Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات و أراء

مع من سيكون الرب في أمريكا؟

“نحن نثق في الرب”

هذا العبارة التي تجدها على الدولار الأمريكي بكل فئاته والذي بدأت طباعتها على العملة الأمريكية منذ العام 1864، قبل أن يسن الكونجرس الأمريكي في عام 1955 تشريعا يفرض كتابة الشعار على كل العملات الورقية والمعدنية للولايات المتحدة، وتتخذها الحكومة الفيدرالية شعارا للدولة التي لم يكن لها شعار.

 

 

مقتل الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد أقام أمريكا ولم يقعدها حتى تاريخ كتابة هذه السطور، ولا يظن أن تقعد في المستقبل المنظور في ظل التجاذبات التي تشعل المشهد بشكل لم تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من قبل، فخطاب الاستقطاب على أشده، والنظرة غير العقلانية للأحداث وتفسيرها من قبل الإدارة الأمريكية، وتأطير الأزمة في أبعاد سياسية، يدفع إلى مزيد من التنافر المجتمعي في دولة بنيت بالأساس على التنوع العرقي والأيدلوجي.

 

لم تكن حادثة جورج فلويد هي الأولى في أمريكا، وتمنياتنا أن تكون الأخيرة، لكن الحقيقة التي يحاول الكثير التغطية عليها هي أن تاريخ العنف ضد أصحاب البشرة السمراء، وحتى الملونين في أمريكا قديم قدم نشأة الولايات المتحدة الأمريكية، بل وقبلها باكتشاف القارة الحمراء وجلب المواطنين الأفارقة مخطوفين واستعبادهم للعمل في حقول الإقطاعيين الجدد في القارة المكتشفة، ليصبح شهر أغسطس من عام 1619 علامة في تاريخ هذه القارة وهو التاريخ الذي جلب فيه أول عشرون أنجوليا لاستعبادهم في أمريكا.

 

 

ناضل الأمريكيون من أصل إفريقي على مدى تاريخهم في الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد الثورة ضد الإنجليز والتي استمرت من عام 1765  وحتى  1783أسقطت عدة ولايات شمالية نظام العبودية، لكن الولايات الجنوبية لم تفعل لحاجتها لليد العاملة منعدمة الثمن للإبقاء على اقتصاد قوي مبني على زراعية التبغ والقطن، وفي سبيل الحرية قدم أصحاب البشرة السمراء آلاف الضحايا بدءا من ثورة نات تورنر في 1831 وحتى تأسيس المنظمة الوطنية لدعم الملوّنين في 1905 لتبدأ مرحلة جديدة من النضال.

 

في 1955 قاد الناشط الأمريكي من أصول إفريقية مارتن لوثر كينج حملة لمقاطعة حافلات نقل الركاب إثر رفض  سيدة سوداء ترك مقعدها لرجل أبيض ليتطور الأمر إلى حد اعتقالها، فتتزايد الاحتجاجات ومن ثم المواجهات ويقع من السود الضحايا، وفي عام 1963 تقدم لوثر كنج مسيرة ضمت ما يزيد على الربع مليون مواطن في شوارع واشنطن حاملا شعار “لدي حلم”، لكن حلم لوثر كنج ما لبث أن ترجم في قانون الحقوق المدنية بعد عام واحد من مسيرته بوعد من الرئيس كيندي الذي لم يمهله القدر لإقرار القانون، فوقع عليه الرئيس جونسون، وعلى الرغم من أن القانون منح المواطنين من كافة الأعراق والأديان والأجناس مساواة يضمنها الدستور، إلا أن أحدهم ظل رافضا للوضع فيغتال الناشط المدني المسلم مالكوم إكس بستة عشرة رصاصة، لتتوالى الاغتيالات فيغتال الناشط الأشهر مارتن لوثر كنج، لتشهد بعدها أمريكا أعمال عنف طالت أكثر من 100 مدينة أمريكية تخللها أعمال نهب وحرق، وهكذا ظلت أمريكا تحت نير التعصب بعد أن نشأت في المقابل جماعات من السود مناهضة لفكرة تميز الرجل الأبيض.

 

لتبرز من جديد فكرة تميز العرق الأبيض لكن هذه المرة على شكل تنظيمات عنصرية كمنظمة كا كا كا والنازيون الجدد ومنظمة حليقو الرؤوس والقوميون البيض، وكلها جماعات تحض على الكراهية لكن بحسب الواقع لها فروع بالمئات وأنصار بالآلاف ومؤيدين – ولو صامتين – بالملايين، وهو ما جعل بعض الساسة يطلبون ودهم لاسيما وأن هذه الجماعات أصبح لها ظهير متدين من اليمن المتطرف الذي صعد لقمة هرم الحياة السياسية في أمريكا منذ بداية تسعينات القرن الماضي، ليشكلوا مجتمعين كتلة تصويتية كبيرة لا يمكن إغفالها، وهو ما لعب عليه الرئيس ترمب في ترشحه للرئاسة فخطاب ترامب الانتخابي المناهض للأجانب والمسلمين وغير البيض استقطب ملايين الأصوات التي تحمل في فكرة تفوق العرق الأبيض.

 

يروي غريغوري تشيدل، وهو أمريكي من أصول إفريقية، أنه وفي تجمع حاشد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يونيو 2016 كنت أقف وسط الآلاف من مؤيدي ترامب وترك الجميع وأشار إلي قائلا انظروا إلى ذلك الأمريكي من أصل أفريقي هنا. انظروا إليه. ووجه خطابه لي قائلا: هل أنت الأعظم؟ لقد كانت عنصرية مغلفة، لقد كان ترامب يريد أن يرضي البيض على حسابي، تلك الرواية التي نقلتها الكاتبة بيس ليفين في تقرير لصحيفة فانيتي فير، تكشف حقيقة واحدة، هي تلاعب الساسة بالدين للوصول لأهدافهم الانتخابية، لقد اتخذ الحض على كراهية السود في أمريكا منحى جديد بعد دخول فصيل متدين على خط هذا الصراع من باب تفوق العرق الأبيض.

 

ترامب الذي تلعثم حين سؤل عن أحب آيات الإنجيل إلى قلبه إبان ترشحه للرئاسة، ذهب إلى كنيسة القديس يوحنا في واشنطن، رغم الغضب العارم الذي يجتاح السود الأمريكيين، ورفع الإنجيل، وعلى الرغم من أن عددا من الأساقفة عبّروا عن استيائهم من رفع ترامب للإنجيل، لما في ذلك من استغلال سياسي للكتاب المقدس، إلا أن ذلك لم يمنع آخرين من أن يخطب في أتباعه من السود بعد أن قرر ترامب إنزال الجيش لقمع الغاضبين في كنائسه وأماكن العبادة، مستغلا الدين، ليدخل المسلمون السود على الخط ويخطب لويس فرخان في جمع غفير من السود قائلا: (يا سيد ترامب يمكن أن تأتي وتحضر جيشك.. فهؤلاء الناس ليسوا مستضعفين والإله الذي نعبده سيخوض معنا معاركنا) وبين خطاب ترامب المتمسح في الدين وخطاب السود المتعلق بأهدابه يبقى السؤال العريض مع من سيقف الرب في أزمة مينابوليس؟

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى