مقالات و أراء

إننا أمام مخطط أكبر بكثير! هل سيعلنون حربا صليبية ضد تركيا؟

انظروا إلى خريطة القوى في منطقتنا أو حتى الخرائط الحقيقية أو التحديات وتصفية الحسابات التي تنطوي عليها هذه الخرائط أو التكتلات العسكرية، فسترون أن تركيا تتعرض لمخطط حصار متكامل.

 

 

ولقد كان هذا الحصار قد بدأ على حدودنا مع إيران في العراق باحتلاله سنة 91، ثم اتضح أكثر باحتلال العراق مجددا سنة 2003، ومُد حيزه إلى سوريا باندلاع الحرب بها، وبعدها نقلوه إلى منطقة شرق المتوسط.

ولا يخفى على أحد أنهم يوسعون هذا الحصار ليشمل اليونان ومن بعدها بلغاريا ورومانيا والبحر الأسود. فهذا ما تشير إليه التكتلات والتحركات العسكرية الأمريكية والأوروبية في هذه المناطق وغيرها من المؤشرات الأخرى.

 

 

 

يقيمون اليوم ضد تركيا ما أقاموا من جبهات ضد الدولة العثمانية

إن التوتر أو الأزمة التي رسموا ملامحها بكل ما أوتوا من قوة في شرق المتوسط وبحر إيجة وما نراه بأبعاد جديد كل يوم في تلك المنطقة لا يختلف أبدا عن مخطط التمزيق الذي وضعوه بعدما حاصروا الدولة العثمانية قبل قرن. فهم اليوم يقيمون ضد تركيا ما أقاموا من جبهات ضد الدولة العثمانية آنذاك، كما يدفعون إلى تلك الجبهات التيارات والتوجهات التي دفعوها للجبهة ذاتها المضادة للدولة العثمانية.

فمن أراد فهم ما يحدث في سوريا والعراق وشرق المتوسط وبحر إيجة عليه أن يفهم جيدا مخطط هذا الحصار وما وراءه من حسابات كبيرة. فمن عجز عن فهم ذلك لن يستطيع فهم الصورة كاملة بمحاولات إدراك الأزمات الإقليمية الضيقة.

 

 

صعود تركيا وحساباتها الجيوسياسية ترعبهم

إن الذين نفذوا مخطط تمزيق الدولة العثمانية قبل قرن من الزمان ينفذون اليوم كذلك مخطط “إيقاف تركيا”. فالذين تقاسموا إمبراطورية على وشك الانهيار قبل قرن يحاولون اليوم عرقلة قوة صاعدة.

فالذين تقاسموا الغنيمة قبل قرن من الزمان يحاولون اليوم المحافظة على هذه الغنيمة. لهذا يعتبرون صعود قوة تركيا المدهش وتأثيراتها الجغرافية وحساباتها الجيوسياسية أكبر تهديد يهددهم.

ولهذا تجدهم يقيمون جبهة إقليمية تضم دولا كالسعودية والإمارات والبحرين وجبهة غربية تقودها اليونان وقبرص اليونانية وفرنسا، كما يستغلان هاتين الجبهتين للتعاون مع إسرائيل.

 

عقلية غربية خلف كل هذا:

ينظرون إلينا لتصفية حساباتهم الحضارية

غير أن العقلية التي تستند إليها محاولة الحصار عميقة للغاية. ألا وهي منع تركيا من أن تكون قوة مركزية على الساحة الدولية من خلال إرثها الإمبراطوري.

إنهم يعلمون كيف سيهز هذا الأمر المنطقة وأنه سيؤدي إلى زلزال عنيف على مستوى الحزام الأوسط بدءا من الأطلسي غربا إلى سواحل الهادئ شرقا، كما يعلمون كيف سيتضرر مخطط الغرب الجيوسياسي الذي يرجع تاريخه لمئات السنين.

