أخــبـار مـحـلـيـة

أردوغان يغيّر قواعد اللعبة بعد الانتخابات.. “فورين أفيرز”: تركيا تتطلع لدور عالمي أكبر وهذا ما على أمريكا فعله

سلطت مجلة “Foreign Affairs” الأمريكية، الجمعة 11 أغسطس/آب 2023، الضوء على الحملة الانتخابية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفوزه المستحق بالانتخابات رغم طيف واسع من معارضة تحالفت لإسقاطه، ولم تنجح، مشيرة إلى أن على أمريكا والغرب أن يغيرا من طريقة تعاملهما مع أنقرة. 

وفي مقال للمجلة المختصة بالتحليلات السياسية، كتبه باحثان في معهد بروكينغز الأمريكي، أكد بشكل واضح صعود قوة تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان عالمياً، في مجالاتها السياسية الداخلية والخارجية، وعلى دورها المحوري في قضايا عدة خلال العقد الماضي.

المقال بدأ من حملة أردوغان الانتخابية، حيث قالت الصحيفة: “لا يقوم أحد بالحملات الانتخابية مثل الرئيس التركي”، فقبل أشهر من انتخابات تركيا في مايو/أيار 2023، كشف أردوغان النقاب عن شعار حملته الانتخابية “القرن التركي” أمام جمهور مفعم بالحماس يتكون من آلاف الأشخاص، متعهداً بجعل تركيا “من بين العشرة [البلدان] الأولى في العالم في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والدبلوماسية”. 

ووفقاً للصحيفة، فإن الهدف من الخطاب كان توصيل رؤية أردوغان للجمهورية التركية في الذكرى المئوية لتأسيسها: “قوة صاعدة على وشك السلام والازدهار خرجت منتصرة من معاركها العديدة مع الإمبرياليين، وأصبحت أخيراً جاهزة لتأخذ مكانها الصحيح كقوة عالمية”.  

تركيا ما قبل وبعد أردوغان 

بحسب الباحثين، فقد انتهى بحث تركيا الذي استمر لعقود عن الهوية، حيث تعيش أنقرة اليوم مرحلة “ما بعد الغرب”، ولم تعُد تسعى للحصول على موافقته، أو تطمح إلى المثل الليبرالية الغربية، ولم تعد تعتمد على الغرب.  

يتحدث المقال عن تركيا قبل أردوغان، مشيراً إلى أن هويتها كانت قائمة على إرث مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، الداعي إلى التوجه نحو الحضارة الغربية والانتماء لها. 

كما أشار المقال إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حينما حاولت تركيا حماية نفسها من التهديد الدائم للتوسع السوفييتي، وهو ما دفعها أيضاً نحو الغرب، من خلال ترسيخ نفسها في المؤسسات الأوروبية الأطلسية ومحاولة اللحاق بالديمقراطيات الغربية المتقدمة والمزدهرة. 

في المقابل، نظرت واشنطن إلى تركيا من منظور الحرب الباردة كدولة حدودية مفيدة في الحرب ضد الشيوعية والنفوذ السوفييتي، لكن اليوم، الصورة مختلفة تماماً. 

بحسب المقال، فإنه منذ أن تولى أردوغان السلطة عام 2002، وخاصة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكومته في عام 2016، ساءت علاقة واشنطن مع أنقرة بشكل مطرد، وهي الآن أقل متانة من العلاقات التي تقيمها الولايات المتحدة مع العديد من القوى غير الأعضاء في الناتو. 

وتابع المقال: “غالباً ما يصف السياسيون الأتراك، بمن فيهم أردوغان، الولايات المتحدة بغضب بأنها خصم وليست شريكاً، وعندما فرضت واشنطن عقوبات على تركيا عام 2020 لشرائها أنظمة صواريخ أرض-جو إس -400 من روسيا، على سبيل المثال”، وصف أردوغان القرار الأمريكي بأنه “هجوم صارخ” على السيادة التركية، وقال إن “الغرض من العقوبات هو منع الخطوات التي اتخذتها بلادنا في.. صناعة الدفاع، وإبقاؤنا تابعين”.

كما أوضح المقال أن بعض صانعي السياسة الأمريكيين يشكون علانية في التزام تركيا بحلف شمال الأطلسي، ويخشون أن تقترب أنقرة من موسكو، بحسب الصحيفة.

لكن هذا الغضب المتبادل بدأ مؤخراً في التراجع إلى شيء يشبه القبول. 

بحسب المقال، فإن تركيا في عهد أردوغان تعمل على أساس أن الغرب في “حالة انحدار”، وأن عالماً متعدد الأقطاب آخذ في الظهور، وهو ما يوفر ظاهرياً انفتاحاً لصعود تركيا إلى مكانة “قوة عظمى”. 

 لكن تركيا، بحسب المقال، لا تريد تغيير المعسكرات بالابتعاد عن حلف شمال الأطلسي والتوجه نحو منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة دفاع وأمن أوراسية شكلتها الصين وروسيا في عام 2001 في محاولة لمنافسة الناتو، لكنها ترغب في الحفاظ على قدم لها في كل معسكر مع توسيع نفوذها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وقوتها الاقتصادية على نطاق واسع.

كما أشار المقال إلى أن أردوغان يسعى إلى انفصال واضح عن الغرب عندما يتعلق الأمر بالأيديولوجيا والثقافة والهوية، إلا أنه يحاول أيضاً تنفيذ عملية توازن مدروسة بعناية بين القوى العظمى، على أمل إيجاد المزيد من الفرص التي يمكن لتركيا أن تمارس فيها نفوذها.  

تركيا وروسيا 

بخصوص العلاقات الروسية التركية، أشار المقال إلى أنه في الوقت الذي كان التباعد يزداد بين الولايات المتحدة وتركيا، ازدهرت العلاقات الروسية التركية بشكل عام، ونجت حتى الآن من الامتحان الذي فرضه الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد امتنع أردوغان عن أي انتقاد مباشر للفظائع الروسية، وكثيراً ما دعم رواية موسكو بأن الغرب أثار غزو أوكرانيا.

وفي سبتمبر/أيلول 2022 قال أردوغان: “يمكنني القول بوضوح إنني لا أجد موقف الغرب [تجاه روسيا] صحيحاً”. كما رفضت تركيا الامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا وحافظت على علاقات اقتصادية وسياسية مع الكرملين، مدعومة بعلاقة أردوغان الشخصية الوثيقة مع بوتين. 

في الوقت نفسه، تظل أنقرة وموسكو منافسين استراتيجيين، حيث تدعمان أطرافاً متعارضة في حروب بالوكالة في ليبيا وسوريا، وعلى الرغم من رفضه القبول بالرواية الغربية بشأن الحرب في أوكرانيا ومعاقبة روسيا، فقد وقف أردوغان بكل معنى الكلمة إلى جانب كييف في حربها ضد موسكو، وأقام علاقات صناعية دفاعية وثيقة مع أوكرانيا، وزوّدها بالأسلحة، وحتى دعم محاولة أوكرانيا للحصول على عضوية الناتو، وفقاً للصحيفة.

تركيا وأمريكا

فيما أوضح المقال أنه قد ولَّت الأيام التي كان يمكن لرئيس أمريكي أن يقف فيها إلى جانب القادة الأتراك، ولكن لا يزال بإمكان واشنطن بناء علاقة فعالة مع الدولة التي أصبحت عليها تركيا.  

وأضافت الصحيفة: “قد تكون أنقرة بعيدة عن كونها حليفاً مثالياً، ولن تتأثر بمناشدات القيم المشتركة أو أهمية ما تعتبره واشنطن نظاماً دولياً قائماً على القواعد، لكن براغماتية أردوغان وطموحاته الإقليمية ومعاملاته تجعل العلاقة المثمرة ممكنة”.

وتناولت الصحيفة استراتيجية إدارة بايدن في تركيا التي كانت في جوهرها تتمثل في الإبقاء على مسافة “مهذبة” مع أنقرة، وهذا يعني تقليل وتيرة الدبلوماسية الرئاسية التي ميزت معظم حقبة ترامب، على حساب العلاقات الثنائية في كثير من الأحيان، لكن ووفقاً للصحيفة فإن النسبة للجزء الأكبر من هذه الاستراتيجية، نجاح نهج بايدن بشكل جيد، حيث خفض التوقعات على كلا الجانبين وتغلب على الاختلافات.

