عـالـمـيـة

إيران سعيدة برحيل الأمريكيين عن أفغانستان ولكنها حذرة من طالبان

يحمل وصول حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان نتائج متناقضة بالنسبة لقادة طهران في ظل العلاقة التاريخية المعقدة بين طالبان وإيران من جهة، وكذلك بين الأخيرة وأمريكا من جهة أخرى.

 

فإيران رابحة بالنظر إلى انسحاب الولايات المتحدة من جوارها، لتغادر ساحة كان يمكن أن تستغل ضدها، وتاركةً فراغاً يمكن لطهران محاولة استغلاله، كعادتها دائماً.

وفي الوقت ذاته، يحل محل الأمريكيين حركة دينية سُنية معروفة بموقفها السلبي من الشيعة، وكانت لها خلافات تاريخية مع إيران وصلت إلى حافة الحرب عندما قُتل دبلوماسيون إيرانيون في ظروف غامضة بالقنصلية الإيرانية في مزار شريف عام 1998، وقت اجتياح طالبان لها عندما كانت معقلاً للتحالف الشمالي المعارض لها والذي كان مدعوماً بقوة من إيران.

 

 

العلاقة بين طالبان وإيران من حافة الحرب إلى التعايش الحذر

والآن، بعد مرور 23 عاماً من الهجوم على القنصلية الذي لمَّحت طالبان آنذاك إلى أنه نُفذ على يد عناصر تصرفوا بمفردهم، عادت الحركة للسيطرة على مزار شريف، وقام مقاتلو الحركة بإنزال رايات الشيعة السوداء ورفع أعلام طالبان، ولكن تقارير أفادت بأنها أعادتها مرة أخرى.

واللافت أنه مع صعود طالبان وقبل  الانسحاب الأمريكي، باتت هناك اتصالات معلنة بين الحركة وإيران، كما أنه لم تسجَّل أي تقارير ذات مصداقية عن ممارسات ضد الشيعة في أفغانستان، إضافة إلى أن منطقة غرب أفغانستان المحاذية لإيران كانت من المناطق التي سقطت في يد طالبان مؤخراً بسهولة ودون أي دعم إيراني لمعارضي الحركة.

تدرك إيران تماماً أن التمكين لقوة سُنية محافظة مثل طالبان، من شأنه أن يهدر الاستثمار الإيراني الضخم في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بأفغانستان، ما يعني فقدان إيران نفوذها، حسبما ورد في تقرير بموقع “أسباب” للدراسات والأبحاث.

وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف مع وفد طالبان في طهران/رويترز

لذلك لم يكن تشكيل حكومة تديرها طالبان بالكامل تحت راية “الإمارة الإسلامية” السيناريو المفضلَ لدى طهران، لكنه أصبح الآن واقع البلاد الجديد، خاصةً أن هذا الواقع أفقد شيعة أفغانستان (نحو 7% من السكان) مكتسباً مهماً من اتفاق المصالحة في الدوحة، الذي أعطاهم 25% من مقاعد البرلمان الأفغاني، وهو ما أزعج مسؤولين إيرانيين، وفق معطيات خاصة حسب موقع “أسباب”.

ويقول تقرير “أسباب” إن المعطيات الخاصة التي لديه نقلت عن المسؤولين الإيرانيين تخوّفاً آخر من أفغانستان بقيادة طالبان، وهو أن تصبح للحركة أجندة خارجية من قبيل تنفيذ عمليات أمنية وتأثير و/أو دعم لجماعات عرقية أو دينية خارج حدود أفغانستان مستقبلاً، الأمر الذي يتوقعون أن يستهدف الداخل الإيراني ومناطق نفوذها إقليمياً.

ورغم ذلك، شرعت طالبان، مؤخراً، في حملة لتحسين صورتها بأذهان الإيرانيين، حيث زار ممثلو الحركة السفارة الإيرانية في الدوحة، العام الماضي؛ لتقديم تعازيهم بعد مقتل العالم النووي “محسن فخري زادة”. علاوة على ذلك، أجرى مسؤولو طالبان مقابلات متعددة مع وسائل الإعلام الإيرانية في الأسابيع الأخيرة؛ لتهدئة مخاوف طهران، مؤكدين “الروابط الأخوية مع جمهورية إيران الإسلامية”.

