أخــبـار مـحـلـيـةمقالات و أراء

أردوغان :سياسي وعد بالممكن ..وحقق المستحيل

أردوغان :سياسي وعد بالممكن ..وحقق المستحيل

الَوجْهُ صَخريّ كاريزمي

النظراتُ جُرف صارم  

الدَمُ بَرْقٌ حاسِمٌ كما القصيدة /السهم

 

بقلم:ناهد الزيدي – تركيا الآن

القَلبُ: قال لا يهوى غيرها .تركيا،بُركانٌ مُنْدلِعٌ من تجاويف قصية . أما كلماتُه فمختارة بعناية شديدة . لذلك لم يكُن غريباً أنْ أكتُبَ عن هذا الجَبلُ  ما استطعت إليه سبيلا . صورة قلمية ،ولست أروم من وراءها أن أبدو في مقام المخالفة طلبا للإثارة أو بحثا عن لفت الانتباه، كما أني لا أرمي الى أن أكون في موقف التبرير الذي يمكن أن يخدم هذا الطرف أو ذاك. لكنها قراءة أحببت أن أبلغها الى المعني بأمر تسطيح الحكم و خراب الأوطان دون استثناء وهميّ  مع حساب بعض الاختلاف هناك أو هنالك…

إنها ملحاحية  الصّورة التي أحرص على أن تبقى في الرمايا جلية صافية، ولا أرى ما يقول الفارغون.. هم بعض أسباب هذا  التنزيل:

24 يونيو كان يوما مشهودا في تاريخ الفكر السياسي التركي، ستحفظه الذاكرة العالمية ولن تستطيع محوه أو تجاوزه وهي توثق للسنوات القادمة من عمر “تركيا الجديدة”, 

كنت شاهدة عينية على سير انتخابات جرت بشكل سليم ،كما كنت في موقع الحدث حين أقرّ مرشح المعارضة محرم إنجه ـ ( 30.7 في المائة من الأصوات،) الذي لم يشفع له ما أسماه في السباق التركي ب:”حلول جريئة للقضية الكردية وإنهاء لسياسة “حكم الرجل الواحد” ـ بخسارته أمام منافسه الرئيس رجب طيب أردوغان.( 52.6 في المائة من الأصوات).وخاطب فخامته  عن مضض قائلا “فلتكن رئيسا لنا جميعا واحتضن الجميع، كنت سأفعل ذلك لو تم انتخابي”.كذلك الأمر بالنسبة لميرال أكشنار “أنثى الذئب“( 7.35في المائة من الاصوات ) خانها صوتها الجهوري حين صدح وقال: سنتخلص من الديون ونعيد السوريين إلى أراضيهم فيما أعيدت هي في طرفة عين  إلى “مرآتها المتشظية”.وانقلبت موازينها،ولم يكتمل  كحل معراجها في عيون الناظرين المترقبين فوزا كان  أقرب إلى “الخيال”،والكلام للمنسحبين من حزب “الخير”أو “الصلاح”تباعا وبأعداد غفيرة.

لا محالة أن الانتخابات كشفت الحجب عن هشاشة قيادات المعارضة سياسيا حين تحدثت صناديق الاقتراع بأرقام فارقة،كما وسعت  قاعدة حكم الرئيس،حثى أنها برأي أغلب الملاحظين رسخت إلى حد ما ما يمكن نعته ب “الحالة الأردوغانية التي وجدت فرصتها لتجديد مجرى نهر الرئاسة .. وكان الرهان هو قدرة الرئيس التركي على وضع سياساته موضع التنفيذ وتبني برامجه على نحو كامل سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني… إنجازات وسقف توقعات يجبر القوى الغربية للتعاطي مع تركيا اليوم، وفق سياسات الأمر الواقع القائم على ضرورات تعظيم المصالح المشتركة، والتجميد النسبي لملفات التوتر والصراع، في ظل تفهم متبادل لخصوصية العلاقات على المستويات المحتلفة.

 

أردوغان:
سياسي وعد بالممكن وحقق المستحيل..!


1 – الضارب في عمق الاستثناء:

في شخصية أردوغان:
اجتمعت كل ميزات الشعب  التركي العظيم، وعلى نحو غريب وعجيب وضارب في الاستثناء.
مع ذلك..
هو ما قال، ولم يقل قط قولة الملك لويس الفرنسي:
– أنا تركيا.وتركيا أنا.
بل على الدوام يجهر سرا وعلانية:
– أنا واحد من الأتراك الذين آمنوا بأن الوطن يعيش بداخلنا أكثر مما نعيش نحن بداخله.
بلى.
أردوكان ظل دوما ذاك الزعيم البارز باختلاف، المختلف ببروز، الذي آمن بحقيقة ساطعة يغيب جوهرها عن غيره من زعماء العالم النامي:
– ليس مهما ماذا اعطتني تركيا.المهم ماذا أعطيت أنا لتركيا.

2 – ذكاء البساطة وبساطة الذكاء:

ثمة لدى هذا الزعيم التركي الكبير والمميز، شيم غزيرة، لا أخالها – من وجهة نظري – وهبت لسواه:
– في عوالم السياسة.
– في عوالم الزعامة.


سياسيا:
انحاز أردوغان إلى الاقتصاد المتزمل بما هو اجتماعي، عكس غيره من القادة السياسيين، الذين سقطوا بسبب غياب الهم الاجتماعي في أجنداتهم التنفيذية.
عبر هذا الانحياز المثمر، تمكن سيد تركيا أردوغان من تحقيق مكتسبات تتبدى مستحيلة عربيا..!!
كاريزميا:
تمتع الرجل / الرئيس بميزات تلتمع بها جل الأعين، سواء في تركيا، أو عبر العالم، خاصة العالم العربي.
ما هي بخارقة هذه الميزات، لكنها بسيطة في ذكائها، وذكية في بساطتها.
وهنا – تحديدا – تكمن مهارة أردوغان.
مهارة رفع حصيلته دون إمكانات كبيرة.
بينما في (قبائل بني يعرب) ثمة إمكانات كبيرة جدا وحصيلة ضئيلة جدا، وربما منعدمة..!!

3 – نسيج سياسي وحده:

في انتخابات الرئاسة الأخيرة بتركيا، تبدى لكل المراقبين أن أردوغان سياسي نسيج وحده في كل شيء.
الرجل قاد ترشحه للرئاسة بذكاء استثنائي، لمعت فيه وعبره الكثير من شمائله الفذة:
– قدراته الكبيرة في الإقناع.
– مهاراته في طرح البرامج العملية لتحقيق مزيد من القفزات للشعب التركي.
– زخمه المنظور في تبيان أوجه الخلل، وطرائقه العملية في معالجتها.
من هنا، آل المسار السياسي لهذا القائد التركي إلى تحولات عميقة مست البلاد، كان هو وراء إحداثها بكثير من الجموح الموجب لا السالب.

4 – بلاغته في القول السياسي:

تميزت خرجاته في أوج التنافس الانتخابي، بكثير من الشيم يمكن اختزالها في ثلاثة ميزات:
الأولى:
تتمحور حول بلاغة الخطاب السياسي.
أردوكان خطيب مفوه، متمرس، ومدرب على أن يكون قيد خدمة وطنه في كل المراحل.
– يستخدم الكلمة في سياقها التام.
– يطلق الرأي في إبانه.
ثم يجعل من صوته الواثق جسرا بين الذات / البث،  والآخر / الاستقبال، ببراعة عجيبة، تلهب الجماهير.
إنه ليس (شعبويا) يبيع الكلام المعسول الخشبي المنق للجماهير، على غرار القادة العرب من محيط التخلف إلى هوان المحيط..!!
تتسم بلاغة الخطاب السياسي عنده بإتقان الجهر بالحقائق لا إعلان الأوهام.
لغته واضحة، لا لبس فيها، تتجه مباشرة إلى الهدف، دون أي استخدام للمجاز الجانح.من هنا يتواصل معه الشعب التركي الذكي بوافر الثقة في شخصه وخطابه.
الثانية:
تتعلق ببذخ الحضور وعمق الطلة.
أردوغان لا يتكلم عبر اللغة فقط.بل أيضا من خلال حضوره المتسم بالفاعلية والدهشة والإبهار.
لذلك نلاحظ أن خرجاته، أو لقاءاته مع الجماهير، تتبدى دوما موشومة بثلاثية:
أ – التعبير الجسدي المتجانس تماما مع منطوق الخطاب.يمكن تلمس ذلك في حركة اليدين التي تؤكد فكرة ما.أو تجسد نفيا لمغالطة معينة.
ب – التدرج الذكي في مستويات الصوت (هبوطا / صعودا / الهدوء / الانفعال / الفتور / الحماس).عبر ذلك تصل الفكرة السياسية بشكل شامل إلى الجماهير.
ج – التركيز على الإخفاقات قبل المنجزات.مما يستدعي ما يمكن تسميته (موضوعية الإنصاف).ذلك أن أردوغان شديد الواقعية مع نفسه ومع الأتراك.
الثالثة:
ترتبط بإحداث التوازن في قراءة الوضع السياسي.
هنا نلاحظ – بجلاء – أن الرئيس التركي أردوغان، يقرأ بإمعان حالة الطقس السياسي عبر توازن خلاق وألمعي.وانطلاقا من المحسوس لا من المجرد.
هو لا يمارس التنظير.بل يعالج الواقع بأدوات السياسي الذي يمسك بزمام الطموح الممكن لا المستحيل.

5 – وعد بالممكن وحقق المستحيل:

وعد رجب الطيب أردوغان الشعب التركي بالممكن، لكنه حقق المستحيل.
هنا المفارقة.
ذلك أن حكام العالم الثالث يقدمون لشعوبهم وعودا تتضمن
المستحيل ولا تحقق حتى الممكن..!!
هنا تكمن القيمة السياسية لهذا الزعيم التركي البارز، الذي بدأ صعوده السياسي بكثير من النضج، وبأقل الخسائر.
من ثم:
يصح أن يحتل أردوغان قمة تركيا، ليس باعتباره رئيسا لها، بل بحسبانه واحدا من الأتراك الذين آمنوا بوطنهم فصنعوا معجزات مدهشة.

 

 

6 – الإحالة على التاريخ والهوية:

بعد فوزه في انتخابات الرئاسة التركية، زار أردوغان  ضريح الصحابي أبو أيوب الأنصاري، وضريحي السلطانين العثمانيين محمد الفاتح وسليم الأول في إسطنبول.
هذه الزيارة لها محمول رمزي كبير، يمكن فهمه في سياق ربط تركيا بتاريخها المجيد، ثم الإحالة الذكية على البعد الإسلامي للشعب التركي.
أردوغان ماهر جدا في الإيحاء واللعب بالرموز، والإسقاطات السياسية التي تصيب مرمى الهدف.
وأجندة تحركاته وخرجاته، دوما تحمل عنصر المفاجأة التي تعكس رؤية الرئيس، ومواقفه المختلفة.
إنه فن الإحالة على التاريخ والهوية.

7 – قوة حضوره السياسي:

برقيات التهاني الكثيرة التي توصل بها أردوغان، بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة، لا يمكن إدراجها – فقط – في إطار ما يمكن تسميته (بروتكول العلاقات).
بل يجب النظر إليها – أيضا – باعتبارها اعترافا ضمنيا جليا بقوة الحضور السياسي لأردوغان، وإشادة رمزية بحجم نجاحه في قيادة دولة كبيرة في قيمة تركيا.
أردوغان اعتاد على صنع الدهشة العالمية، من خلال مواقفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجريئة، التي ينطلق منها مجسدا طموح الشعب التركي وآماله في النهوض والتنمية والتحديث.

8 – قوته في الداخل / الخارج:

تمكن أردوغان من تحقيق المعادلة الصعبة، التي تصل حد الاستحالة، وهي:
– إحراز النجاح على صعيد السياسة الداخلية.
– إحراز النجاح على مستوى السياسية الخارجية.
ومن دون ريب إن تركيا في عهد أردوغان ذات مكانة كبيرة في المحيط العربي والكوني.
تركيا – عبر مواقف أردوغان – تبدت ذات نفوذ عالمي يحظى باحترام وهيبة لا حد لهما.
ذلك لأن أردوغان وانطلاقا من (وسطية متميزة) تمكن من تحقيق مكاسب جمة على الصعيدين.
صحيح أنه لم يركز على الخارج على حساب الداخل.بيد أنه لم يضع الداخل على هامش الخارج.
وتلك قوته المدهشة.

 

بقلم:ناهد الزايدي – تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى