اقـتصــاديـة

هل ينعكس تراجع تكلفة الشحن على أسعار السلع؟

الأسطول العالمي للسفن التجارية مرشح للنمو 9 %

في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي بلغ متوسط سعر شحن حاوية 40 قدما ذروته القياسية، مسجلا حينها 10300 دولار في المتوسط، المشهد يبدو اليوم مختلفا بشكل كبير، إذ تواصل أسعار شحن الحاويات الانخفاض بشكل ملحوظ، وفي بعض خطوط التجارة العالمية خاصة بين الصين والولايات المتحدة تبلغ تكلفة شحن حاوية 40 قدما نحو 2684 دولار فقط.

 

كما تبلغ تكلفة الحاوية المشحونة من آسيا إلى أوروبا تسعة آلاف دولار تقريبا، أي أقل 42 في المائة مما كانت عليه في بداية العام، ويقدر بعض كبار المصدرين الدوليين أن أسعار شحن الحاويات انخفضت بنسب تصل إلى 70 في المائة، مقارنة بالعام السابق.

لا شك إذا أننا أمام أخبار سارة لعديد من الفئات في مقدمتها المستهلكون، حيث تلعب أسعار الشحن دورا مهما في تحديد السعر النهائي للسلعة، ويرجع التراجع في الأسعار إلى تغيرات في ظروف السوق، مقارنة بالفترة التي تلت مباشرة تراجع وباء كورونا على المستوى العالمي ويقدر الخبراء أن أسعار الشحن قفزت بما يقرب من عشرة أضعاف خلال العام الماضي في ظل اضطراب في سلاسل التوريد وازدحام الموانئ، فزيادة الشحنات وعدم كفاية المتوافر من الحاويات أربك المشهد التجاري العالمي، ودفع المستوردين إلى التنافس بشكل حاد للحصول على أي عدد من الحاويات على متن السفن التجارية، بل إن بعض كبار تجار التجزئة في العالم مثل سلسة محال “وول مارت” الأمريكية استأجروا سفنهم الخاصة للتغلب على الاختناقات في حركة التجارة العالمية لماذا انخفض أسعار شحن الحاويات؟ يرى بعض الخبراء والعاملين في مجال الشحن أن الأسعار بدأت في الانخفاض في شهر يوليو الماضي، حيث تضررت الأسواق من تقلص الطلب في الأسواق الأوروبية والأمريكية بسبب ارتفاع التضخم، كما أن انخفاض الازدحام في الموانئ أدى إلى انخفاض الأسعار أيضا، إذ إن السرعة في إفراغ الحاويات وإعادة تصديرها خاصة للصين مد الأسواق بكميات كبيرة من الحاويات وهو أمر أسهم في انخفاض الأسعار.

 

مع هذا يقول إل.دي جونثان، محلل شحن الحاويات في مجموعة من شركات التأمين البريطانية “التجارب السلبية التي عانتها شركات التجارة العالمية العام الماضي فيما يتعلق بعدم توافر الحاويات دفعهم لشحن السلع مبكرا عن مواعيدها هذا العام، وبات لديهم مخزون كبير جدا بعد أن تسابقوا لاستيراد البضائع في وقت أبكر من المعتاد، خوفا من تأخر عمليات الشحن، كما أن الطفرة الوبائية في الطلب على المنتجات الاستهلاكية تراجعت، خاصة بالنسبة لشركات بيع الإلكترونيات بالتجزئة التي تتقلص مبيعاتها الآن، وأيضا زاد إنفاق المستهلكين على السفر والترفيه والخدمات ومن ثم انخفض طلبهم على السلع”.

