أخــبـار مـحـلـيـة

إعلانات توظيف وأمور أخرى.. كيف تعمل إسرائيل على تجنيد جواسيس لها في تركيا؟

تواصل شعبةمكافحة الإرهاب بإسطنبول تحقيقاتها مع المشتبه بهم في قضية التجسسلصالح الموساد والشاباك، فكيف تجند إسرائيل عملاء لها في تركيا؟

 

كانت قوات الأمن التركية قد أطلقت، يوم 2 يناير/كانون الثاني 2024، عملية متزامنة شملت 57 عنواناً، في 15 قضاء بولاية إسطنبول وولايات أنقرة وقوجة إلي وهطاي ومرسين وإزمير ووان وديار بكر، أدت إلى توقيف 46 مشتبهاً، بعد أن حصلت الاستخبارات التركية على معلومات تفيد بنيَّة “الموساد” القيام بأنشطة من قبيل المراقبة والتعقب والاعتداء والاختطاف ضد الرعايا الأجانب المقيمين في تركيا لأسباب إنسانية.

وهذه هي العملية الاستخبارية التركية الرابعة المضادة ضد شبكة العملاء والناشطين المرتبطين بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مثل الشاباك والموساد، منذ عام 2021.

 

كيف يجند الموساد “العملاء” في تركيا؟

نشر موقعMiddle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه “كيف تجنِّد الاستخبارات الإسرائيلية عملاء لها في تركيا؟”، رصد قيام مسؤولي الاستخبارات التركية بالكشف عن جهودٍ قام بها ضباطٌ إسرائيليون داخل تركيا والكيفية التي يعمل بها العملاء الذين يجنِّدونهم.

وجاء هذا الإيجاز، الذي قُدِّمَ شريطة عدم الكشف عن هوية مقدِّميه للإعلام، بما في ذلك موقع Middle East Eye البريطاني، بعد أن اعتقلت الاستخبارات التركية، في عملية مشتركة مع الشرطة، 34 شخصاً معظمهم أجانب بزعم أنهم يتجسسون لصالح الاستخباراتالإسرائيلية، وتعتقد السلطات التركية أن 12 فرداً إضافياً لا يزالون طلقاء، وعلى الأرجح غادروا البلاد.

ويقول مسؤولو الاستخبارات إن هناك مجموعتين من الأشخاص الذين يعمل معهم الإسرائيليون. تقوم المجموعة الأولى بمهام بسيطة بينما تعمل المجموعة الثانية على مستويات تكتيكية أكثر.

يستهدف المستوى الأول من جهود التجنيد أفراداً للقيام بمهام المراقبة الأساسية من خلال الوسطاء والمنصات عبر الإنترنت.

إسرائيل تركيا تجسس
التجسس الإسرائيلي في تركيا

ويقول مسؤولو الاستخبارات التركية إن الاستخبارات الإسرائيلية عادةً ما تنشر إعلانات وظائف عبر الإنترنت مع تفاصيل قليلة أو معدومة، أو تنشر روابط على منصات التواصل الاجتماعي ومجموعات الدردشة لاختيار الأفراد المناسبين للاتصال بهم. قد تبدو المهام غير مرتبطة بذلك بشكل عام، ولكنها مصممة لإعداد العملاء للمهمة النهائية.

على سبيل المثال، قال أحمد. س، الذي اعتقلته الشرطة في عملية عام 2022، لمحكمة في إسطنبول العام الماضي، إنه اتصل بالرقم الموجود في إعلان جاء فيه “أبحث عن موظف يتحدث العربية والتركية”، ووجَّهه الشخص على الطرف الآخر إلى مجموعة على منصة واتساب، وطلب منه ترجمة موضوعات مُحدَّدة من التركية إلى العربية يومياً.

لا يتواصل الضباط الإسرائيليون مع هؤلاء الأفراد شخصياً، بل يتواصلون معهم فقط كتابياً ومن خلال تطبيقات المراسلة مثل تليغرام وواتساب فقط. وهم يدفعون للمجندين من خلال وسطاء أو عن طريق رُسُل يُجنَّدون أيضاً عبر الإنترنت من خلال منشورات التوظيف على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

 

 

كيف يتم دفع الأموال؟

يُخبَر المُجنَّدون أن الأموال التي تُدفَع لهم مرتبطة بالمراهنة غير القانونية والقمار. وعادةً ما يستخدم الضباط الإسرائيليون العملات المشفرة والحوالات، وهي طريقة غير رسمية لتحويل الأموال من خلال تجار مثل متاجر المجوهرات ومحلات الصرافة، لإخفاء مصدر الدفع.