ولهذا السبب فإنهم قادوا دولا بعينها إلى جبهتهم ليشاركوا في هذا الحصار الذي تكمن خلفه الفكرة الغربية. ولأنهم يعتبرون هذا الأمر بطريقة ما صعود حضاري وإدراك للهوية وعودة إليها، فإنهم يصيغون موقفهم من تركيا بناء على تصفية حسابات حضارية.

نفاق الغرب الخطير أكبر أكذوبة في القرن الحادي والعشرين

لقد انتقلوا إلى مرحلة جديدة من مراحل الموجة الاستعمارية الغربية الجديدة التي بدأوها مباشرة عقب الحرب الباردة وحولوها إلى هجوم صريح عقب أحداث 11 أيلول وروجوها للعالم في صورة مكافحة للإرهاب و”تهديد إسلامي”، وهذه المرحلة الجديدة تنطوي على بذل كل جهودهم لوضع تركيا في خانة اليك.

إن ما أطلقوا عليه مكافحة الإرهاب، وهي الموجة التي قادتها الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، كانت في الواقع مخططا لتقاسم مقدرات العالم الإسلامي مجددا.

لقد كان هناك فرق واضح بين ما يقولونه وما يفعلونه، بما في ذلك محاولات إرهاق الدول وتقزيمها وإشعال فتيل الصراع بها بل واحتلالها. فقد كان هذا المخطط أكبر وجه من أوجه نفاق الغرب أمام العالم لا سيما العالم الإسلامي.

تركيا هي الدولة الوحيدة القادرة على إحياء هذه القوة

لقد تعاونت معهم تركيا في كل مراحل مكافحة الإرهاب الذي كانت تعلم أنهم سيدمر المنطقة ولأنها كانت تكافحه بالفعل منذ 5 عقود. لكن هذا لم يكف، بل ولم يكن ليكفي، فنوايا الغرب كانت مختلفة، وهو ما كان يخفيه.

إن تركيا هي أكبر القوى بالمنطقة، وهي الدولة التي ترسم ملامح هذه المنطقة منذ قرون ولديها إرث إمبراطوري ثري وتاريخ طويل من الصراع ضد الغرب، وهي الدولة الوحيدة القادرة على إحياء هذه القوة.

لقد اضطروا للاعتراف أخيرا بأنهم فشلوا في مخططهم لعزل تركيا عن العالم الإسلامي بعد مائة عام، وذلك في حضرة الجينات السياسية التي تتمتع بها تركيا والتي نزلت إلى الساحة بكامل حماسها.

نعم، الإمبراطورية تصعد من جديد، ماذا ستفعلون؟!

إن التهديد الذي يستهدف بلدنا اليوم يدار بطرق مشابهة كثيرا لمخطط مكافحة الغرب للسوفيت لتصفيتهم وإبعادهم مجال القوة.

ولقد زادت حدة الهجمات كلما أعلنت تركيا بصوت أعلى أنها لن تستسلم ولن تركع أبدا، كما وسعوا نطاق جبهتهم وأضافوا المزيد من الشركاء.

ولعل ما يكشف النقاب عن حجم التهديد الذي يشعر به الغرب ما نراه في إعلامهم من عبارات “صعود الإمبراطورية من جديد” والمقالات التي تتحدث عن أن النظام الذي تؤسسه تركيا والصين وروسيا يهدف لزلزلة النظام الدولي الذي وضعه الغرب. لذا فإنه ليس من الصعب توقع إلى أي مدى سيمتد الحصار وأين سيقيمون جبهاتهم الجديدة.

الحصار لن يوقف تركيا

فلا تتوقعوا هذا في القرن الحادي والعشرين!

لم تعد تركيا تتمتع برفاهية أن تقول حتى “نعم”. فلم يعد بإمكانها أن تدخل مجددا ضمن النظام الغربي لتكون “دولة جبهة” أو “دولة حامية”. كما لم يعد هناك إمكانية ليوقفها الحصار، فهذا لن يحدث هذا القرن كذلك.

