأول مرة منذ مارس 2020.
ووفقا لتقرير نشره موقع “الحرة”، يوضح خبراء في مجال الاقتصاد أن الرقم الذي يعلنه الرئيس التركي وكذلك محافظ البنك المركزي، يتضمن “إجمالي” الاحتياطات ككل، وليس “الصافي” منها، وهو ما لا يتم الإعلان عنها رسميا.
ومع ذلك، ورغم وصول “الصافي” إلى نقطة الصفر، فإن ذلك يعتبر إيجابيا، لاسيما عند النظر إلى مسار “السالب” الذي كان سائدا خلال الأشهر الماضية، كما يقول الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، للموقع.
ومنذ سنوات، طالما كان حجم العملة الأجنبية المتبقية في احتياطات “المركزي التركي” محل نقاش وجدل، ولأكثر من مرة صدّرت أحزاب المعارضة هذه القضية على جدول الأعمال الداخلي للبلاد.
وفي حين كانت تطالب تلك الأحزاب، وعلى رأسها “الشعب الجمهوري”، الحكومة التركية بالكشف عن مصير الاحتياطات المقدرة في عام 2018 بـ 128 مليار دولار، كانت تشير إلى السياسية الاقتصادية الأخيرة من زاوية “الآثار الكارثية” التي خلفتها على صعيد الاقتصاد وعملة البلاد.
وبعدما فاز إردوغان بانتخابات الرئاسة في مايو 2023، عيّن فريقا اقتصاديا جديدا يقوده بشكل أساسي نائبه، جودت يلماز، ووزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك.
واتبع هذان الشخصان بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي، سياسة خالفت كل ما سار به الرئيس التركي خلال أكثر من عامين. ويقولون الآن إن هدفهم يتركز على خفض معدلات التضخم لفئة الآحاد.
ومع أن المعدلات وصلت عن شهر مايو الماضي إلى حد 75 بالمئة، أوضح شيمشك في تصريحات له قبل يومين، أن مسار التضخم سينخفض بدءا من الشهر المقبل، وأن الآثار سيتم التماسها على أكثر من صعيد.
وأكد على ما قاله إردوغان بأن إجمالي احتياطات البنك المركزي تجاوز 142 مليار دولار، وأشار بشكل مقتضب من جانب آخر إلى أن “الصافي” وباستثناء المقايضة أصبح “إيجابيا”، مما سلط خبراء الاقتصاد الضوء عليه.
صافي وإجمالي.. بين حسبتين
وانخفض صافي الاحتياطيات، باستثناء المقايضات، بسرعة قبل الانتخابات المحلية في نهاية مارس الماضي، ووصل إلى أدنى مستوى تاريخي عند ناقص 65.5 مليار دولار.
وبعد الانتهاء من الانتخابات، بدأ “المركزي التركي” في بناء احتياطي سريع.
وبالتدريج، لوحظ انتعاش في صافي الاحتياطيات باستثناء المقايضات، حتى خرجت من السالب إلى نطاق الإيجاب، كما تحدث شيمشك والخبراء الاقتصاديون.
ويشرح الباحث الناظر لموقع “الحرة”، أن “إجمالي الاحتياطي” يشمل كل أموال البنك المركزي، من أموال البنوك الأخرى والودائع التي تضعها الدول، ومبادلات أسعار الفائدة المعروفة باسم “سواب”.
أما “صافي الاحتياطات” فيتم الوصول إليها بعد طرح كل ما تم ذكره سابقا، وفق حديثه.
ويقول إن صافي الاحتياطات هو “النقد الذي يكون تحت يد المركزي التركي مباشرة، وليس ودائع الدول أو أموال الدول الأخرى، ولا يضم كذلك “سواب”.
ولا يعتبر “الإجمالي” ذو معنى على نحو كبير عند قياس مدى انعكاسات الاحتياطي على اقتصاد البلاد والحالة النقدية العامة.
ويضيف الناظر أنهم كخبراء اقتصاد يركزون على “صافي الاحتياطي”، لأنه يعكس مدى قدرة البنك المركزي على التحكم بأسواق الصرف بشكل عام، وضبط سعر صرف العملة الوطنية.
ماذا تعني محطة “الصفر”؟
وفي عرضه الثاني لتقرير التضخم لهذا العام، صرح رئيس البنك المركزي التركي، فاتح كاراهان، أن الاحتياطيات ستستمر في التجميع بطريقة “لا تضر بمكافحة التضخم”.
وأضاف وزير المالية التركي أن “أعلى مستوى للتضخم السنوي أصبح خلفنا”، و”نحن ندخل الآن فترة من الانخفاض الكبير والدائم في التضخم”.
كما أوضح أن “توقعات السوق للتضخم بعد 12 شهرا تبلغ 33.2 في المئة، وبعد 24 شهرا ستكون 21.3 في المئة”.
