هل تستفيد تركيا من تحولها إلى سوق للغاز ؟

قال خبراء في مجال الطاقة لوكالة الأناضول إن دور تركيا الاستراتيجي بوصفها محطة عبور للطاقة يمكن أن يتطور على المدى البعيد إلى محور إقليمي للغاز، لكن الفوائد التي تعود على تركيا من تحولها إلى سوق للغاز يظل موضع جدل.
ووفقا لبريندا شافير الأستاذة بمركز الدراسات الأوروأسيوية والروسية وشرق أوروبا في جامعة جورج تاون، فإن تركيا في الوقت الحاضر هي بالفعل محطة عبور مهمة للنفط والغاز الطبيعي.
وأوضحت شافير أن مضيق البوسفور واحد من أهم طرق عبور النفط في العالم. يأتي النفط من مصادر متعددة من بينها أذربيجان والعراق ويصدر عبر الموانئ التركية. وتحصل تركيا على الغاز الطبيعي اليوم من أربعة مشروعات مختلفة تمتد عبر روسيا وأذربيجان وإيران، وبحلول عام 2018 ستستقبل الغاز من مشروع آخر مع إقامة خط أنابيب الغاز الطبيعي من أذربيجان.
وأكدت شافير أيضا أن ممر الغاز الجنوبي سيزيد من أهمية تركيا، واعتبارا من عام 2020 وما بعده ستصبح تركيا دولة بالغة الأهمية لنقل الغاز إلى العديد من الأسواق في أوروبا.
وتلفت شافير إلى أن ممر الغاز الجنوبي قد ينقل الغاز من مصادر أخرى في المستقبل، مثل إيران واقليم كردستان في شمال العراق وإسرائيل وقبرص، الأمر الذي يزيد من أهمية تركيا كدولة عبور للغاز. ومع ذلك فإن معظم الغاز المستورد إلى تركيا والمتوقع أن ينقل إليها، سيتم تداوله في إطار عقود طويلة الأجل وليس باعتبار تركيا محورا وسيطا.
وقالت شافير إنه بينما يميل كثير من الناس إلى الحديث عن أهمية كون الدولة “محورا للطاقة” فإنه ليس من الواضح أن هناك قيمة خاصة للبلد المضيف، مشيرة إلى أن التحول إلى محطة رئيسة للطاقة ترفع من أهمية تركيا الجيوسياسية إقليميا وعالميا، ومع ذلك فمن الصعب أن نرى فائدة إضافية تتأثر سواء بتداول هذا الغاز في إطار العقود أو بتداوله الفوري في دولة المحور، إلى جانب وجود مخاطر مالية من التجارة القائمة على التحول إلى دولة محور.
وتابعت إن ثمة جهودا سياسية تبذل في أوربا وبعض الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية لتحويل تجارة الغاز إلى الاعتماد على المحور بدلا من العقود طويلة الأجل.
ويسود افتراض بين صانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي بأن الغاز المتداول بهذه الطريقة سيؤدي إلى انخفاض الأسعار، ويشجع على تنمية كميات الغاز الجديدة، ويعزز أمن الإمدادات من خلال تحويل تجارة الغاز إلى صفقة بين الكيانات التجارية، لكن عواقب هذه السياسة ليست واضحة على الإطلاق.
يتطلب محور النفط والغاز سيولة مادية، ما يعني تعدد المشترين والبائعين، كما يتطلب قواعد قانونية قوية، وبنية للسوق الحر، وشفافية الأعمال التجارية.
وتضيف شافير أن من المهم ملاحظة أن أهمية تركيا الجيوسياسية أبعد بكثير من نقل الطاقة، فتركيا لديها أقوى جيش في الشرق الأوسط، وأحد أقوى الجيوش في أوروبا، وموقعها الاستراتيجي يضعها في بؤرة معظم التطورات الجيوسياسية الرئيسة في الساحتين الأوروبية والشرق أوسطية.
وأشارت إلى أن جهود تركيا في الآونة الأخيرة لزيادة مخزونها من الغاز سيعزز أمنها في مجال التزود بالطاقة، ويساعدها على أن تكون محورا للطاقة، إذا كان هذا هو خيارها السياسي في المستقبل.