إنهم يعانون من مشاكل أكبر من مشاكلنا. فالعالم يتغير على نطاق لم نره حتى في الحربين العالميتين، ليصبح الماضي الاستعماري الذي استمر لخمسة قرون جزءا من التاريخ وينهار النظام العالمي تبعا لذلك وينفرط عقد القوة والثروة. ولعل هذه هي المرة الأولى التي تتشكل فيها مجالات قوة بهذا الشكل.

إننا لا نرى ذلك الأمر في علاقة الغرب بتركيا فحسب، بل وفي علاقته بسائر دول العالم؛ إذ لن يتمكن المحور الأطلسي بعد اليوم من أن يحكم العالم بمفرده.

15 تموز كان ميلادا:

تحرك المقاومة لكسر الحصار في كل مكان

إن لدربا من دروب الخيال أن يسعوا في ظل هذه الظروف الانتقالية أن يوجهوا تركيا لتسير حسب هواهم، فقبول ذلك الأمر بالنسبة لتركيا لا يختلف كثيرا عن اختيارها الانتحار.

لقد كان هجوم 15 تموز ميلادا. فلو كانوا نجحوا في هذا الهجوم لكان القرن الحادي والعشرين قد انتهى بالنسبة لتركيا، لكن العكس هو ما حدث، فتحركت خبرات الإمبراطورية وعقلية الدولة والجينات السياسية التي يرجع تاريخها لمئات السنين. فكانت ليلة 15 تموز بمثابة الصدمة التي أسرعت من مسيرة تركيا.

ثم ماذا حدث؟

لقد مزق هذا الحصار أولا من ناحية العراق، ثم مزق بعد ذلك من ناحية سوريا، كما انهارت مخططات الضغط في شرق المتوسط، وتحركت تركيا لتقاوم في بحر إيجة وطرحت طموحاتها على الطاولة.

ومهما فعلوا فإن هذا سيستمر مستقبلا، ومهما أقاموا من جبهات فإن تركيا ستقيم جبهتها الخاصة في أعماق المنطقة.

ليس هناك مخطط أو تهديد قادر على تركيع تركيا

دعونا نقولها صراحة؛ لن يستطيع أي حصار إيقاف تركيا ولن يستطيع أي تهديد أن يثنيها قيد أنملة ولن يستطيع أي مخطط أن يبعثر أوراق عقليتها السياسية ولن تستطيع أي عملية سياسية داخلية أن تضعف سلطتها المركزية.

ليس امام الغرب وحلفائها في المنطقة خيار آخر سوى الإقرار بقوة تركيا وصعودها. إنهم يظنون أنهم يمكنوا أن ينجحوا كما نجحوا قبل مائة عام عندما كنا نسير نحو السقوط والاندثار بينما كانوا هم يزيدون قوة فوجهوا لنا الضربة القاضية. لكننا اليوم نسير نحو الصعود، أما هم فقد ضعفوا وتخلفوا، لذا لن تنفعهم هذه التكتيكات والمخططات.

حان وقت اتخاذ قرار الوقوف ضمن محور تركيا

يجب إدراك كل هذه الأمور في الداخل بانتباه شديد. فليس هناك أي حسابات سياسية أو حزب أو هوية أو هدف أو مخاوف أسمى من ذلك. فكل حركة وشخص وتيار سيبادر لإضعاف تركيا في هذا الكفاح العظيم سيتحمل مسؤولية حساب التاريخ الممتد لقرون.

لا يهم الحزب والتيار السياسي الذين تنتمون له، بل المهم أين تقفون. فمسؤولية كل إنسان والدور الذي يلعبه سيتحدد وفقا لذلك.

لم يعد هناك سوى محور تركيا. لذا فقد حان الوقت الذي ينبغي لكل إنسان أن يحدد الجبهة التي يقف عليها، أيقف على جبهة محور تركيا أم على جبهة أخرى.

ذلك أننا أمام كفاح قد بدأ بحجم الحرب العالمية الأولى! ولن يتحمل أحد محاولات تضليل العقول في الداخل في الوقت الذين أعلن فيهم أعداؤنا في الخارج حربا صليبية.

ابراهيم قره غل

زر الذهاب إلى الأعلى