وبما أن ضباط الاستخبارات الإسرائيلية يحافظون على علاقة عمل تبني الثقة مع العملاء، يمكنهم الانتقال إلى المستوى التكتيكي، حيث يُطلب من العميل إجراء عمليات أكثر تعقيداً.

في بعض الحالات يقومون ببناء علاقة مباشرة أكثر مع المجندين، مثل الاجتماع شخصياً ودفع مبلغ كبير من المال لهم. ويُطلَب من المجندين أيضاً اجتياز اختبار كشف الكذب.

 

 

كيف يتم تقسيم المهام والتدرج فيها؟

يُطلَب من العملاء في البداية تنفيذ مهام مجزأة لإنشاء خطة عمل تجاه الأهداف الفعلية.

على سبيل المثال، نجحت إسرائيل في تجنيد مجموعة من المخبرين الخاصين في تركيا الذين استهدفوا أفراداً معينين محل اهتمام من خلال جمع المعلومات الشخصية والبحث وتصوير الأهداف والتقاط صور لها، والمراقبة ووضع أجهزة تحديد المواقع (GPS) على السيارات أو المركبات.

تجسس
برامج التجسس (صورة تعبيرية) / shutterstock

ويختار المتعاملون الإسرائيليون بعض الأفراد من بين المجموعة للقيام بأدوار تكتيكية أكثر.

وكُلِّفَ هؤلاء “المُجنَّدون التكتيكيون” بإنشاء مجموعة واتساب لإدارة العملية، وإنشاء وإدارة المواقع الإلكترونية التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف المهمة، مثل تصميم صحيفة إلكترونية لنشر المعلومات المضللة والأخبار المزيفة، وإجراء تحويلات مالية. كما تضمنت التعليمات الاعتداء على الأفراد المستهدفين أو السرقة والحرق العمد.

وتلتقي الاستخبارات الإسرائيلية بـ”المُجنَّدين التكتيكيين” الذين تعتقد أن لديهم مجموعة المهارات اللازمة، بناءً على العمليات السابقة، لتجنب استهدافهم من قِبَلِ الاستخبارات التركية.

 

 

كيف تتم المقابلات مع استخبارات إسرائيل؟

يضيف المسؤولون الأتراك أنه لضمان عدم شعورهم بأنهم يخونون بلدهم، يُقدَّم لهم الدعم النفسي والامتيازات وكذلك مبالغ كبيرة من المال.

ويُستدعَى المُجنَّدون الناجحون لعقد اجتماعات خاصة في الخارج، ويُستضافون في الفنادق والمطاعم الفاخرة كمكافآتٍ لهم.

على سبيل المثال، أشار فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة العام الماضي إلى أن طالباً فلسطينياً جنَّدته الاستخبارات الإسرائيلية للقيام بعملياتٍ تكتيكية، حصل على تأشيرة دخول من القنصلية العامة السويسرية في إسطنبول في أقل من ساعة دون أي طلب.

 

 

كيف يتم تدريب العميل؟

أكدت الشهادة الرسمية التي أدلى بها المحقق الخاص سلجوق كوجوكايا، الذي اعترف بالعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية مقابل تخفيف عقوبة السجن في قضية منفصلة، كيف تتعامل الاستخبارات الإسرائيلية مع مُجنَّديها.

وقال كوجوكايا للمحققين الأتراك، في سبتمبر/أيلول، إنه التقى الضباط الإسرائيليين في 10 مدن في أوروبا، ما مجموعه 11 مرة بين عامي 2018 و2022.

قال كوجوكايا إن شخصاً يُدعى سيركان اتصل به لأول مرة في عام 2018، وطلب منه العمل في شركة تأمين. ثم اتصل به شخصٌ يُدعَى خورخي عبر سكايب.

