مـنـوعــات

ألف عام على إنشائه بمصر.. عودة التراويح إلى مسجد الحاكم بأمر الله

في كتابه “ملامح القاهرة في ألف سنة”، كتب الروائي المصري الراحل جمال الغيطاني (1945-2015) “عندما نقف الآن في صحن المسجد الفسيح المتهدم، تهيمن علينا مسيرة الحاكم بأمر الله، كأنه يرقبنا من مكان خفي. لقد صلى هنا، ومشى هنا.. وإلى المسجد يجيء بعض الناس من الهند بين فترة وأخرى، من بقايا الفاطميين هناك”.

ويتابع الغيطاني في كتابه “إن الأعمدة تقاوم جاهدة البلى، نلمح الإعياء فوق جدرانه، والخراب حول مئذنتيه. يجول بالذهن خاطر، هل يعود الحاكم يوما ليعمر هذه الأطلال.. وليسأل نفسه، كيف تحول هذا المسجد الفخم إلى تلك الأطلال..؟”.

لم يعد الحاكم بأمر الله، لكن عادت الهيبة إلى مسجده في القاهرة. عادت الأعمدة تتلألأ كالفضة في وضح النهار، والمئذنتان تصدحان بالأذان، والسحر يلف المكان، وروح الحاكم تضفي هيبة وسكونا على زوار المسجد، كأن الزمن عاد إلى تلك الليلة التي خرج فيها الحاكم من قصره إلى خلوته في الجبل ولم يعد أبدا.

الترميم يعيد التراويح إلى المسجد

عاد المصريون، أخيرا، إلى إحياء شعائر صلاة التراويح خلال رمضان في مسجد الحاكم بأمر الله، بعد سنوات من الإغلاق بسبب أعمال التأهيل والترميم. وهي فرحة تدركها هبة الهلالي (35 عاما) التي اعتادت قبل سنوات على زيارة المسجد لتصلي فيه فريضتي الظهر والعصر، لكنها انقطعت عن الأمر لأعوام بسبب أعمال الترميم التي بدأت في فبراير/شباط 2017.

تقول هبة إن أداء صلاة التراويح في مسجد الحاكم بأمر الله من أكثر الشعائر الرمضانية روحانية بالنسبة إليها، وشعورها بالراحة والسكينة فيه يشبه إلى حد كبير ذلك الشعور الذي لمسته حين صلت في المسجد الحرام. لا تعرف هبة السر الكامن وراء ذلك الشعور، لكنها كانت ترغب في المواظبة على زيارة المسجد كل رمضان.

البقاء من صلاة العصر إلى ختام التراويح هو ما يفعله محمد سعيد (35 عاما) الذي يعمل مهندسا في إحدى الشركات العقارية، ويأتي الخميس والجمعة في رمضان من كل أسبوع للصلاة في مساجد القاهرة القديمة، وكان الحاكم بأمر الله هو المسجد الأول الذي قضى فيه محمد الليلة الثانية من تراويح شهر رمضان، على خلاف عادته في أن تكون الصلاة في الأزهر.

لكن زحام الجامع الكبير، هو ما جعل سعيد يبحث عن الهدوء والسكينة في رحاب مسجد الحاكم، وهناك فوجئ بحال المسجد بعد الترميم، وما أصبح عليه من فخامة تشبه إلى حد كبير مساجد المغرب القديمة، كما يقول المهندس المعماري، الذي تمعن في أشكال الأعمدة والرخام منبهرا بالاختيارات التي لم تدل فقط على فخامة في التكلفة كما في بعض المساجد الحديثة في مصر، لكنها أعادت هيبة المسجد القديمة، أعادته قصرا أندلسيا كما كان في سالف العصر.

قبل 10 قرون، وُضعت اللبنة الأولى لمسجد الحاكم بأمر الله، أحد أقدم مساجد القاهرة الفاطمية وأجملها. المسجد الذي قرر العزيز بالله، الخليفة الخامس للخلفاء الفاطميين، أن يشيّده لاستيعاب المزيد من المصلين والدارسين، لعدم قدرة الأزهر الشريف على تحمل روافد الدعوة. غير أن أعمال البناء توقفت بوفاة العزيز، ثم أعاد ابنه المنصور، المعروف باسم الحاكم بأمر الله (985م- 1021م)، استكمال البناء بعد سنوات، وتم افتتاحه في عام 1012 ميلادية، قبل أن يُصدر في العام التالي قرارا بتحويله إلى جامع يتدارس فيه طلبة الدعوة الفقه، جنبا إلى جنب مع الأزهر.

عندما مُنعت صلاة التراويح لـ10 سنوات

منع الحاكم بأمر الله أداء صلاة التراويح في عهده لمدة 10 سنوات، وكانت عقوبة من يصليها قد تصل للإعدام لاعتراضه على أمر الحاكم، وقال الباحث في التاريخ الإسلامي، الدكتور عبد المنعم ماجد، في كتابه “الحاكم بأمر الله المفترى عليه”، إن الخليفة الفاطمي قد عاد لنهج والده العزيز بالله، الذي منع التراويح وصلاة الضحى، وكان ولده قد أباحها في بداية توليه الحكم، ثم عاد إلى منعهما والتشديد في عقوبة من يؤديهما، إذ كان المذهب الشيعي لا يرى بحكم صلاتها في جماعة، إذ لا جماعة إلا في فرض.

إلا أن شهر رمضان كان له بالغ الاهتمام لدى خليفة مصر، فبحسب الباحث عبد المنعم ماجد، أحصي عدد مساجد مصر حينها فوجدت 36 ألف مسجد، وبرغم منع التراويح فإن ذلك لم يمنع الحاكم بالله من الاحتفال بشهر رمضان، فكان الخليفة يحمل إليها القناديل والمصاحف والبخور والستور والحصر، كل رمضان في مواكب شعبية يهلل فيها الناس “لا حول ولا قوة إلا بالله والله أكبر”.

افتتاح المسجد بعد الترميم

في فبراير/شباط الماضي، أعيد افتتاح مسجد الحاكم بأمر الله، وعادت الصلاة إلى الانتظام فيه، وسط انتشار شائعة عن تحكّم طائفة “البهرة” (وهي واحدة من أشهر الطوائف الإسلامية المنتمية إلى الشيعة في مصر) بالمسجد، وهو ما ينفيه أحمد عبد البر، أحد مسؤولي الآثار في منطقة الجمالية.

وأوضح عبد البر للجزيرة نت أن مشروع ترميم الجامع وإحيائه، والذي استغرق 6 سنوات، كان بالتعاون مع طائفة البهرة الإسماعيلية، وتحت إشراف قطاعي المشروعات والآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، بتكلفة بلغت 850 مليون جنيه (الدولار يعادل 30.9 جنيها). وعلى الرغم من أن المساهمة الأكبر في التطوير كانت لطائفة البهرة، فإن المسجد بالكامل والإشراف الديني فيه يخضعان لوزارة الأوقاف المصرية، في حين أنه يتبع وزارة الآثار في ما يتعلق بالجانب التاريخي.

زر الذهاب إلى الأعلى