واستكملت الصحيفة: “حافظت الإدارة على روابط مع تركيا، ولكن فقط في القضايا ذات الأهمية الفورية، مثل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في عام 2021 والاتفاق بين روسيا وأوكرانيا الذي سمح للأخيرة بشحن الحبوب عبر البحر الأسود، فقد لعب أردوغان دوراً رئيسياً في الصفقة، من خلال إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسماح لشحنات الحبوب بالخروج من ميناء أوديسا الأوكراني – لمدة عام على الأقل”. 

وبيَّنت الصحيفة أن  أردوغان كان دوره مهماً بصفته الهامس في أذن بوتين. لكن التعاون الأمريكي التركي بشأن التحديات الجيوسياسية الأوسع كان منخفضاً أو غير موجود، ولا تزال إدارة بايدن قلقة (وتلتزم الصمت في نفس الوقت) بشأن نهج تركيا الإقليمي الحازم.

هذا بشكل عام، يمثل تطوراً إيجابياً للولايات المتحدة وحلفائها الآخرين، فتركيا في النهاية تقع في قلب العديد من تحديات السياسة الخارجية الرئيسية لواشنطن، وفقاً للمقال.

الصحيفة أشارت إلى أن موقع تركيا الاستراتيجي على البحر الأسود – الذي يربط روسيا والشرق الأوسط وأوروبا – يجعل البلاد لاعباً مهماً في الحرب في أوكرانيا وحيوياً لجهود الغرب لاحتواء روسيا، وإذا بدأت المفاوضات بين كييف وموسكو، فقد تثبت علاقة أردوغان مع بوتين أنها رافعة مهمة للغرب. 

كما أوضحت الصحيفة أن تمتد أهمية تركيا بالنسبة لواشنطن وحلفائها إلى ما وراء منطقة البحر الأسود، حيث يمكن أن تساعد أنقرة أيضاً في الحفاظ على الاستقرار في القوقاز، حيث يمكنها دفع حلفائها الأذربيجانيين للتوصل إلى اتفاق سلام مع أرمينيا، وينطبق الشيء نفسه على العراق وسوريا، حيث يساعد الوجود التركي واشنطن في الحفاظ على قدر ضئيل من النفوذ.

بحسب الصحيفة، تأمل واشنطن أن تتمكن تركيا من المساعدة في إنشاء بنية مستدامة لنقل الطاقة تسمح لأوروبا بأكملها بالاستفادة من الموارد الهائلة المحتملة في شرق البحر الأبيض المتوسط.  

تبني عقلية “تبادل المصالح”

في الخلاصة، شدد المقال على أنه يجب على واشنطن أن تسعى إلى استقرار علاقتها مع أنقرة، وهذا يعني التحرك نحو تبني عقلية تبادل المصالح.  

كما لفت المقال إلى أنه قد تكون المساومة الناجحة في قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس بشأن انضمام السويد إلى الناتو نموذجاً على هذه العقلية.  

وزدات “من الواضح أن أردوغان كان في مزاج يسمح له بالتبادل المصلحي، وفي مقابل دعم محاولة ستوكهولم للانضمام إلى التحالف، طالبت تركيا بتنازلات ليس من السويد فحسب (بما في ذلك إنهاء حظر الأسلحة السويدي غير الرسمي على تركيا، وقانون مكافحة الإرهاب السويدي الأكثر قسوة، وتسليم العديد من طالبي اللجوء المرتبطين بحزب العمال الكردستاني) ولكن من الولايات المتحدة أيضاً”. 

الصحيفة أكدت أنه يمكن أن تكون العلاقات الأمريكية التركية في وضع أفضل لصالح الاقتصاد التركي. يساعد أنقرة على تحقيق التوازن ضد روسيا، ويمنح واشنطن مزيداً من الثقة مع تنامي نفوذ الصين في الشرق الأوسط. 

وتابعت: “تُعد تركيا في عهد أردوغان نموذجاً أولياً لنوع القوة المتوسطة التي يجب على واشنطن أن تتوقع ظهورها في كثير من الأحيان في عصر المنافسة الجيوسياسية القادمة. هذه القوى التي ستكون (لا أعداء ولا حلفاء) لن تفهم صراع واشنطن مع بكين وموسكو من الناحية الأخلاقية أو الأيديولوجية، بل سوف تسعى إلى الحفاظ على استقلالها من جميع الجوانب”. 

زر الذهاب إلى الأعلى