أخبار الهجرة و اللجوء حول العالم

مستقبل مطموس الملامح ينتظر اللاجئين السوريين: هل سيعودون إلى بلدهم؟

صرحت وزيرتا الداخلية والخارجية الألمانيتان مع لفيف من كبار السياسيين في هذا البلد تصريحات تنم عن رغبتهم بالسماح للسوريين بالعودة إلى بلدهم من أجل تقييم إمكانية عودتهم إلى هناك بشكل دائم، بيد أن الفكرة بحد ذاتها أثارت انتقادات شديدة، وفي تلك الأثناء مايزال الغموض يتكنف مستقبل ما يقرب من مليون لاجئ سوري يعيشون في ألمانيا بعد سقوط نظام الأسد.

أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، عن رغبتها بتخفيف القيود المفروضة على اللاجئين السوريين بالنسبة لزيارتهم لبلدهم، وذلك بعد سقوط نظام الأسد الشهر الفائت، من دون أن يؤثر ذلك على وضع الحماية الذي حصلوا عليه، إذ في الوضع الطبيعي، لا يسمح للأشخاص بالعودة إلى وطنهم الأصلي (ويستثنى من ذلك حالات قليلة) في حال كان يحق لهم اللجوء أو الحصول على أي نوع مماثل من الحماية في ألمانيا.

والسبب وراء هذا القانون هو أنه في حال قدرة الشخص على العودة إلى وطنه، فإن ذلك دليل على أنه لم يعد بحاجة للحماية من الاضطهاد أو الحرب، ولهذا لابد من رفع وضع الحماية عنه.

غير أن الوزيرة فيزر أعربت عن رأيها بضرورة منح اللاجئين السوريين الموجودين في ألمانيا حق زيارة بلدهم لمرة واحدة وذلك حتى يروا ما تغير فيها بأنفسهم، وبذلك يمكنهم أن يقرروا بناء على اطلاعهم الشخصي ما إذا كان بوسعهم العودة إلى وطنهم بشكل طوعي ودائم.

كما أعلن ماكسميلان كال الناطق باسم وزارة الداخلية الألمانية من برلين بأن الرأي الذي دفع للخروج بتلك الفكرة هو السماح للناس بأن: “يروا بأنفسهم ما إذا كانت بيوتهم ماتزال قائمة، وليعرفوا إن كان من فُقد من أهلهم منذ أمد بعيد مايزال على قيد الحياة، وهل من الآمن حقاً بالنسبة لهم أن يعيشوا في وطنهم”.

وأضافت وزارة الداخلية بأنه لا حاجة لتغيير القانون من أجل إضافة هذه الاستثناءات.

القرار بين التأييد والمعارضة

وفي تصريحات مماثلة أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بأنه بعد سقوط الحكم المستبد لنظام الأسد في سوريا، يجب أن تتاح للاجئين السوريين في ألمانيا فرصة دراسة الوضع على الأرض وتقييمه ومعرفة إن كان بوسعهم العودة إلى وطنهم بشكل دائم، كما أعلنت بيربوك بأنها تعتقد بأن هذه الفكرة ستحظى بتأييد واسع.

ولكن فكرتها قوبلت بالرفض لدى بعض الناس، إذ أعلن يواخيم هيرمان وزير داخلية ولاية بافاريا، من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بأن هذه الخطة “الجسورة والقائمة على مغامرة خطرة بوسعها أن تفتح الباب واسعاً على الانتهاكات”، وأعلن بأن خطوة كهذه قد تعطي انطباعاً بأنه: “بوسع السوريين أنفسهم أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون أن يعيشون في بلدهم أم لا”، ولهذا اعتبر بأن هنالك عيوباً ونقائص تعتري هذه الخطة.

ومع الآمال التي تحدو حزب هذا الرجل والحزب الشقيق له، أي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، لترأس الحكومة المقبلة في ألمانيا، قد يؤخذ انتقاد من هذا القبيل على محمل الجد مستقبلاً.

لا توجد قاعدة سياسية لتطبيق مقترحات!

كانت فيزر وبيربوك الوحيدتين اللتين صرحتا حول هذا الموضوع حتى الآن، في الوقت الذي تستعد ألمانيا لإقامة انتخابات بعد خمسة أسابيع، ولهذا من غير المرجح أن يطبق أي قرار بهذا الشأن على الفور.

ثم إن فيزر عضو بحزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي وبيربوك من حزب الخضر وكلتاهما عضوتان في الائتلاف الذي يحكم ألمانيا كحكومة أقلية تفتقر إلى التفويض في الوقت الحالي، وقد أتى ذلك عقب انشقاق شريكهم الثالث، أي الحزب الديمقراطي الحر، عن الائتلاف في شهر تشرين الثاني الماضي، الأمر الذي دفع لإجراء انتخابات مبكرة.

في الوقت الذي يعتبر حزب فيزر أكبر شريك في هذا الائتلاف حالياً، لا أحد يرجح لهذا الحزب أن يحظى بتفويض لتشكيل الحكومة المقبلة، بما أنه قد حل في المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي.

بيد أن حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي قد ينضم للحكومة المقبلة التي ستتكون من ائتلاف كبير يضم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي.

إلا أن كثيرين يعتبرون أنه من المبكر فتح النقاش بشأن مستقبل السوريين المقيمين في ألمانيا، بصرف النظر عن التطورات السياسية الداخلية التي ستظهر خلال الأسابيع المقبلة، وذلك لأن سوريا قد بدأت لتوها بالتعافي من الدكتاتورية التي ألمت بها لعقود ناهيك عن الحرب التي عصفت بها طوال 14 عاماً.