وعلى الرغم من المخاوف الإيرانية، من المرجح أن تعمل طهران على تجنب الصدام مع طالبان والبحث عن علاقة تحدُّ من مخاطر تحوُّل أفغانستان لبيئة معادية. وهو الأمر الذي أشار إليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، معتبراً أن التهديد الأكبر بالنسبة لإيران هو تشكيل نظام سياسي مناهض في أفغانستان؛ محذراً من محاولة بعض الدول العربية بالخليج مع الولايات المتحدة تمويل وتوجيه طالبان لإضعاف طهران وصرف انتباهها عن العراق والدول العربية الأخرى.

وكان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، قد أشاد بما وصفه بـ”الهزيمة العسكرية” للولايات المتحدة في أفغانستان.

وقال رئيسي دون تسمية الحركة: “الوضع الحالي يجب أن يصبح فرصة لاستعادة الحياة والأمن والسلام الدائم في البلاد”.

وقبل سقوط كابول، عقدت الخارجية الإيرانية اجتماعاً تحت عنوان “الحوار بين الأفغان“، بمشاركة ممثلين عن الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وشخصيات سياسية وثقافية أفغانية، وبحضور وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، في يوليو/تموز 2021.

هل كان لإيران دور في صعود طالبان؟

بالنسبة لإيران فإن الانسحاب الأمريكي وإنهاء وجود واشنطن العسكري والاستخباراتي الواسع في أفغانستان يعدان مكسباً  كبيراً، خاصةً أن هذا الوجود لم يكن من المستبعد أن يوظَّف ضد إيران في مواجهتها المتصاعدة بالمنطقة مع الاحتلال الإسرائيلي. كما أن طهران استطاعت، رغم الاختلاف المذهبي، بناء علاقات مفيدة مع طالبان خلال السنوات الماضية، ربما تضمنت نوعاً من الدعم العسكري.

وتحدثت تقارير إعلامية غربية عن دعم إيراني خفي ساعد في صعود طالبان الأخير، خاصة في غرب أفغانستان.

ولكن رغم أن هذا احتمال قائم، يظل هناك احتمال أيضاً بأن الغرب يحاول إيجاد مبرر لهزيمة حلفائه بأفغانستان عبر المبالغة في التحالف المفترض بين خصمَيه طالبان وطهران.

وفي هذا الإطار، عرض تقرير لمجلة The Foreign Policy الأمريكية، معلومات عما قال إنه تعاون بين إيران وطالبان وأسباب ما قال إنه دعم إيراني للحركة السنية المحافظة.

وينقل التقرير عن أحد شيوخ القبائل الأفغان، وهو مسؤول بالشرطة المحلية في الوقت نفسه، قوله عن أحد القادة بحركة طالبان من مقاطعته “شاه والي كوت” بولاية قندهار: “إنه دائماً ما يسافر برفقة حراس إيرانيين”.

وأضاف مسؤول الشرطة -الذي طلب عدم الكشف عن هويته؛ لأسباب أمنية- في المقابلة التي أُجريت معه في 2 أغسطس/آب، بإحدى ضواحي مدينة قندهار: “لقد اعتاد السفر ذهاباً وإياباً من وإلى إيران منذ عقود. وقد كان في السابق قائداً عسكرياً بالقرب من هرات” في أثناء حكم طالبان لأفغانستان بين عامي 1996 و2001.

وحسب تقرير المجلة الأمريكية، فعندما سيطرت طالبان على معبر “إسلام قلعة” الحدودي الرئيسي بأفغانستان مع إيران في 9 يوليو/تموز 2021، قال سكان محليون إن الضباط الإيرانيين على الجانب الآخر رحبوا بهم. وعندما بدا في 6 أغسطس/آب، أن عاصمة ولاية نمروز في غرب أفغانستان كانت على وشك السقوط وهرع العديد ممن يخشون طالبان نحو الحدود للهروب من البلاد، وردَ أن المسؤولين الإيرانيين رفضوا دخولَ معظم الفارين.

لإيران تاريخٌ طويل في استضافة أعضاء بارزين بتنظيم القاعدة وزعماء طالبان على حد سواء. وسبق أن أوردت مجلة The Foreign Policy خبراً في مايو/أيار 2016، يتناول “مقتل زعيم طالبان المُلا أختر محمد منصور في باكستان بواسطة هجوم شنَّته طائرة أمريكية بلا طيار في نهاية الأسبوع الماضي، بعد مغادرته إيران، حيث تعيش عائلته. ويقول مسؤولون أمريكيون إن الملا منصور كان يسافر بانتظام وبحرية من وإلى إيران”.

من جانب آخر، قالت عدة مصادر على الأرض في جميع أنحاء أفغانستان، تحدَّث إليهم مراسل مجلة Foreign Policy خلال رحلة صحفية استغرقت شهراً بين يوليو/تموز وأغسطس/آب من هذا العام، إن إيران كان لها دورٌ رئيسي في الصراع.

وأشار عديد من المسؤولين الأمنيين بالحكومة الأفغانية المعزولة إلى أنهم عثروا على أسلحة إيرانية لدى كثير من مسلَّحي طالبان القتلى في المنطقة.

وأضاف هؤلاء المسؤولون أنهم تلقوا معلومات عن مقاتلين إيرانيين يشاركون في العمليات العسكرية الجارية بولايات نمروز وهرات وهلمند في غرب وجنوب غربي أفغانستان بالقرب من الحدود مع إيران.

وهو ادعاء من المجلة يبدو صعباً؛ في ضوء محدودية مشاركة الجنود الإيرانيين حتى في المعارك التي خاضها أتباعهم من الميليشيات الشيعية بسوريا والعراق واليمن.

كانت تقارير من مصادر متعددة في السنوات الأخيرة اتهمت إيران وفيلق الحرس الثوري الإيراني التابع لها بتوفير الأسلحة والتدريب لحركة طالبان. وفي فبراير/شباط 2017، قال القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفغانستان، إن إيران كانت تدعم طالبان؛ لتقويض المساعي الأمريكية في البلاد، مشيراً إلى أن “روسيا وإيران وتنظيم القاعدة لديهم حضور فاعل في شؤون أفغانستان”.

وزعم حاكم ولاية فرح بغرب أفغانستان في العام نفسه، أن إيران أنشأت مراكز تدريب داخلها بهدف تأهيل مقاتلين محتملين للقتال في أفغانستان، وألقى باللوم على الدعم الإيراني في تصاعد العنف بذلك العام.

وفي عام 2016، نشرت مجلة Foreign Policy تقريراً نقلت فيه عن مسؤولين غربيين لم تُذكر أسماؤهم، قولهم إن طهران “أمدَّت قوات طالبان على طول حدودها بالمال وكميات صغيرة من الأسلحة الخفيفة نسبياً مثل المدافع الرشاشة وذخائرها والقذائف الصاروخية”.

ويشير التقرير إلى أنه رغم اعتماد إيران تقليدياً على الجماعات الشيعية، فإنها لها تاريخ من التعاون واستغلال جماعات سنية ويسارية في الشرق الأوسط.

وفي العراق على سبيل المثال، تدعم إيران الجماعات المسلحة التي تعمل من كثب مع جماعة حزب العمال الكردستاني العلمانية التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية في جبال سنجار.

ويُعتقد أنه نتيجة هذه العلاقة توقف إلى حد كبير، نشاط المتمردين الأكراد الإيرانيين، في إطار تحالف سري بين المتمردين الأكراد بالمنطقة وطهران ضد أنقرة، وفقاً لتقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.

كما عمِل حزب العمال الكردستاني وحلفاؤه المحليون في بعض الأحيان، من كثب، مع الحكومة السورية، الحليف القوي لإيران منذ فترة طويلة.

كما أن لإيران علاقة وثيقة مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الرئيس العراق الأسبق جلال طالباني، ويُعتقد أنها استغلت هذه العلاقة في إفشال عملية الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان.

أسباب حاجة إيران إلى طالبان

أحد الأسباب الرئيسية للعلاقة المركبة المتنامية بين طالبان وإيران هو حاجة طهران إلى إمدادات المياه المتدفقة إلى البلاد عبر الحدود الإيرانية الأفغانية، وفقاً لتقرير مجلة The Foreign Policy.

وفي هذا السياق، قال مايك مارتن، وهو ضابط سابق بالجيش البريطاني يتقن لغة الباشتو وعمل فترة طويلة في ولاية هلمند الأفغانية، لمجلة Foreign Policy، إن إيران “يتغير ولاؤها حسب من له اليد العليا في الولاية” التي يمر عبرها نهر هلمند.

ثمة أسباب اقتصادية واستراتيجية وجيهة لهذه الروابط. يقول مارتن إن “السيطرة على هلمند، لاسيما الجزء الشمالي من الولاية، حيث تقطن قبائل أليزاي ونورزاي وإيشاكزاي، تعني السيطرة على سلسلة من قنوات السدود -التي أقامتها في واقع الأمر [الوكالةُ الأمريكية للتنمية الدولية] في خمسينيات وستينيات القرن الماضي- التي تتيح السيطرة على تدفق نهر هلمند، الذي يصب في منطقة سيستان الإيرانية التي يقطنها نحو مليون شخص”.

ويقول مارتن إن الدعم الذي قدمته إيران للمجموعات المسلحة داخل أفغانستان “تنوَّع ليشمل الدعم بالأموال والأسلحة، واستمر على مدار العقد الماضي على الأقل، إن لم يكن لمدةٍ ضعف ذلك، فتأمين المياه الواردة من نهر هلمند لطالما كان مصلحة وطنية حيوية للحكومة الإيرانية”.

إسماعيل خان أقوى أمراء الحرب في منطقة هرات القريبة من أفغانستان/ رويترز

في يناير/كانون الثاني الماضي، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن ياسين السوري، أحد الممولين لتنظيم القاعدة، موجود في إيران، وبحسب موقع Long War Journal التابع لمؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات” الأمريكية، فإن “وزارة الخارجية الأمريكية كشفت أيضاً أن ياسين السوري، أحد كبار الميسِّرين الذين يعملون لصالح تنظيم القاعدة، وسيف العدل أحد نواب أيمن الظواهري، زعيم التنظيم، لا يزالان داخل إيران”.

وذكر تقرير حديث للأمم المتحدة أن طالبان ما زالت على “تحالفٍ وثيق” مع تنظيم القاعدة، وأن التنظيم يواصل العمل من عدة مقاطعات في البلاد، وهو ما تنفيه الحركة.

ففي مفاوضاتهم مع الأمريكيين، وعد المسؤولون الجدد لأفغانستان بعدم حماية مقاتلي تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن والمسؤول عن أكبر اعتداء يُرتكب ضد قوة غربية.

ورغم تشكيك المصادر الغربية في وعود طالبان، فإن كثيراً منها يعترف بأن الطبيعة الدقيقة للروابط بين التنظيمين في الأشهر المقبلة لايزال يتعين تحديدها. فعلى الأرجح لا يمكن أن تسمح طالبان بالخطأ نفسه الذي حدث قبل 20 عاماً بحيث تجازف بالتعرض لردٍّ غربي عنيف أو حتى عزل نفسها عن الصين وروسيا اللتين يُرتقب أن تعترفا سريعاً بالنظام الجديد.

موقف طالبان من الشيعة

في وقت سابق من هذا العام، استهدف مقاتلون تابعون لقائد ميليشيا الهزارة الشيعية عبدالغني عليبور، طائرةَ هليكوبتر حكومية؛ ما أسفر عن مقتل 9 من أفراد الأمن، منهم طيَّاران و4 من أفراد قوات الأمن الخاصة. وتقول قوات الأمن الأفغانية إن عليبور مدعوم من إيران، حسبما ورد في تقرير The Foreign Policy.

وتعلق المجلة الأمريكية قائلةً: “ومع أن بعض الناس قد يجدون أنه من الغريب أن يدعم الأفغان الشيعة طالبان -فقد استهدفت الأقلية الشيعية عندما كانت طالبان في السلطة سابقاً- فإن هناك إشارات متعددة إلى أن قطاعات من الشيعة الأفغان أصبحت أقرب إلى حركة طالبان على مر السنين بحافزٍ من الدفع الإيراني لذلك”.

وأفادت تقارير بأن رايات المواكب الشيعية الأفغانية عادت تُرفع في المناطق الشيعية بعد إزالة بعضها من قِبل حركة طالبان فور سيطرتها عليها، حيث أعادت الحركة رفع تلك الرايات وسمحت بتنظيم إحياء الشيعة الأفغان فعاليات عاشوراء، بل أمرت مقاتليها بتوفير الحماية للحُسينيات والمواكب العاشورائية، وهو ما يُنظر إليه على أنه تطور في أسلوب الحركة نحو الأقليات الدينية بأفغانستان.

وقد زار قيادي من الحركة يدعى أمير خان، رفقة عناصر من طالبان، أحد مجالس العزاء الحسيني، ونشرت الحركة فيديو للقيادي وهو يتحدث خلال المجلس الحسيني بأن طالبان لا تعارض التشيع و”لا تنتهج منهج داعش”.

وذكرت جريدة “القدس العربي” أنها اطلعت على كتاب صادر من قيادة الحركة في ولاية هيرات الأفغانية، يوجه عناصر الحركة “بحماية الحسينيات الشيعية وعدم تعكير أجواء الاحتفالات” بالولاية التي يكثر فيها أتباع المذهب الجعفري.

وسبق أن اتُّهم مستشار الرئيس الأفغاني السابق وزعيم الهزارة محمد محقق، على سبيل المثال، بـ”الضغط من أجل تحقيق المصالح الإيرانية”، وهو يُنظر إليه منذ فترة طويلة، على أنه طرف يعمل لصالح توثيق العلاقات مع طالبان. وقد شارك في محادثات مع طالبان في مؤتمر عُقد بموسكو في عام 2019 وعارضته الحكومة الأفغانية، حسب “فورين بوليسي”.

وقبل ذلك، ألقى محمد محقق، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، خطاباً في مؤتمر أُقيم بطهران، وأشاد فيه “محقق” بدور إيران في أفغانستان وبدعم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني الذي اغتالته غارة جوية أمريكية في يناير/كانون الثاني 2020.

قبل وقت قصير من سيطرة طالبان على معبر إسلام قلعة الحدودي -الذي باتت الحكومة الأفغانية في السنوات الأخيرة تعتمد اعتماداً كبيراً على إيراداته الجمركية، إلى جانب المساعدات الدولية، لتسيير أمور البلاد- في مطلع يوليو/تموز، عُقد اجتماعٌ في طهران بين مبعوثين عن حركة طالبان ومسؤولين بالحكومة الإيرانية.

وفي جلسة أسئلة وأجوبة عُقدت في 31 يوليو/تموز، مع المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مُجاهد، واستضافها صحفي إيراني، قال مُجاهد: “لطالما أردنا إقامة علاقات مع إيران، لأن إيران لديها نظام إسلامي، ونحن أيضاً نريد نظاماً إسلامياً”.

وتعلق المجلة الأمريكية قائلةً إنه سواء كان الدعم الإيراني يهدف إلى ضمان إمدادات المياه التي لا غنى عنها وتأمين مسارها عبر الحدود، أو كان دعماً لأسباب دينية، أو ببساطةٍ وسيلة لإزاحة حكومة يُنظر إليها على أنها حكومة عميلة للولايات المتحدة، يبدو أن إيران ستستفيد من سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان.

إلا أن الأمور قد تكون أعقد من ذلك، إذ يبدو واضحاً أن إيران تحاول الاستفادة من صعود طالبان وانسحاب الأمريكيين، وقد تسعى طهران -لو استطاعت- إلى استغلال أي فوضى داخلية لزيادة نفوذها مثلما فعلت في العراق وسوريا، واليمن ولبنان.

ولكن من جانب طالبان، فإن العلاقة الجديدة مع إيران جزء من علاقة متصاعدة مع كل خصومها السابقين، ومنهم الصين الشيوعية التي تضطهد الإيغور وروسيا وريث الاتحاد السوفييتي الذي قتل ملايين الأفغان، والتي كانت من أكبر داعمي تحالف الشمال المناهض لها.

بل إن مسؤولي طالبان طالبوا البعثات الدبلوماسية بالبقاء في كابول، مستغربين حديث الأمريكيين عن إخلاء سفاراتهم في كابول.

وزير خارجية الصين خلال لقائه رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان في بكين، يوليو/تموز (تويتر)

فما يحدث ليس تحالفاً سرياً بين طالبان وإيران، ولكنه جزء من عملية تطبيع واسعة تحاول الحركة تنفيذها مع العالم ودول الجوار، عملية تطبيع تلقَّفها الإيرانيون المشهورون ببراغماتيتهم بسرعة، ولكن لا يعني هذا بالضرورة أن طالبان سوف تصبح حليفة لإيران أو ألعوبة بيدها وهي التي قاوم قائدها السياسي الحالي، الملا برادر، محاولة الهيمنة الباكستانية على حركته.

بل العكس فقد أظهر خطاب طالبان حساسية شديدة لفكرة التدخل والوجود الأجنبي وهو ما ظهر في موقفهم من اقتراح تركيا، الدولة الإسلامية السنية التي يحكمها حزب ذو توجهات إسلامية، توليها حماية أمن المطار.

وهذا يعني أن طالبان سوف تحاول على الأرجح، أن تدير علاقتها مع إيران مثل الصين وروسيا، على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي طرف والمنفعة المتبادلة، علماً بأن الحركة تدخل هذه المعادلة وهي ليست خالية الوفاض، فإذا حاولت دول الجوار ومنها إيران، التدخل في شؤون أفغانستان، فإن لديها أوراق ضغط يمكن تعليقها أو استخدامها، مثل القاعدة أو دعم إسلاميي دول الجوار.

يبدو هذا سلوكاً مماثلاً لسلوك إيران وباكستان وغيرهما من الدول القوية بالمنطقة وبعيداً تماماً عن السلوك الانتحاري الذي أظهرته طالبان عام 2001 عندما رفضت طلب أكبر دولة في العالم تسليم أسامة بن لادن وغيره من القادة المتهمين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

المصدر عربي بوست

زر الذهاب إلى الأعلى