 

ويضيف “كشفت وكالة ستاندر آند بورز للتصنيف الائتماني في تقرير لها في الأسبوع الأول من سبتمبر الماضي أن استخدام السفن في الممرات التجارية من الشرق الأقصى إلى الغرب أقل 90 في المائة منذ يوليو الماضي، ما يشير إلى حدوث تغيير في معادلة العرض – الطلب” ويدلل إل.دي جونثان على صحة تحليله بالقول “في 2021 أنفق المستهلكون في الولايات المتحدة 34 في المائة على السلع المعمرة، مقارنة بـ 2019، هذا الازدهار الاستهلاكي يعود إلى سياسة التحفيز الاقتصادي والانخفاض النسبي في الإنفاق على الخدمات، ومنذ فبراير الماضي بدأ الوضع في التغير، إذ انخفض الإنفاق على السلع المعمرة 2.5 في المائة، بينما ارتفع الإنفاق على الخدمات 1 في المائة” ولا تنفي الدكتورة ويندا إليسون، أستاذة التجارة الدولية في جامعة لندن لأهمية تلك العوامل، لكنها ترى أن تراجع أسعار الحاويات والشحن دوليا يعد نتيجة مباشرة لارتفاع معدلات التضخم والرفع المتواصل لأسعار الفائدة على المستوى الدولي من قبل البنوك المركزية ولـ”لاقتصادية” تعلق قائلة “رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية الرئيسة أسعار الفائدة منذ بداية العام عدة مرات لكبح جماح التضخم، والدورة الراهنة لرفع أسعار الفائدة هي الأكثر عدوانية منذ 1981، رفع الفائدة بشكل متواصل يعمق مخاطر الركود الاقتصادي، الذي يؤثر في الطلب، ويؤدي إلى فقدان الزخم الاقتصادي، هذا يعني أن على العالم الاستعداد لانخفاض أسعار السلع والمنتجات النهائية، واقتصادات الأسواق الناشئة الموجهة للتصدير ستكون أكثر عرضة للرياح المعاكسة، التي ستضرب الاقتصاد العالمي” لهذا تعتقد الدكتورة ويندا اليسون أن أسعار الشحن ستتراجع بشكل أكبر خلال الفترة المتبقية من العام الجاري وفي العام المقبل أيضا.

 

ربما تتفق وجهة النظر تلك مع الأنباء، التي تشير إلى أن سلسلة من السفن الجديدة ستنضم إلى الأساطيل التجارية على مدار العامين المقبلين، وسينمو الأسطول العالمي من السفن التجارية 9 في المائة العام المقبل، وكذلك في 2024، بينما سيتراجع نمو الحاويات بشكل طفيف العام المقبل على أن يرتفع 2 في المائة في 2024.

 

وتتوقع كبريات شركات الشحن العالمية أن ينخفض إنتاج الحاويات 37 في المائة هذا العام بعد 2021 القياسي، مع هذا سيظل عدد الحاويات المتاحة للاستخدام على المستوى العالمي أكبر بكثير من العدد المطلوب لدعم المتطلبات الحالية والمتوقعة للتجارة الدولية، إلا أن هذا لم يمنع شركة مورسك إحدى أكبر اللاعبين في صناعة النقل البحري وشحن الحاويات من رفع توقعاتها بشأن أرباحها السنوية للمرة الثالثة هذا العام.

 

ورفعت الشركة توقعها للأرباح التشغيلية الأساسية من 24 مليار دولار إلى 31 مليار دولار، بينما قدرت شركة “دروري” الاستشارية المستقلة للبحوث البحرية أن الصناعة بأكمالها ستحقق أرباحا تشغيلية قدرها 270 مليار دولار هذا العام أي أكثر من عشرة أضعاف الأرباح المحققة 2020.

بالطبع تكشف تلك الأرباح الضخمة الطابع الاحتكاري للصناعة، وهو ما دفع بوزارة العدل الأمريكية واللجنة البحرية الفيدرالية إلى الإعلان بأنهما سيعملان على خفض الأسعار، وأعلن البيت الأبيض في بيان له أن الزيادات في تكلفة الشحن ستسهم بنحو 1 في المائة من الزيادة في الأسعار العام المقبل، مؤكدا أن زيادة أرباح بعض شركات الشحن سبعة أضعاف دليل على ما تتمتع به من قوة احتكارية.

 

في هذا السياق، يشير الباحث في أسواق الشحن ك. رايمون إلى أن معدلات أسعار الشحن في الوقت الراهن، وعلى الرغم من تراجعها، مقارنة بالعام الماضي لا تزال في المتوسط ضعف ما كانت عليه قبل جائحة كورونا، وفي بعض خطوط الشحن تصل إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الجائحة، ويرجع ذلك إلى أن حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي تترك بصمات سلبية على أسعار شحن الحاويات ويقول لـ”الاقتصادية” “انخفاض الطلب على الشحن يعني أن التكاليف يجب أن تنخفض، وأن تتراجع الاختناقات في سلسلة التوريد، وسيكون هناك ما يمكن وصفه بتطبيع تدريجي لمعدلات الشحن وسيحدث هذا في الربع الأخير من العام الجاري، وستهبط الأسعار بشكل كبير في الربع الأول من العام المقبل، حيث ستشهد الأسواق هدوءا وتباطؤا دون أن يكون الوضع كارثيا “ويعد ك. رايمون أن الحرب في روسيا وأوكرانيا عقبة إلا أنها ليست ذات تأثير على أسعار الحاويات فالبلدان لا يدخلان ضمن اللاعبين الكبار في التجارة الدولية، لكن المؤثر الأكبر على الطلب على الحاويات هو عمليات الإغلاق في الصين نتيجة سياسة صفر كوفيد، خاصة أن الصين تسهم بمفردها بـ 15 في المائة من التجارة الدولية، فتطورات التسعير في الشحن من الصين تحدد تطورات الأسعار عبر العالم.

 

وحتى الآن تكشف تقارير شركات الشحن العالمية الاتجاه لتقليص الفجوة بين الأسعار الفورية للشحن والمعدلات طويلة الأجل التي تكون تقليديا منخفضة، فالعلاقة السعرية حاليا بين الجانبين إما متكافئة ، وإما أن الأسعار الفورية تصل إلى ما دون المعدلات طويلة الأجل، وهذا يعني أن سوق شحن السلع بحريا باستخدام الحاويات تشهد تحولات مهمة، وأن الأزمة تنتهي في أسواق شحن السلع، تمهيدا لظهور أزمة في مكان آخر في الفترة المقبلة، وهي أزمة ستكون متعلقة بقضية التخزين والبحث عن مستودعات يمكنها استيعاب التدفقات السلعية التي يطلبها المستوردون وتلك قصة أخرى.

 

يذكر أن معهد أبحاث الاقتصاد في مدينة كيل الألمانية أعلن الخميس الماضي رصد انخفاض ملحوظ في أسعار الشحن بسفن الحاويات، التي كانت قد ارتفعت بقوة بعد اندلاع جائحة كورونا.

كما أعلن المعهد رصد حدوث تراجع بطيء في ازدحام سفن الحاويات في الخليج الألماني بسبب ركود التجارة العالمية.
وذكر المعهد أنه بغض النظر عن هذه التطورات، هناك 12 في المائة من كل البضائع المنقولة بحرا لا تزال عالقة في اختناقات مرورية قبالة موانئ الحاويات المهمة على مستوى العالم.

وأوضح مؤشر كيل للتجارة في أحدث قراءة تراجعا طفيفا في حجم واردات وصادرات ألمانيا في سبتمبر، مقارنة بأغسطس بنسبة سالب 0.5 في المائة و0.1 في المائة على الترتيب.

وفي المقابل، أفاد المؤشر بأن حدة التراجع في الواردات في الولايات المتحدة كانت أكبر، حيث وصلت إلى سالب 4.4 في المائة ووصلت في الصين إلى 3.9 في المائة.

وذكر المعهد أنه من الممكن لروسيا أن تتوقع زيادة طفيفة في الصادرات والواردات.

وقال فينسنت شتامر، مدير مؤشر كيل للتجارة، إن “التجارة في سبتمبر هيمن عليها ضعف في طلب أوروبا وأمريكا الشمالية على البضائع الواردة من الصين”، مشيرا إلى أن هذا الأمر اتضح بالدرجة الأولى في التراجع القوي في أسعار الشحن على نقل البضائع من الصين إلى أمريكا الشمالية وأوروبا.

وذكر المعهد أن هذه الأسعار آخذة في الانخفاض بشكل سريع منذ نحو أربعة شهور ولفت المعهد إلى أن أسعار الشحن من الصين إلى الساحل الغربي الأمريكي عادت تقريبا إلى المستوى نفسه الذي كانت عليه قبل أزمة كورونا، فيما لم تصل أسعار الشحن من الصين إلى غرب أوروبا إلى هذا المستوى بشكل كامل بعد.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى