هل تستمر العلاقة الجيدة بين أردوغان وترامب؟
د. سعيد الحاج
رحّبت تركيا في اتصال من أردوغان لترامب بفوز الأخير في الانتخابات الرئاسية الأميركية، والذي عبّر عن أمله في علاقات أفضل بين البلدين في رئاسته الثانية. بيد أن عودة ترامب للبيت الأبيض تأتي في ظل تطورات داخلية وإقليمية حسّاسة ودقيقة بالنسبة لأنقرة، تجعل من توجهات الرئيس الأميركي عاملًا محدِّدًا في عدد من الملفات المهمة.
تفاؤل
بعد أيام قليلة فقط من فوزه، اتصل الرئيس التركي مهنئًا دونالد ترامب بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أعادته للمكتب البيضاوي، معربًا عن أمله في تطور العلاقات بين البلدين في رئاسته، وكذلك في وضعه حدًا للحروب الإقليمية والدولية، في إشارة للحرب الروسية – الأوكرانية، والعدوان “الإسرائيلي” على كل من غزة ولبنان.
الاتصال المبكر يشير إلى الأهمية التي يوليها أردوغان للعلاقات الشخصية مع ترامب من جهة، وإلى تفاؤله بهذا الفوز، حيث لم تكن العلاقات بين أنقرة وواشنطن في أفضل حالاتها مع جو بايدن.
في اتصاله، امتدح الرئيس التركي ما وصفه بـ “الشراكة النموذجية التي لا تقبل الجدل” بين تركيا والولايات المتحدة، كما مدح الرئيسَ المنتخب الذي “قدم مثالًا رائعًا في مواجهة الكثير من المصاعب”، في إشارة لمحاولات الاغتيال، والحملة الانتخابية، والفوز على كامالا هاريس.
وقال أردوغان إنه طلب من ترامب خلال الاتصال الهاتفي وقف دعم بلاده للمليشيات الانفصالية في الشمال السوري، مشيرًا إلى أنه “تحدث بشكل إيجابي جدًا عن تركيا”، وأنه – أي أردوغان – دعاه لزيارة أنقرة ويأمل أن يلبي الدعوة.
وفي تصريحات لاحقة، عبّر أردوغان عن أمله في أن يوقف الرئيس الأميركي المنتخب الحرب في المنطقة، مشيرًا إلى أن “تعليق الدعم العسكري لإسرائيل قد يكون بداية جيدة”. كما نقلت عنه وسائل إعلام تركية قوله إن رئاسة ترامب ستؤثر بشكل جدي على التوازنات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط.
ويأتي فوز ترامب في ظل حديث متصاعد في الداخل التركي عن احتمال بدء عملية تسوية جديدة بخصوص المسألة الكردية، وتلويح تركي متكرر بعملية عسكرية إضافية في الشمال السوري، ورغبة أنقرة المتكررة في تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
كما تأتي في ظل قراءة تركية ترى أن العدوان “الإسرائيلي” على كل من غزة ولبنان بما في ذلك احتمالات الحرب الإقليمية تهديد مباشر لأمنها القومي ومصالحها، حيث حذّر أردوغان من “أنهم على بعد ساعتين ونصف عنا”، فضلًا عن تهديدات وزير خارجية الاحتلال السابق – وزير الدفاع الحالي – يسرائيل كاتس لأردوغان بـ “مصير صدام حسين”، بعد تلميح الرئيس التركي بإمكانية استخدام القوة مستقبلًا لوقف عدوان “إسرائيل”.
بين بايدن وترامب
يتندر بعض الإعلاميين الأتراك بأن العلاقات التركية – الأميركية كانت في عهد ترامب أفضل على المستوى الشخصي بين الرئيسين، وأسوأ على مستوى المؤسسات بعضها ببعض: (وزارتَيْ الخارجية والدفاع والمخابرات)، وأنها كانت في عهد بايدن أسوأ على الصعيد الشخصي، وأفضل على مستوى تواصل المؤسسات. وأضيفُ لذلك أنها كانت في الرئاستين متوترة ومتذبذبة، وأحيانًا متأزمةـ ولم يكن ثمة اختلاف جوهري في النتائج على معظم الملفات ذات الاهتمام المشترك.
في حالة بايدن، تأخر التواصل الهاتفي بين الرئيسَين، ولم يزر أردوغان البيت الأبيض في رئاسة بايدن، حيث أعلن عن تأجيل الزيارة الوحيدة التي كان أعلن عنها وفُهم حينها أنها قد ألغيت تمامًا. وفي عهده أخرجت تركيا رسميًا من مشروع مقاتلات “إف- 35” الذي كانت جزءًا رئيسًا منه وليست مجرد شارٍ، كما ماطلت الإدارة الأميركية في تسليم أنقرة مقاتلات “إف-16” التي قدّمت بديلًا لـ “إف- 35″، ومارست ضغوطًا كبيرة على تركيا لتوافق على عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي.
وإضافة إلى التوتر القائم بسبب نظرة بايدن لأردوغان وتصريحاته السابقة حول ضرورة دعم المعارضة التركية لإسقاطه، فقد تميزت السنة الأخيرة لبايدن باختلاف كبير في الموقف من الحرب على غزة، رغم أن واشنطن طلبت من أنقرة لعب دور في الوساطة مع حماس لإطلاق سراح الأسرى حاملي الجنسية الأميركية.
في المقابل، كان ثمة علاقات شخصية جيدة بين أردوغان وترامب، وامتدح الأخيرُ الرئيسَ التركي مرارًا، وأبدى تفهمًا لاضطرار أنقرة لشراء منظومة “إس- 400” الدفاعية الروسية؛ لأن إدارة أوباما رفضت التعاون معها، وأخذ في أحد الاتصالات الهاتفية بينهما قرارًا بسحب قوات بلاده من شمال سوريا بناءً على طلب أردوغان، وهو القرار الذي لم ينفذ لاحقًا؛ بسبب اعتراض البنتاغون.
بيدَ أن العلاقات لم تكن على ما يرام دائمًا بين الجانبين، بل عرفت عدة أزمات في مقدمتها أزمة القسّ أندرو برونسون، حيث هدد ترامب بـ “تدمير الاقتصاد التركي” عبر “توتير”، وأرسل رسالة بعيدة عن اللباقة الدبلوماسية لأردوغان.
فضلًا عن أن العقوبات الأميركية على تركيا بدأت في عهد ترامب نفسه، فيما يتعلق بمشروع “إف- 35″، وعلى قطاع الصناعات الدفاعية؛ بسبب صفقة “إس- 400” (رغم إبداء التفهم المشار له)، إضافة لفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم من تركيا، وعلى شخصيات سياسية ووزراء.
التوقعات
يعود ترامب مجددًا للبيت الأبيض، ويعود أقوى من السابق، بالنظر لنتائج الانتخابات وأغلبية الجمهوريين في الكونغرس، إضافة لكونها رئاسته الثانية المتحررة نسبيًا من الحسابات والضغوط السياسية المرتبطة بالانتخابات.
يضفي كل ذلك على توجهاته وسياساته وقراراته قوة وأهمية، ويجعل تأثيرها مباشرًا أكثر من السابق، لا سيما في ظل السياقات التي سلف ذكرها.
ولا شكّ أن أهم ما يشغل أنقرة حاليًا هو الملفّ الكردي داخليًا وفي سوريا، وعليه فإن أردوغان سيفعل ما بوسعه لإقناع ترامب بالعودة لقرار سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، والذي إن حصل سيكون له ارتدادات جوهرية ومحورية – إيجابًا – على الأمن القومي التركي لجهة مشروع “الدويلة الكردية” أو “الممر الإرهابي”، وكذلك بالتبعية لجهة ملف المصالحة الداخلية.
في المقابل، سيكون لأي توجّه أميركي بدعم خيار توسيع الحرب في المنطقة، كما يتوقع الكثيرون، ضد لبنان و/أو سوريا و/أو إيران، انعكاسات سلبية على تركيا اقتصاديًا وإستراتيجيًا، ولذلك فإن النداء الأول الذي وجهه الرئيس التركي لنظيره المنتخب، هو السعي لوقفها كما وعد، وسيبقى السؤال: متى وكيف؟
وعلى عكس ذلك تمامًا، فإن تنفيذ ترامب وعده الانتخابي بوقف الحرب الروسية – الأوكرانية، سينعكس إيجابًا على تركيا المتضررة منها على عدة صعد، كما أن نظرته للأمن الأوروبي ودور الناتو تزيد من أهمية تركيا في منظومة الأمن الأوروبية عمومًا.
وربما يكون الملف الأسرع توقيتًا بالنسبة لأنقرة هو ملفّ التسليح، حيث ستسعى لإقناع ترامب ليس فقط بإنفاذ صفقة “إف- 16″، بل كذلك إعادة تركيا لمشروع “إف- 35″، وهو ما يبدو مستبعدًا في المدى القريب بالنظر لعلاقات ترامب مع “إٍسرائيل” والتي لن ترغب بذلك، لا سيما خلال هذه الحرب، بينما سيكون الرهان التركي على جانب “رجل الأعمال” في الرئيس الأميركي الذي يحب إبرام الصفقات وتأمين الربح لبلاده.
وقد كان لافتًا أن تصريحات أردوغان أشارت فعلًا لصفقة “إف- 35″ وليس” إف- 16″ كمشكلة بين البلدين، وأنها أتت في سياق حديثه عن تفاؤله بتطوير العلاقات بخصوص الصناعات الدفاعية بين البلدين في رئاسة ترامب.
في الخلاصة، ثمة ملفات حيوية تريد أنقرة أن تتفاءل بإمكانية تسييرها وتطويرها مع ترامب بالنظر لتأثير توجهاته عليها وعلى تركيا بشكل معمّق ومباشر. ولكن شخصية الرجل المثيرة للجدل والمعروفة بالتقلب وتغيير القرارات لا توحي بثقة كبيرة بقدر ما هو أمل ورغبة.
بيدَ أن المقطوع به أن أنقرة ستحاول الحصول على الاستفادة القصوى من ترامب، وتجنب إغضابه أو أي أضرار يمكن أن تتسبب بها قراراته.
ولذلك فهي تتابع من كثب كيفية تشكيله لأركان إدارته، ولا سيما في وزارتَي الخارجية والدفاع، وكيف يمكن توظيف ذلك و/أو التفاعل معه لينعكس إيجابًا على الملفات المذكورة، إذ إن تركيبة الإدارة سيكون لها دور كبير في بلورة سياسات الرجل وتنفيذها على ما ترى أنقرة.