مقالات و أراء

التصعيد الأمريكي لتركيا هل هو حقاً من اجل القس الأمريكي؟؟؟

وصلت العلاقات التركية الأمريكية الى مستوى من التوتر بشكل غير مسبوق، رغم تصريحات وزيري الخارجية للبلدين بأن البلدين اتَّفقا على العمل عن كثب لحلّ القضايا العالقة بينهما، وان المعلن لهذا الخلاف هو اعتقال القس الأمريكي أندرو برانسون المتهم بالتعاون مع منظمة غولن الإرهابية، وكذلك تعاونه مع حزب العمال الكردستاني، هاتين الجهتين تعتبرهما انقرة حركتين ارهابيتين، ورغم انه توجد هناك خلافات كثيرة بين البلدين تتعلق بالسياسة الخارجية لكلا البلدين ، لكن الذي طغى على هذه الخلافات هو هذا الاعتقال، والسؤال الذي نطرحه هو ماذا يريد ترامب تحديداً من تركيا في هذا الوقت؟

البداية كانت من الجانب الأمريكي حين غرد ترامب على ” تويتر” بأن واشنطن ستفرض عقوبات شديدة على تركيا لاعتقالها القس أندرو برانسون، وأعقب هذه التهديدات تصريح نائب الرئيس الأمريكي انه لا يوجد هناك دليل موثوق به ضد القس برانسون، وإذا لم تتخذ تركيا إجراءً فوريًا لإطلاق سراحه وإعادته إلى دياره بأمريكا فستفرض الولايات المتحدة عقوبات كبيرة على تركيا إلى حين إطلاق سراح برانسون، هذه التصريحات أثارت الجانب التركي الذي لم يتأخر رده، حيث صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنه من المستحيل القبول بما وصفه بالخطاب التهديدي لواشنطن ضد تركيا الدولة العضو في حلف الناتو، وأنه لا يمكن لأحد أن يفرض إملاءاته على تركيا، ولا يمكن لأنقرة التسامح مع أي تهديد، فيما أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن التوتر في العلاقات بين البلدين لم يمنع استمرار التواصل فيما يتعلق بالقضايا والملفات المشتركة، على رأسها خريطة الطريق بشأن مدينة منبج شمال سوريا.

 

وقد انقسم المراقبين الامريكان الى ثلاثة اتجاهات وهي كما يلي: الاتجاه الأول، ان هذه التهديدات التي أطلقها ترامب ونائبه هدفها الرئيسي هو محاولة الحصول على أصوات ” الانجيليين” خلال الانتخابات النصفية المقبلة والمزمع إجراؤها في تشرين الثاني، لتعويض الخسائر المتوقعة للرئيس وعلى خلفية الفضائح المستمرة له، ومحاولة كسب مقاعد جديدة للجمهوريين في الكونغرس.

والاتجاه الثاني، هو ان تهديدات ترامب متعلقة بالسياسة الداخلية للولايات المتحدة وليس لتركيا اية علاقة فيها، وان وراءها هو محاولة من ترامب لإظهار نفسه بمظهر المدافع عن زعيم انجيلي يواجه الحبس في تركيا، اما الاتجاه الثالث، فان المقصود بهذه التهديدات هو الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لمواقفه المؤيدة للشعب الفلسطيني وانتقاده المستمر لسياسة أمريكا واضطهاد إسرائيل للفلسطينيين وقسوتها عليهم، ورجح الكثير من هؤلاء المراقبين على الاتجاه الأول وهي محاولة إرضاء الانجيليين وكسب رضاهم من اجل الانتخابات، وقد كشفت تهديدات ترامب ونائبه الى عدم وجود  تنسيق بين وزارة الخارجية الامريكية وبين البيت الأبيض، مما جعل البعض يقوم بدعوة الحكومة الامريكية بتغليب المصالح الامريكية على حزن القس وعائلته ، واستمرار العمل مع تركيا لكي يتم اطلاق سراحه وليس بالعقوبات الاقتصادية.

أما في الجانب التركي فقد أكد مستشار الرئيس التركي جميل أرتيم أن الأمرلا يتعلق بالقس الأمريكي، وانما بتعامل الولايات المتحدة بشكل أحمق ظناً منها ان الدول لازالت تحت سطوتها، وان العالم أصبح متعدد الأقطاب وتتغير فيه موازين القوى. تركيا اليوم تشعر بأنها في موقع القوة وليس الضعف، وخاصة بعد تغيير نظام الحكم فيها الى النظام الرئاسي وفوز السيد اردوغان بالرئاسة وقيادة تركيا، بأنه ليس هناك أي دولة تستطيع فرض السيطرة عليها، ومن هذه الشواهد هي حرية الاختيار في شراء أسلحتها كما حصل في عملية شراء منظومة صواريخ ( أس ــ 400) من روسيا، أو في رفض العقوبات التي فرضتها أمريكا على ايران ، من خلال تصريح وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو موضحاً أن تركيا ” ترى مبدئياً أن العقوبات المفروضة على إيران غير صائبة، وأنها ليست مضطرة للالتزام بأي عقوبات يفرضها أي بلد على إيران “.

 

 

د. عبد السلام ياسين السعدي –  خاص تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى