إن تاريخ البشرية مليء بالأعمال الإرهابية التي لا يمكن حصرها. ومن المؤلم أن هذا الوضع قد تسبب في إزهاق أرواح ملايين وآلاف من الأبرياء حول العالم، إلا أن الأخطر في جميع هذه الأعمال الإرهابية هو الرسائل المبطنة التي تحملها في كل مرة.
ستكون المنظمات الإرهابية، التي تُستخدم كأداة رئيسية للحروب بالوكالة، أكبر تهديد يواجه البشرية اليوم وغداً، كما في الماضي. ولا شكَّ أن الهجوم الإرهابي الوحشي الذي حدث في تقسيم يحتوي أيضاً على رسائل في حد ذاته. ويتضح ذلك من خلال أول تصريح أدلى به أردوغان في المطار قبل زيارته لإندونيسيا، وتشير تصريحات وزير الداخلية سليمان صويلو بوضوح إلى هذه القضية.
لماذا تركيا؟
تتقدم تركيا نحو أن تصبح رائداً عالمياً، خاصة مع السياسات التي اتبعتها مؤخراً والخطوات التي اتخذتها في مجال التكنولوجيا، وخاصة في مجال الدفاع، إذ سيتم تشغيل محطة “أكويو” للطاقة النووية، وهي أول محطة للطاقة النووية في تركيا قيد الإنشاء سنة 2023.
وفي صناعة الدفاع سيتم تنفيذ المشاريع التي من شأنها تغيير مفهوم مجال الأسلحة والدفاع في جميع أنحاء العالم واحدة تلو الأخرى، كذلك احتفلت تركيا من فترة قريبة بإنتاج أول سيارة محلية كهربائية، إيذاناً ببدء التصنيع التسلسلي لسيارتها الكهربائية “توغ” (Togg).
وفي الوقت الذي انهارت فيه الخدمات الصحية في جميع البلدان أثناء الوباء، نجت تركيا من هذه العملية بأقل قدر من التأثير بفضل المستشفيات المدينة.
تقوم تركيا كذلك بعمليات غير مسبوقة في مجال مكافحة الإرهاب، حيث انخفض عدد العناصر الإرهابية التي تحمل السلاح إلى أقل من 100 شخص؛ إذ تقوم بعمليات ضد الإرهاب في شمال سوريا وشمال العراق كل يوم تقريباً، والعديد من التطورات الأخرى التي يمكننا الاعتماد عليها لفتت الانتباه إلى تركيا.
بالإضافة إلى كل هذا وعلى الناحية السياسية فقد اعترض الرئيس أردوغان على النظام العالمي الحالي، وطور خطاباً على نطاق واسع بتصريحاته في الأمم المتحدة، قائلاً إن العالم أكبر من 5، (في إشارة للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن).
تركيا والحرب الروسية الأوكراينة
برزت كذلك تركيا باعتبارها الدولة الوحيدة التي يمكنها التفاوض مع كلا البلدين للحفاظ على حيادها من خلال الدبلوماسية التي أظهرتها في حرب أوكرانيا. وذلك عبر دورها في الوساطة، حيث عملت تركيا من ناحية على القضاء على مشكلة الجوع وحل أزمة الحبوب الغذائية التي كانت تهدد العالم بأسره، ومن ناحية أخرى، منعت الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية.
إننا إن أردنا فهم ما حدث في تقسيم، ودوافع هذا التفجير الإرهابي، فيجب النظر إلى كل المعطيات السابقة ليس فقط إلى منفذ التفجير وهويته.
الخطاب الأول لأردوغان
قال الرئيس أردوغان، قبل مغادرته إلى إندونيسيا فور وقوع العمل الإرهابي، في بيان من المطار: “إن جهود السيطرة على تركيا والأمة التركية من خلال الإرهاب لن تصل إلى هدفها اليوم وغداً كما فعلت بالأمس”، فمن الواضح في تصريح السيد أردوغان أن هذه الحادثة ليست مجرد عمل إرهابي.
علينا أن نفهم أن هذا الهجوم الذي نفذ اليوم في تقسيم تقف وراءه ضغائن من الماضي ضد الجمهورية التركية، وأن هناك من يحاولون تخويف الشعب التركي وإرهابه، وهذه الأطراف ليست مجرد أطراف، بل إنها دول بأكملها.
ما قاله سليمان صويلو كان أكثر
كانت تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، الذي أدلى ببيان صحفي بعد القبض على الإرهابية التي نفذت العمل الإرهابي، شبيهة بتفاصيل تصريحات أردوغان. وفي الواقع، كشفت تصريحات صويلو، نقاطاً 3 ذات أهمية متعلقة بالهجوم:
أولاً: “نحن نعلم الرسالة التي أُعطيت لنا، لقد تلقينا الرسالة التي أُعطيت لنا”.
ثانياً: “لا نقبل تعازي السفارة الأمريكية، بل نرفضها”.
ثالثاً: “هذا الفهم الذي يغذي “كوباني” ومناطق الإرهاب ويحاول تعطيل سلام تركيا من هناك، وينبغي بالطبع مناقشة تحالفنا مع دولة ترسل الأموال لتمويل هذا الإرهاب”.
عندما يتم تحليل هذه الجمل الثلاث للسيد صويلو، من الممكن العثور على إجابات لأسئلة من هي المنظمة التي نفذت الحادث؟ ومن الداعم أو المؤيدون لها؟”.
حيث صرح السيد الوزير بوضوح أن العمل الإرهابي تم تنفيذه من قبل حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي بدعم من الولايات المتحدة، مع رفض تعازي الولايات المتحدة الأمريكية، هذا يشير إلى أن الجاني الرئيسي هو الولايات المتحدة الأمريكية.
لا شك أن تركيا من أكثر الدول معاناة من الإرهاب في العالم، لقد فعلت العديد من الدول، التي تدرك جيداً إرث تركيا من الماضي، كل شيء لإبقاء تركيا ضعيفة لأكثر من قرن، أحياناً عن طريق إحداث انقلابات، وأحياناً عن طريق خلق مشاكل اقتصادية، حتى لا تصبح تركيا قوة عالمية.
كما تم استخدام منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، التي تطارد تركيا منذ أوائل الثمانينيات، كوسيلة لمحاربة تركيا. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه الجهود، فإن تركيا في طريقها لتصبح لاعباً مهماً في العالم بمشاريعها العديدة، إلى جانب التطورات المذكورة أعلاه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.