قال: “أرسل ثلاثة أسماء لمطاعم، طلب مني أن أختار أحدها، وأقوم بالبحث في أنشطتها التجارية، والتقاط صور داخلية وخارجية، وأنه سيقارن المعلومات التي لديه بالمعلومات التي لديّ”. وأضاف: “أرسلت تقريري إلى خورخي عبر البريد الإلكتروني، وطلبت منه ألف يورو، وقال إنه أحب التقرير ويريد أن نلتقي وجهاً لوجه”.

وقال كوجوكايا إنه بدأ مقابلة خورخي ومديره ألفونسو في أوروبا، للحصول على تعليمات لوظيفة ثانية والإبلاغ عن المعلومات التي جمعها عن مواطنين إيرانيين ولبنانيين وعرب، وتلقَّى أجره نقداً في تلك الاجتماعات.

جدير بالذكر هنا أن صحيفة Haaretz الإسرائيلية كانت قد نشرت تقريراً حول “فريق خورخي“، بعنوان “من مبنى إداري صغير، مجموعة صغيرة من الإسرائيليين ينشرون الفوضى حول العالم”، رصدت من خلاله فريقاً من المتعاقدين الإسرائيليين يديره ضابط سابق في جيش الاحتلال، وما قاموا به في أكثر من 30 دولة.

الموساد الإسرائيلي
الموساد الإسرائيلي/مواقع التواصل

ومن بين أعضاء الفريق الإسرائيلي ذلك عضو اسمه الحركي “خورخي”، بينما اسمه الحقيقي “تل حنان”، وتخصصه القرصنة والاستخبارات السياسية والتجارية والمعلومات المضللة.

ذلك الفريق، الذي فضحه تحقيق استقصائي دولي، قام بعمليات تخريب في أكثر من 30 عملية انتخابية حول العالم، إضافة إلى نشر معلومات مضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي وقائمة طويلة من العمليات الأخرى.

من الاتجار بالبشر إلى التهريب

في ديسمبر/كانون الأول 2018، التقى كوجوكايا بمشرفيه في كوبنهاغن وأجرى اختبار كشف الكذب لتحديد ما إذا كان يعمل لصالح الدولة التركية. وفي العام التالي، قام المتعاملون معه بتثبيت برنامج فك التشفير على جهاز الكمبيوتر الخاص به في بلجيكا، للتواصل عبر البريد الإلكتروني المشفر.

وقال كوجوكايا أيضاً إنه طُلب منه في يوليو/تموز 2020 تعقب مواطن فلسطيني يُدعى م. المحمود، من لحظة وصوله إلى مطار إسطنبول قادماً من بيروت وحتى وصوله إلى وجهته النهائية. ويجب أن يتضمن تقرير المراقبة ما إذا كان المواطن الفلسطيني لديه فريق لاصطحابه، أو كان لديه حارس أمن مسلح.

تم تكليف كوجوكايا أيضاً بتجنيد فريق، ونُصِحَ باستخدام ثلاث سيارات ودراجة نارية على الأقل للمهمة حتى لا تفقد الهدف وتظل غير مكتشفة. وكان الهدف هو معرفة نقاط الضعف في الطريق الذي يسلكه المواطن الفلسطيني لتنفيذ هجوم محتمل ضده في المستقبل.

وتقول الاستخبارات التركية أيضاً إن أشخاصاً مثل كوجوكايا زودهم عملاء الاستخبارات الإسرائيلية بأكياسٍ مُصمَّمة خصيصاً ليكون لديها جيوبٌ سرية يمكنها اجتياز أجهزة كشف الأشعة السينية وعمليات تفتيش K-9 دون اكتشافها.

كما يتم تدريب هؤلاء الأشخاص أيضاً على المراقبة والتوثيق بالصور والأغلفة وإعداد التقارير والأمن التشغيلي أثناء الاجتماعات في الخارج.

وقال المسؤولون الأتراك: “جهاز الاستخبارات الإسرائيلي لديه مثل هؤلاء الأفراد، يقومون بالاستعدادات لأهم جوانب العمليات المحتملة مثل الاتجار بالبشر والتهريب من إيران والعراق إلى تركيا، وتوظيف قراصنة، وإيجاد منازل آمنة، وتوظيف شركات تشغيل سيارات الإسعاف لاستخدامها في العمليات”.

عربي بوست

زر الذهاب إلى الأعلى