مخاوف من إدارة ترامب الجديدة
الكاتب:نيدرت إيرسانال
يني شفق
أثار تشكيل دونالد ترامب لإدارته الجديدة، لا سيما كون بعض أعضائها معروفين بمواقفهم المعادية لتركيا والرئيس أردوغان، وولائهم المطلق لإسرائيل، إضافةً إلى دعم بعضهم الصريح لما يُعرف بـ “ورقة الأكراد” ممثلةً بتنظيم “بي كي كي/واي بي جي” الإرهابي، أثار مخاوف في بعض الأوساط التركية.
والتقييم هنا صحيح؛ فالرسائل التي تحملها إدارة ترامب تتوافق مع التهديدات التي تشعر بها تركيا حاليًا.
إحدى هذه الرسائل تتجلى في تعزيز الحضور الأمريكي في قبرص اليونانية، ويمكن ضرب أمثلة متعددة على التوترات المتصاعدة عند حدودنا وفي النقاط القريبة منها. لذا حين نقول “التقييم صحيح”، فإننا نشير إلى هذا السياق الذي دفع أنقرة إلى حالة من الاستنفار والترقب. ومع ذلك المشكلة ليست في تقييم الوضع، بل في الظروف المحيطة به. فبعض العوامل التي يبدو أنها تؤكد هذا التقييم قد لا تكون كما تبدو.
لذلك، يجب التعامل بحذر مع النصائح التي تدعو إلى “التهدئة الفورية” وإلى البحث عن سبل للتسوية العاجلة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أو تلك التي تدعو إلى رفض العروض الأخيرة للانضمام المشترك إلى مجموعة “بريكس”، بناءً فقط على تصرفات ترامب وإدارته والخوف من تداعياتها.
هل الإدارة الجديدة صهيونية أم من المحافظين الجدد؟
هل إدارة ترامب الجديدة مختلفة أم هي نفس التي أطاحت به في فترة رئاسته الأولى والتي تُعرف بـ “هيكل المحافظين الجدد/النظام المؤسسي/الدولة العميقة/القيادة المركزية الأمريكية”؟ قد يخلط المرء بين السياسيين الصهاينة والمحافظين الجدد نظرًا لتشابه توجهاتهم. فهل من الممكن أن يضم ترامب إلى حكومته الجديدة شخصيات تنتمي إلى نفس الدوائر التي كشفت عن أسرار زوجته حتى ملابسها الداخلية؟ وهل ستجد تلك المجموعة التي زرعت رجالا مثل جون بولتون وجيمس ماتيس وريكس تيلرسون في المكتب البيضاوي خلال فترة رئاسته الأولى، مكانًا لها في الإدارة الجديدة؟
رغم أن كلا التوجهين ليسا بريئين، إلا أن التمييز بينهما قد يوفر مؤشرات مفيدة حول خطوات واشنطن الجديدة، لا سيما تجاه الشرق الأوسط وتركيا.
على سبيل المثال، التصريحات التي أدلى بها الرئيس رجب طيب أردوغان على متن الطائرة عقب زيارتيه إلى الرياض وباكو قال فيها بوضوح: “تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان لن تستمر في علاقتها مع إسرائيل ولن تطورها. ولا توجد لدينا نية لذلك.”
هذه التصريحات الحازمة والملزمة تُظهر نهجًا واضحًا للمستقبل، إلا أن اللافت هو توقيت هذه الكلمات، إذ جاءت عقب زيارتيه إلى “الرياض وباكو” وما تلاهما من لقاءات مع منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، مما يمنحها دلالات أعمق.
وعندما أدلى الرئيس التركي بتلك التصريحات، لم تكن ملامح إدارة ترامب قد اتضحت بعد. كانت أنقرة تولي اهتماماً خاصاً بمن سيشغل منصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي. واليوم بتنا نعلم أن كليهما يتمتع بشخصية ذات توجه “صهيوني” واضح.
بالإضافة إلى ذلك، تضم الإدارة شخصيات تدعم تنظيم “بي كي كي/واي بي جي” الإرهابي المعروف بـ”الورقة الكردية الإسرائيلية”، وأخرى تعارض انسحاب القوات الأمريكية من سوريا والعراق، ومن يعترض على العمليات العسكرية التركية.
وكما ذكرنا سابقاً، فإن الرسائل التي تحملها الإدارة ترامب تتوافق مع التهديدات التي تراها تركيا في الوقت الحالي، مما يوحي بأن السنوات الأربع المقبلة ستكون مليئة بالتحديات لتركيا.
إدارة ترامب
إلى جانب ذلك، هناك سمة أخرى تميز هذه الإدارة؛ فهي تشكلت بناءً على الدروس التي استخلصها ترامب من فترة رئاسته الأولى. إن التجارب المريرة التي مر بها تشير بوضوح إلى أنه يسعى إلى تنفيذ سياساته “السريعة” دون وجود أصوات معارضة.