سوريا ماتزال هشة

بحسب ما أعلنته مفوضية اللاجئين الأممية فإن 90% من الشعب السوري مايزال بحاجة للمساعدات الإنسانية، وفي الوقت عينه، يؤكد برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بأن نصف المشافي في سوريا تقريباً لا تعمل بشكل كامل، كما أن هنالك شحاً في معظم المواد الأساسية التي يحتاجها الإنسان بشكل يومي، ناهيك عن انقطاع الكهرباء والماء بشكل مستمر مما يؤثر على حياة الناس ومعيشتهم.

وبحسب تقرير للبنك الدولي، فإن 96% من السوريين مايزالون يعيشون على مبلغ يقل عن سبعة دولارات باليوم، وسط تزايد التضخم وفقدان الليرة السورية لجزء كبير من قيمتها.

ومع ذلك، ماتزال هنالك مناشدات في عموم أوروبا للبدء بإعادة حملة الجنسية السورية إلى بلدهم، من دون أن يقتصر الأمر على مجرد زيارتها، كما أن معظم دول الاتحاد الأوروبي جمدت عملية معالجة طلبات اللجوء المعلقة التي تقدم بها سوريون، وأخذت تراقب التطورات الحاصلة في المنطقة في ظل سيطرة قوى جديدة على سوريا.

وفي الوقت الذي عاد آلاف السوريين إلى بلدهم من الجار لبنان أو من تركيا خلال الشهر الماضي، فإن هذا التوجه لا يعتبر بالضرورة مؤشراً على ما قد يتبع ذلك.

ويعلق على ذلك ويل تيدمان، وهو نائب مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فيقول: “إن الاستعجال في إعادة ملايين السوريين قد يزيد من الضغط على سوريا التي وصلت إلى أقصى مراحل الهشاشة، كما يمكنه أن يقوض فرصة نجاح عملية الانتقال السياسي في البلد، لذا، ولتجنب وقوع أزمة أكبر، ينبغي على حكومات الدول المانحة ألا ترفع سقف توقعاتها بشأن العودة السريعة، وأن تعمل على صياغة استراتيجية شاملة من أجل عودة اللاجئين بشكل آمن، مع تقديم ما يكفي من التمويل لتسهيل حدوث تلك العملية بشكل منظم، لأن المسألة تحتاج إلى وقت وليس لإصدار مراسيم بسرعة البرق”.

أما بالنسبة لحكام سوريا الجدد الذين تترأسهم هيئة تحرير الشام التي تمكنت من القضاء على عهد الدكتاتورية الذي فرضه آل الأسد، فإنهم مايزالون يحاولون مواصلة تأدية مهام الحكومة ومؤسسات الدولة، مع سعيهم لضمان حكم القانون، إلا أن كثيرين يرجحون ظهور صراع على السلطة من جديد، سواء ذلك الصراع الذي قد ينشب في الداخل أم بتحريض من العناصر الفاعلة الأجنبية.

المستقبل غير مضمون على أية حال

مايزال كثيرون يؤيدون فكرة قيام السوريين بزيارة بلدهم لتفقد الأوضاع فيها والتحقق من الأمور على الأرض، معللين ذلك بأن الخيار نفسه فتح أمام الأوكرانيين منذ اليوم الأول للجوئهم، إذ أكدت كاثرين ووللارد، مديرة قسم شؤون اللاجئين والمغتربين لدى المجلس الأوروبي، بأن هنالك حالة كيل بمكيالين في عموم أوروبا عندما يتصل الأمر بالسماح للاجئين بزيارة بلدهم، وأضافت: “مسموح للأوكرانيين بالعودة إلى أوكرانيا في زيارات قصيرة، وذلك حتى يقوموا على سبيل المثال بالحفاظ على ممتلكاتهم أو لدعم أقاربهم، من دون أن يخسر أي منهم حق الحماية في الاتحاد الأوروبي، ولهذا لابد من تعميم هذا النهج على اللاجئين السوريين، لأن معظمهم معرض لخسارة وضع الحماية في الوقت الراهن، ثم إن السماح لهم بزيارة بلدهم لمدة قصيرة من شأنه أن يحيي الأواصر والعلاقات وهذا بدوره سيزيد من أعداد العائدين”.

في حين ماتزال دول أخرى في الاتحاد الأوروبي تفكر بأن تضع توقعات بالنسبة للاجئين السوريين المقيمين فيها، إذ حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تسمح فرنسا مثلاً لأي سوري بالسفر إلى سوريا على الرغم من تغيير النظام فيها.

وفي هذه الأثناء، ماتزال التساؤلات تدور حول مدى أمان سوريا مستقبلاً، وهل ستنجرف نحو نوع مختلف من انعدام الاستقرار خلال الشهور المقبلة أم لا، ومن هي الفئة من الناس التي قد يصعب عليها الهروب من سوريا في حال حدث ذلك.

بعيد سقوط الأسد في كانون الأول من عام 2024، أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية في مؤتمر صحفي بأنه: “من المؤسف بأن انتهاء نظام الأسد لا يعتبر ضمانة لحدوث تطورات سلمية” مستقبلاً.

إذ خلال مرحلة السقوط السريع للحكم الاستبدادي الذي رسخه آل الأسد، نزح آلاف السوريين من جديد، كما قتل العشرات منهم، وذلك عندما زحفت هيئة تحرير الشام من حلب باتجاه العاصمة دمشق في الجنوب، ولهذا فإن معظم السوريين على الأرجح سيعتمدون على هذه التجربة في تحديد رأيهم تجاه مستقبل بلدهم.

وفي منتصف شهر كانون الأول الماضي، صرح قائد سوريا الجديد، أبو محمد الجولاني، لصحيفة الغارديان البريطانية، بأنه “لن يتم إصدار أي عفو بحق المتورطين من نظام الأسد”.

زر الذهاب إلى الأعلى