مستشار أردوغان: الاتفاق التركي_الليبي أعاد لمصر حقوقًا سلبتها اليونان وإسرائيل!
منذ دعوة أردوغان وبوتين الأطرافَ في ليبيا إلى وقف إطلاق النار، أعلنت حكومة الوفاق الشرعية استجابتها للدعوة على الفور، بينما رفضتها إدارة المعتدي حفتر. هناك أمران غريبان، الأول في الدعوة ذاتها ولقد تحدثنا عن ذلك، والثانية في ردة فعل حفتر.
أما الغرابة في دعوة الأطراف في ليبيا لوقف إطلاق النار؛ هو أنه لا طرفين متساويين يتصارعان في ليبيا، بل الموضوع عبارة عن وجود طرف عدواني يشن عدوانه. وفي الحقيقة كان على تلك الدعوة أن تتوجه نحو الطرف المعتدي وهو حفتر، وفي حال لم ينصع لهذه الدعوة، فالخطوة الأخرى المفترضة من المجتمع الدولي والضمير أ الحقوق، هو التحرك ضده وفرض عقوبات تردعه.
على الرغم مما سبق، يبقى أن الوجود التركي في ليبيا بالتأكيد ليس لأجل الحرب، بل لإظهار أنها مستعدة لحماية حقوق الليبيين وأمنهم واستقرارهم، ولأجل ذلك قامت بدعوة حتى الطرف المعتدي حفتر، لوقف إطلاق النار تلبية لهذه الهدف.
أما الغرابة الثانية في القضية، فقد كانت رفض حفتر بداية الأمر، لدعوة إيقاف النار التي صدرت عن روسيا التي هي تدعمه أصلًا. حينما رفض ذلك بماذا كان يثق يا ترى؟ فالسلاح الذي بين يده ليس له أصلًا، هل بإمكانه أن يخرج عن سياق النص الذي يرسمه من يدعموه بالسلاح؟.
دعونا لا نتسرّع بالحكم، ربما قد فكر للحظة ما أنه يمكنه فعل ذلك، لكن عندما أمعن بالأمر فمن المؤكد أنه أدرك أن ليس بالإمكان الاستمرارية بذلك. إن حفتر لا يمكن له أن يستمر خطوة واحدة، دون الدعم المادي الإماراتي، والتقني الروسي، وما تقوم به فرنسا من دعم عبر نشاطاتها في الاتحاد الأوروبي.
على صعيد تركيا، إنها لا تبحث عن شيء آخر سوى تهيئة الجو لحوار سياسي، يمكن من خلاله إيقاف هدر المزيد من الدماء في ليبيا، وتوفير الاستقرار للبلد والسلام لعموم الشعب الليبي. وهذا بدوره يمثل نصرًا كبيرًا وكافيًا بالنسبة لتركيا. ليس لتركيا عين في ليبيا ولا في أرض أي دولة أخرى، ولو أن كل دولة في الأصل كانت تُدار من قبل شعبها، وتسعى على الدوام لجلب مزيد من الاستقرار والحرية لهم، فإن هذا التأكيد لم يكن ليسبب إزعاجًا لتركيا.
وبينما الحال كذلك، نرى الإعلام العربي وبخاصة المصري، قد أطلق حملة دعاية سوداء مكثفة، تتهم تركيا بأنها قد جاءت إلى ليبيا من أجل الحرب مع العرب. إنهم يعزفون على النغمة نفسها التي يعزف عليها حلفاؤهم من الشعب الجمهوري هنا.
لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة التي جعلتهم يطمسون أعينهم؛ سواء الشعب الجمهوري بتركيا، أو أصحاب الدعاية السوداء في مصر: لم تطلب تركيا إلا وقف إطلاق النار ليس إلا، ولقد نجحت بذلك عبر الطرق الدبلوماسية المكثفة، وعبر علاقاتها الجيدة مع روسيا.
لو كان هدف تركيا الحرب فعلًا، فإنها كانت تستطيع أن تحارب الطرف المعتدي “حفتر”، الذي لا يمتلك أي شرعية، لكنه للأسف يمتلك قوة. ومن الواضح جدًّا أن لا حظ لحفتر في هذه المعركة أمام تركيا، إلا أن هذا النجاح العسكري الذي ستحققه تركيا لا شك أن له فاتورة على حساب الشعب الليبي.
إن تركيا لم تدخل إلى ليبيا عبر قوة عسكرية فحسب، بل دخلت عبر أواصر تاريخية وثقافية وثيقة، وبالطبع الأهم من ذلك هو لأجل مستقبل ليبيا، وعبر رؤية تكمن في توفير مستقبل آمن لجميع الليبيين. لا يوجد رؤية بديلة لهذه الرؤية، ولا يوجد أرضية أصلية يمكن أن تحل مكانها على الصعيد الأخلاقي والسياسي.
ألا يمكن أن تكون ليبيا محل فرصة للعلاقات المصرية-التركية؟
حينما كانت الحملة الإعلامية في مصر تتحدث عن أن تركيا قادمة إلى ليبيا من أجل محاربة مصر، قلنا وأوضحنا أن تركيا لا يمكنها أن تحارب أي دولة عربية أو مسلمة، بل على العكس من ذلك؛ هي تريد إيقاف تلك الحرب المشتعلة في ليبيا، والأهم أنها جاءت إثر دعوة رسمية من حكومة شرعية.
إن دوافع التعاون فيما بين مصر وتركيا تفوق بحد ذاتها وبشكل كبير، وجود دوافع لإشعال حرب بين البلدين. إلى جانب الوضع المتأزم والخارج عن السيطرة، الذي نشأ إثر انقلاب السيسي الذي يقوم بانتهاك حقوق شعبه كل يوم، فإن الانقطاع فيما بين تركيا ومصر قد ولّد بدوره فرصًا كبيرة بالنسبة للآخرين، كما أنه كان مكلفًا للغاية على البلدين والعالم الإسلامي بأسره. لكن على الرغم من ذلك، فإن البلدين ليس لهما مفرّ من التعاون والتضامن فيما بينهما، وسيتعين عليهما فعل ذلك في النهاية.
إن الاتفاق التركي-الليبي بدوره، يعيد الحقوق المصرية في حدود المنطقة الاقتصادية المنحصرة التي ضاعت بسبب الاتفاق الذي تم فيما بين مصر واليونان. كما يمكن الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك وطرح هذا السؤال؛ لماذا لا يمكن عقد اتفاقية مع مصر أيضًا، على غرار اتفاقية ليبيا؟، إن اتفاقية من هذا النوع في شرق المتوسط، بين تركيا وليبيا ومصر، ألا يعني تعزيزًا وحماية لحقوق شعوب تلك الدول؟.
من الذي يدفع مصر كي تلعب ضد مصر، وتلجأ إلى عقد اتفاقيات من تلك النوع ليس معها، بل مع دول كاليونان وإسرائيل؟.
وفي النتيجة، لم يتم ذكر حتى مجرد اسم مصر، في الاتفاقية التي تم عقدها فميا بين اليونان وإسرائيل وجنوب قبرص. ألا يكفي تحييد مصر من هذه الاتفاقية على الرغم من مناوئتها تركيا؛ أن يكون رادعًا ومنبّهًا بما فيه الكفاية؟.
لقد لاقت هذه الدعوة التي نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي صدى واسعًا؛ تجسد في الآلاف من الرسائل وردود الفعل، إيجابية كانت أو سلبية، ما يعني أن هذه الدعوة قد لاقت بالفعل صداها.
من يعلم؟ ربما قد حان الوقت فعلًا للتفكير بجدية حول ذلك.
ياسين أكتاي