ويؤكد رييم كورتفيج الباحث في مركز أوربا للإصلاح على أهمية تركيا بالنسبة لأوربا بوصفها دولة عبور للغاز غير الروسي.
ويقول كورتفيج بحلول عام 2019 ستصدر أذربيجان 16 مليار متر مكعب من الغاز عبر الممر الجنوبي للغاز، وسيستخدم الممر أنبوب الغاز التركي لنقل الغاز عبر تركيا إلى الحدود اليونانية ، بينما يتبقى 6 مليار متر مكعب في تركيا، ويصدر 10 مليار متر مكعب إلى أوروبا عبر أنبوب في البحر الأدرياتيكي. ويمكن لتركيا أن تصير في المستقبل أيضا معبرا للغاز من أماكن أخرى في المنطقة، من بحر قزوين ومن شمال العراق، وربما من قبرص في حال التوقيع على اتفاق سلام، أو من إيران.
وأشار كورتفيج إلى دور تركيا الحيوي في المستقبل لتطوير مصادر متنوعة وكافية من إمدادات الغاز لتلبية جميع أهداف أمن الطاقة في أوروبا، فابالنظر إلى حصة الغاز الطبيعي المستوردة في أوربا من المرجح أن يزيد على مدى العقود المقبلة.
وأضاف” إذا استطاعت أنقرة التوصل إلى اتفاق مع موسكو لبناء خط السيل التركي، فإن تركيا ستصير طريقا بديلا لتصدير الغاز الروسي إلى السوق الأوروبية”.
ويقدم كورتفيج تعريفا لمحور الطاقة بأنه مكان لمصادر الطاقة وخصوصا الغاز أو النفط الخام، حيث يتم تداولهما وتوزيعهما، مضيفًا: “نظرا لأنه توجد في حالة الغاز الطبيعي أماكن للبيع والشراء، فإن محاور الطاقة عادة ما تكون لديها نظام تسعير خاص بها، على غرار هنري هاب في ولاية لويزيانا الأمريكية، أو في هولندا، أو في محور بومغارتين في النمسا بوسط أوروبا”.
ويوضح كورتفيج أن محور الغاز المثالي يكون لديه مصادر متعددة من الغاز، وخيارات متعددة لتوزيعه، مثل خطوط الأنابيب أو محطات الغاز الطبيعي المسال، وسعة تخزين كافية، ومشترون كثر للغاز.
لكن هذا، كما يقول مورتفيج، يختلف كثيرا عن “بلد عبور الغاز” حيث إن الغاز الذي ينتج في أماكن أخرى ينقل عبر أراضي هذه الدولة في طريقه إلى الوجهة النهائية، ومن ثم فهي ليست سوقا للغاز.
ويقول: “في الوقت الراهن ستكون تركيا بلد عبور، ولكنها على المدى الطويل يمكن أن تتطور لتصير مركزا إقليميا للغاز”.
وأضاف أن تركيا إذا وضعت البنية التحتية لخط الأنابيب لنقل الغاز الكردي والقبرصي والروسي والإيراني في مكان واحد، وشيدت سعات تخزين كافية للسماح بالتداول، فإنها يمكن أن تتطور لتصبح محورا خاصا للطاقة “بازار الغاز التركي”.
ويقول كورتفيج إن المكان الأكثر احتمالا لذلك سيكون بالقرب من الحدود اليونانية التركية، نظرا لأن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستكون على الأرجح هي من يتشري الغاز، كما سيتوجب على أوروبا أيضا تطوير بنية تحتية استيرادية كافية، ووصلات بينية لخط الأنابيب لكي يعمل المشروع.
ووفقا لكورتفيج، ستستفيد تركيا اقتصاديا، لأنها ستكسب رسوم العبور والتجارة والبنية التحتية الإضافية، وستساعد فرص الاستيراد على تلبية بعض احيتاجات الطاقة المحلية التركية، كما أن إنشاء مركز الطاقة التركي سيزيد من أهميتها الجيوسياسية، لكن هذه مجرد فكرة في الوقت الحالي وليست حقيقة واقعة.