ما دافع إيران لتشويه سمعة مسيّرة تركية عثرت على حطام مروحية رئيسها؟
سارعت إيران فور العثور على ضحايا مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له، لتكذيب الرواية التركية في عثور طائرتها المسيرة “أقنجي” على موقع المروحية، مدعية أن مسيرات طهران هي التي “حددت موقع المروحية بعد فشل المسيرة التركية” التي تقدمت السلطات الإيرانية نفسها بطلب لأنقرة كي ترسلها للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، بعد ساعات من عدم تمكن طواقمها من الوصول إلى الحطام.
وقبل قرابة أسبوعين، أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبد اللهيان والوفد المرافق لهما بحادث تحطم مروحية، الأحد، في محافظة أذربيجان الشرقية (شمال غرب)، خلال عودتهما من مراسم افتتاح سد على الحدود بين إيران وأذربيجان، بمشاركة الرئيس علييف.
واستطاعت فرق الإنقاذ الوصول إلى حطام المروحية بعد جهود استمرت 15 ساعة واستكملت بتحديد الطائرة المسيرة التركية “أقنجي” موقع حطام المروحية المنكوبة، بعد إرسالها من قبل أنقرة للمشاركة في جهود البحث والإنقاذ بطلب من طهران.
ورغم نشر الجانب التركي مشاهد حية وأخرى إضافية لعمليات البحث والإنقاذ التي انخرطت “أقنجي” فيها، إلا أن الإيرانيين أصروا على تفنيدها، بل وزادوا على ذلك بمحاولة تشويه المسيرة التركية عبر الزعم بأن تقنياتها لم تكن كافية للكشف عن موقع مروحية رئيسي.
تقرير لصحيفة “اندبندت عربية”، أشار إلى أن عثور المسيرة التركية على موقع الضحايا، كان بمثابة فضيحة للتطور التقني والحربي الذي تنسبه إيران إلى نفسها، وتسبب في ردود غاضبة في طهران التي نفت بلسان هيئة الأركان فيها أن تكون المسيرة التركية قد كشفت عن مكان سقوط المروحية، وإنما كشفته مسيرة إيرانية عادت على عجل من مهمة فوق المحيط الهندي.
وأضاف التقرير: افتخرت تركيا بـ”أكينجي” ومخترعها صهر الرئيس رجب أردوغان تلحوق بيرقدار، وأثنى أردوغان شخصياً على هذا الإنجاز، لكن ما ضاعف في التوتر الإيراني هو ما نشره الإعلام التركي، وبعضه عن لسان مسؤولين من شكوك حول مقتل الرئيس الإيراني وصحبه.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
النائب السابق المقرب من أردوغان ياسين أقطاي لم يستبعد “عملية اغتيال” وكتب عن” غرابة” سفر كل هذه الشخصيات في مروحية واحدة. ويذهب أقطاي أبعد من ذلك ليقول إن “نية الاغتيال كانت مبيتة”، مضيفاً أنه إذا كانت هناك “عملية اغتيال فإن احتمال حدوثها من الداخل سيكون أعلى بكثير”.
كثرت التحليلات عن احتمالات قتل مرتبطة بالتمهيد لخلافة خامنئي، وتحدث كثر عن مرحلة مستقبلية يكون فيها رئيسي مرشداً وعبداللهيان رئيساً للجمهورية. كان رئيسي الذي لقب يوماً بـ”جزار طهران” لمساهمته في إعدام ألوف المعارضين في ثمانينيات القرن الماضي، زبدة ما يمكن للتيار الأصولي أن يقدمه للمنصب الإداري الأول.
وكان عبداللهيان ممثلاً ممتازاً للحرس الثوري على رأس الدبلوماسية الإيرانية. في عهدهما جرى تحقيق ما منعت حكومة حسن روحاني من تحقيقه، بحسب ما قال جواد ظريف في مذكراته. لقد تمكن رئيسي وعبداللهيان على العكس من “توحيد الدبلوماسية والميدان”، باتت السياسة الخارجية في خدمة “الحرس الثوري” و”فيلق القدس”، مع الاحتفاظ بتلك المساحة الرمادية في العلاقة مع الخارج غير المسموح بها في علاقات القوى بالداخل، وفي لحظة ما بدا وكأن عبداللهيان حل محل سليماني، ولكن بصفته وزيراً للخارجية لا جنرالاً يوزع المهام على الأنصار والمنظمات التابعة.
في هذا السياق نظر ثنائي رئيسي- عبداللهيان لسياسة التوجه شرقاً نحو الصين وروسيا من دون إقفال الباب أم استمرار التواصل مع أوروبا وأميركا. بل إنه، وفي مصادفة مثيرة، حرصت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة قبل ثلاثة أيام من مصرع رئيسي وعبداللهيان على الإعلان أن المحادثات الإيرانية – الأميركية “عملية مستمرة”، واجتماعات مسقط “لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة”.
لم يكن مألوفاً في الأدبيات الإيرانية أن يجري الحديث عن العلاقة مع أميركا على هذا النحو، لكن أشياء أخرى في السياق، حصلت بقيادة حكومة رئيسي أوحت ببدايات نهج جديد في السياسة الخارجية الإيرانية. لقد تحسنت العلاقة بين إيران ودول الخليج في ظل هذا النهج، واستبدل العداء والاستنفارات الحدودية مع أذربيجان، التي نفذها الحرس الثوري بجهود لإرساء علاقات ودية.
خلال رحلته الأخيرة لافتتاح السد مع نظيره الأذري إلهام علييف قال رئيسي: علاقاتنا علاقة قرابة لا جيران، وسيتم تحويل حدودنا إلى حدود للأمل والفرص. رئيسي كان وعبداللهيان قصدا باكستان في وقت سابق لتأكيد علاقات التعاون بعد مغامرة “الحرس الثوري” في قصفها.
تعد صحيفة “أرمان أمروز” الإصلاحية أن إيران في عهد رئيسي وضعت حداً “للازدواجية في السياسة الخارجية”، وتضيف، “أن وجود دبلوماسي ميداني على رأس وزارة الخارجية، يتمتع بعلاقات وثيقة مع قادة الميدان الإيرانيين وآخرين مثل ’حزب الله‘ وغيره في المنطقة، هو ما منح هذه الرؤية نتائج جيدة”.
لم تتمكن السلطة الإيرانية من تقديم أجوبة شافية حول حادثة الطائرة الرئاسية، فبينما طالبت تركيا بأجوبة، عدت روسيا بلسان إعلامها مقتل رئيسي خسارة للسلام في القوقاز. ثم جاء الرئيس فلاديمير بوتين ليعلن أن الطائرتين الناجيتين في موكب الرئيس كانتا من صنع سوفياتي.
لا يكفي كل ذلك لتحميل العقوبات الأميركية مسؤولية سقوط طائرة الرئيس وصحبه، ولا توضح تصريحات قادة سلاح الطيران الإيراني عن كفاءة الطيارين الذين قضوا في الحادثة الأسباب الفعلية لما جرى. كما أن بيان هيئة الأركان الأول عن التحقيق لا يقدم أجوبة شافية. لقد حرصت الأركان الإيرانية على القول إن أثار رصاص لم تظهر على المروحية، وإن مسيرة إيرانية هي التي اكتشفت موقع سقوط مروحية الموت.
لكن لماذا تحدث بيان الأركان عن رصاص يلاحظ؟ سؤال من أسئلة ستبقى في انتظار أجوبة ربما لن تأتي إلا بعد تبلور طبيعة التركيبة القيادية التي ستخلف رئيسي والمرشد معاً.