هل يسعى أكرم إمام أوغلو إلى الصدام مع الدولة؟
يسعى أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول، بشكل حثيث من أجل محاولة تكوين رأي عام ضاغط معه ضد مشروع قناة إسطنبول المائية الجديدة، التي تعتزم الحكومة التركية حفرها في مدينة إسطنبول، والتي تشكل حلماً ثم مشروعاً استراتيجياً للرئيس رجب طيب أردوغان منذ سنوات عديدة. وفي البداية؛ من هو رئيس البلدية الجديد، أكرم إمام أوغلو؟ فقد شهدت انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى على منصب رئيس البلدية، التي جرت في الثالث والعشرين من يونيو حزيران العام الماضي، تنافساً حاداً بين مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم، مقابل منافسه من حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، حيث فاز الأخير على منافسه بنحو 54 بالمئة من إجمالي الأصوات، مقابل نحو 45 بالمئة لصالح مرشح الحزب الحاكم.
أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الجديد، من مواليد مدينة طرابزون شمالي تركيا عام 1970، خريج كلية إدارة الأعمال في جامعة اسطنبول، ينحدر من أسرة متدينة ومحافظة اجتماعياً لكن لها تاريخ طويل في العمل السياسي، قال عن نفسه أنه أصبح أكثر تحرراً وتبنى القيم الديمقراطية الاجتماعية خلال مرحلة دراسته الجامعية، لم ينخرط في العمل السياسي التركي حتى عام 2008، وهو العام الذي انضم فيه إلى حزب الشعب الجمهوري، ليفوز بعدها بعام فقط برئاسة بلدية حي بيليك دوزو في القسم الأوروبي من اسطنبول من حزب العدالة والتنمية.
يرفض إمام أوغلو بكل قوة مشروع الدولة التركية بإنشاء قناة إسطنبول المائية والتي ستكون رديفاً لمضيق البوسفور، حيث يأتي منطق الحكومة التركية بأن مضيق البوسفور قد يتعرض إلى كوارث طبيعية بسبب حركة السفن الكبيرة العابرة له، ومن أجل أن تتضح الصورة أكثر للقارئ، نورد بعض الحقائق عن مضيق البوسفور؛ يصل عدد السفن التي يسمح مضيق البوسفور بين بحر مرمرة والبحر الأسود بمرورها عبره هي 25 ألف سفينة، في حين يصل متوسط عدد السفن التي ترغب في عبور المضيق سنوياً لـ 40 ألف سفينة، وهذا ما يُجبر السفن العابرة للمضيق على الانتظار حوالي 15 ساعة إلى حين تمكنها من والسماح لها بالعبور، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن كل سفينة خلال سيرها في المضيق؛ تُعدِّل من مسارها 12 مرة بسبب عدم استقامة المضيق، ما يؤدي إلى تزايد فرص اصطدام السفن بالأخرى وخاصة السفن الكبيرة. وحتى اليوم؛ حدثت 8 حوادث كبرى في مضيق البوسفور أودت بحياة ٧٣ شخص، وفي إحداها؛ اصطدمت سفينة كبيرة بأحد البيوت الأثرية على ضفاف البوسفور ما أدى إلى خسارة تقدر قيمتها بـ 1.3 مليار دولار حسب بيانات بلدية إسطنبول الكبرى.
تقول الحكومة عن قناة إسطنبول الجديدة التي سيكلف إنشاؤها 11 مليار دولار أمريكي؛ انها ستكون مشروع العصر للمدينة حيث ستقام على جانبيها مدناً عالمية بما تمتلكه من ثقافات وفنون ومشاريع ستعمل على زيادة عجلة الاقتصاد بتشغيل 11 ألف عامل، بجانب الاستفادة المالية لتركيا من القناة من خلال مرور السفن عبرها بمورد سنوي يبلغ 1 مليار دولار، بعد استلامه مهام منصبه الجديد، وفي سابقة مثيرة؛ قام أكرم إمام أوغلو، بعدد من القرارات المثيرة للجدل والشبيهة بتلك التي تم اتخاذها من قبل حزب الشعب الجهوري عقب عملية 28 فبراير / شباط الأسود أثناء الانقلاب العسكري، والتي تنتهك الحريات الدينية في تركيا، مثل إغلاق المؤسسات الدينية ومدارس الأئمة والخطباء وحظر الحجاب في الجامعات.
في أقل من ثلاثة شهور على تسلمه رئاسة البلدية؛ قام إمام أوغلو بتغيير شعار قناة بلدية إسطنبول الرسمية، حيث كان الشعار المشهور منذ عشرات السنوات يحتوي على مآذن في إشارة إلى مساجد إسطنبول وشهرتها بعدد المساجد، وتم استبداله بشعارات ملونة تشبه شعار المثليين –كما وصفته صحيفة يني شفق المقربة من الحكومة-، كما أصدر قراراً أثار جدلاً واسعاً بإغلاق مسجد في محطة مترو أوزون تشاير في منطقة كاديكوي في إسطنبول، افتتحته البلدية في عهد حزب العدالة والتنمية، وتميز بأن أبوابه كانت مفتوحة أمام المصلين على مدار اليوم؛ حيث يأتي إغلاق المسجد في تناقض واضح لإمام أغلو فيما كان يروِّج له أثناء حملته الانتخابية، فقد ظهر حينها وهو يقرأ سورة “يس” في إحدى مساجد إسطنبول رغم كونه أحد قيادات حزب الشعب الجمهوري المعارض للمظاهر الدينية في تركيا.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد صدر بيان عن مديرية النقل العام التابعة لبلدية إسطنبول، يفرض على سائقي الحافلات العمومية التابعة للبلدية، بحلق لحيتهم، ويستثني الذين لديهم أمراض جلدية، ويُقتَضى تقديم تقرير طبي بذلك، وجاء القرار على خلفية شكوى تقدمت بها “جمعية فكر أتاتورك” بحق سائق حافلة ملتحٍ، بحسب ما أوردته صحيفة “يني عقد”.
رامي الجندي – مدونات الجزيرة