وكما هو معروف تغير “كبير موظفي البيت الأبيض” أربع مرات في الأربع سنوات الأولى من رئاسة ترامب. والآن يهدف تعيين سوزي ويلز لهذا المنصب إلى قطع التعقيدات من البداية. بل إن نائب الرئيس نفسه قد خان ترامب، وواجه قضايا عزل، فضلاً عن التعرض للفخاخ القانونية ومحاولات الاغتيال خلال حملته الانتخابية. كل هذا يفسر سبب رفضه لشخصيات مثل بومبيو وهالي في حكومته، أو قراره الغريب بضم شخصيات متناقضة مثل إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي إلى حكومته، إلى جانب مستشار الأمن القومي مايكل والتز، الذي يشكل وجوده في الإدارة مصدرًا للإزعاج للكثيرين. هذا كله تعبير عن نفس المنهج.
وهذا يعزز الانطباع لدينا بأن الرئيس ترامب، بغض النظر عن التشكيلة السياسية لحكومته، سيظل هو من يمسك بزمام الأمور داخل حكومته. وبالتالي، عندما لا يتوافق تطور معين مع رؤيته بشأن تركيا والشرق الأوسط، فمن المحتمل أن يتجنب التخلي عن المبادرة، حتى في ظل وجود وزراء صهاينة في حكومته.
تجدر الإشارة إلى ذلك ولكن هل يمكن لأنقرة أن تشعر بالأمان التام بالاعتماد على هذا الوضع؟
هل هناك فرق في العالم بين الولاية الأولى والثانية؟
لذلك، يجب علينا أن ننظر إلى الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة في المنطقة والعالم.
أولًا، هناك طروحات مفرطة في التكهن حول العلاقات بين بوتين وترامب، وأمريكا وإيران، والمملكة العربية السعودية والخليج وإيران، والصين والشرق الأوسط وغرب آسيا، والعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، ويُتمسك بها بشدة، وكأنها حقائق ثابتة لا تقبل النقاش.
فكيف سينظر ترامب، الذي لا يحب الحروب وتعهد بعدم الدخول في حروب جديدة في فترة رئاسته الأولى، إلى احتمال توسع الصراع في الشرق الأوسط؟ وإذا كان هناك توافق عام على سياسة التوجه نحو الصين، فكيف يمكن لهذه السياسة أن تغذي الأزمات الحالية والمحتملة في أوكرانيا والشرق الأوسط؟
دعونا نتأمل هذه الأسئلة معاً:
أولا، هل يمتلك نتنياهو “شيكًا مفتوحًا” للاستمرار في إبادة غزة، وضم الضفة الغربية، وتوسيع نطاق الحرب لتشمل الشرق الأوسط وإيران؟
ثانيا: ما هي الحقيقة التي تكشفها لنا الأنباء عن وجود محاولة اغتيال جديدة موجهة ضد الرئيس ترامب من قبل إيران؟ هل هذه الادعاءات صحيحة أم أنها محاولة لتقويض سياسة ترامب تجاه إيران؟
ثالثا: ما هي الرسالة التي توجهها إيران إلى الإدارة الأمريكية الجديدة عندما تؤكد التزامها ببرنامج نووي سلمي؟
رابعا: هل الأزمة في العلاقات السعودية الإيرانية عميقة كما يزعم أم أن هناك تقاربًا أكبر بين البلدين؟
خامسا: سؤال من باب الفضول فقط: هل السعودية أقرب إلى عملية التطبيع مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة، وعن التحالف العالمي كما كان الحال من قبل أم أنها أبعد الآن؟ وما هو دور صهر ترامب، كوشنر، في الإدارة الجديدة؟
سادسا: هل تشهد منطقة غرب آسيا نفس المشهد الجيوسياسي الذي عرفته خلال فترة ولاية ترامب الأولى، أم أن هناك تغييرات جوهرية؟ وهل ما زالت الإدارة الأمريكية تمتلك نفس الأوراق الجيوسياسية التي كانت تمتلكها سابقاً؟
سابعا: هل يمكن أن يؤدي التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا إلى حل العلاقات بين إيران وروسيا، أم أن هذه العلاقة أكثر متانة؟
ثامنا: من هم حلفاء الولايات المتحدة في غرب آسيا؟ ألا يزالون موجودين؟ وماذا تعني تصريحات تركيا العضو في الناتو بشأن إسرائيل؟
على تركيا أن تتحلى بالصبر، فالتهديدات التي تواجهها كبيرة. ولكن سيكون من الأفضل لأولئك الذين يستسلمون لترامب الآن ألا يتجاهلوا احتمال “انقطاع الحبل عند أضعف نقطة” في أسوأ السيناريوهات.