ويورد البنك المركزي التركي عبر موقعه الرسمي، أنه يحتفظ بالاحتياطات للأغراض التالية:
ضمان الثقة في السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف ودعم هذه السياسات.
الاحتفاظ بالعملة الأجنبية اللازمة لإتاحة مدفوعات الديون المحلية والخارجية بالعملة الأجنبية للخزانة.
جعل الاقتصاد مقاوما للتغيرات المالية المفاجئة التي قد تحدث في الداخل أو الخارج.
زيادة الثقة في الاقتصاد في الأسواق الدولية.
ويقول الناظر إن وصول صافي الاحتياطات إلى “الصفر” هو أمر إيجابي لليرة التركية، وعلى صعيد مؤشرات التخلف عن السداد للديون أيضا.
ويوضح أن المؤشرات المذكورة ستنخفض الآن، لأن احتياطي البنك من العملات أصبح أعلى من التزاماته، أو بمعنى آخر (أصوله أعلى من التزاماته).
لكنه في المقابل، يشير إلى أنه من المبكر ظهور الأثر الكامل، “خاصة أننا لسنا في وضع يقودنا إلى مستويات عام 2018 عندما وصل صافي الاحتياطي النقدي إلى 128 مليار دولار”.
ووفقا لحسابات مصرفيين نقلت عنهم وسائل إعلام تركية، اعتبارا من 29 مايو، بلغ صافي احتياطي البنك المركزي، باستثناء ودائع الخزانة والمقايضات -8 مليار دولار.
وعندما أضيفت ودائع الخزينة، انتقل صافي الاحتياطيات باستثناء المقايضات إلى الجانب الإيجابي بقيمة +0.9 مليار دولار.
ويشير الناظر إلى أن القيمة الإيجابية الآن تعتبر “خطوة أولى”، وأن الاستمرار بها يتطلب دخول دولار للبلد، موضحا أن رفع أسعار الفائدة خلال الأشهر الماضية “جذب أموالا ساخنة”.
ويتابع: “يجب أن تظل الفائدة مرتفعة لكي تدخل الأموال بشكل متواصل”، وأن يتزامن مع ذلك سلسلة خطوات لاحقة، مؤكدا أن “الفارق لا يزال كبيرا بالنظر إلى ما كان عليه الصافي في 2018”.
ما المتوقع على صعيد الليرة والتضخم؟
منذ تعيينهم على رأس الفريق الاقتصادي الجديد، سار شيمشك ويلماز بأكثر من طريق، من أجل تصحيح مسار الاقتصاد في البلاد.
وانعكس ذلك من خلال تصريحاتهم وجردة الأرقام التي بدأوا يعلنون عنها بشكل متواتر عبر حساباتهم الشخصية في منصة “إكس”.
وقال شيمشك قبل يومين، إن البرنامج الذي يمضون به “ناجح”، وإن التقدم الذي أحرزوه في أولويات سياستهم “يظهر أننا نسير على الطريق الصحيح”.
واستعرض سلسلة إجراءات يعملون عليها، بينها: الانضباط المالي واستقرار النمو والوصول إلى التمويل الخارجي وتراكم الاحتياطي والخروج من برنامج “الودائع المحمية” والتحوّل الهيكلي.
وأضاف: “برنامجنا يعمل، لكن لا يزال أمامنا طريق لنقطعه. ورغم أن خفض التضخم إلى خانة الآحاد أمر صعب، فإننا سنحققه من خلال تنفيذ برنامجنا بكل عزيمة. عازمون على تحقيق جميع أهدافنا”.
ويتوقع الناظر أن تبقى الليرة التركية مستقرة في سوق العملات حتى الخريف، وضمن نطاق 32 ليرة إلى 34 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد.
وبعد ذلك، على أثر خفض أسعار الفائدة وارتفاع واردات الطاقة، ستنخفض قيمتها لتختتم نهاية العام عند حد 38 ليرة للدولار الواحد.
وسينخفض التضخم بالفعل اعتبارا من الشهر المقبل، بسبب تغير سنة القياس. وتشير الحسابات الرياضية لمعظم الخبراء الاقتصاديين، وفق الناظر، إلى أن مستوياته ستتراوح نهاية العام الحالي “بين 43 و45 بالمئة”.
وبناء عليه وفي حال انخفض التضخم إلى 43 سيكون البنك المركزي التركي قادرا على خفض الفائدة إلى 46 أو 47، أي 4 نقاط.
ويوضح الباحث أن “المركزي سيظل محافظا على النقاط الأربعة كفارق بين معدلات الفائدة ونسب التضخم”، وأن “هذه الحالة هي المثالية بالنسبة للفريق الاقتصادي الجديد”.