مقالات و أراء

التعاطي التركي مع الازمة السورية… بعض المحددات

التحولات التي شهدتها تركيا منذ المحاولة الانقلابية في تموز من عام 2016 هي كبيرة وكثيرة، ويمكن ملاحظتها من خلال تعاطي تركيا للقضايا الداخلية والقضايا الإقليمية والدولية وخاصة تجاه الأزمة السورية، فعلى الصعيد الداخلي تمت تصفية او تحييد كل الخصوم السياسيين الذين لديهم علاقة مع زعيم الحركة الانقلابية الفاشلة ” فتح الله كولن” أو المدعومين من قبله، أما على الصعيد الخارجي فقد طالب السيد رجب طيب اردوغان في 24/تموز/2016 بتعديل اتفاقية لوزان التي وقعت عام 1923، والتي ترى تركيا ان لها أحقية تاريخية بمدن في حلب مروراً بمدن شمال العراق وحتى محافظة السليمانية العراقية، لذا فان تعاطي السياسة الخارجية التركية مع بعض المتغيرات الإقليمية وحتى الدولية واجهتها نوع من التوتر وحتى الفتور نتيجة وجود مصالح دولية وإقليمية عديدة.

 

ورغم تبدل المواقف التي ظهرت من قبل الجانب التركي حول مسألة الازمة السورية منذ اندلاعها عام 2011، لكن الاهتمام الأكبر بالنسبة لتركيا يتمثل بمحاربة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي، وهذا ما ظهر جلياً من خلال العمليتين العسكريتين درع الفرات وغصن الزيتون في العام 2016، وتحاول تركيا ان تعيد نفس العملية شرق الفرات، لكن الحسابات اختلفت عن الماضي، وأصبحت المنطقة تخضع لتوازنات ومقايضات دولية دقيقة، وان القوات الامريكية لاتزال موجودة بالرغم من اعلان انسحابها من المنطقة، لذا انتهجت تركيا أسلوب المفاوضات والدبلوماسية للوصول الى حل لتلك المنطقة مثل إقامة المنطقة الآمنة على الحدود التركية السورية، مما سيضمن انتقال الجماعات المسلحة التي تشكل خطراً على الأمن التركي الى العمق السوري، إضافة الى التنسيق مع روسيا بوجود ضمانات على الحدود شمال سوريا.                                   

و من هنا جاءت المفاوضات والتنسيق بين روسيا وتركيا وقد انضمت اليهما إيران رغم وجود بعض الخلافات الجوهرية بين هذه الدول، وعقدت قمة ثلاثية حول المسألة السورية ولأكثر من مرة، وكان آخر قمة عقدت بين الرئيسين التركي والروسي في الرابع والعشرين من كانون الثاني هذا العام، والتي سمحت لتركيا بالتوغل في الأراضي السورية لمسافة (5) كم خاصة عند تعرض الامن القومي التركي للخطر، وهذه الخطوة هي بمثابة ورقة للضغط على الاكراد في شمال سوريا، وللتسريع بفتح مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية.

 

ان أكبر تهديد يواجه الامن القومي التركي على الحدود المشتركة مع سورية هو تواجد حزب العمال الكردستاني المحظور(PKK) و(PYD)، لذا يتطلب هذا الامر التنسيق الأمني والاستراتيجي مع موسكو وطهران لوضع الحلول المناسبة، ولذلك أعطت موسكو الضوء الأخضر لتركيا القيام بهذه الحملات شمال غرب سوريا.                                                                                   

ويشكل التعاطي التركي مع الازمة السورية ورقة ضغط على الاتحاد الأوربي، حيث هدد السيد اردوغان الاتحاد الأوروبي بإغراقه باللاجئين، وتعمل تركيا على عمل التوازن بين أمريكا وروسيا وذلك بألقاء ثقلها تجاه روسيا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية من الغرب، وبنفس النهج تتجه نحو الولايات الامريكية للحصول على بعض المكاسب السياسية منها.

إن المحددات التي اوردناها آنفاً والتي تخص السياسة التركية تجاه سوريا تؤكد أن التعاطي التركي الذي يتصف بالواقعية الخشنة مع بعض الأطراف في الأزمة والدبلوماسية الناعمة تجاه البعض الأخر والذي يتخللهما البرجماتية سيستمر على نفس النهج مستقبلاً حتى يتم إجراء عملية سياسية في سوريا او على الأقل أخذ ضمانات من موسكو بخصوص أكراد شمال سوريا والذين يشكلون خطراً على الأمن القومي لأنقرة من المنظور الأمني التركي، إضافة إلى هذا فإن تركيا تأمل أن يؤدي تعاطيها بهذا الشكل مع الأزمة السورية وبالأخص مع المكون الكردي أن يؤثر إيجابا في الداخل التركي بمعنى أن العمليات العسكرية والنهج المتشدد للسياسة التركية في سوريا له انعكاسات إيجابية على القوميين في تركيا بل والرأي العام التركي، وبالتالي يساعد هذا في نمو شعبية الرئيس التركي وحزبه حزب العدالة والتنمية داخلياً، وسوف نرى تأثير ذلك من خلال حصول الحزب على أصوات الاتراك في الانتخابات المقبلة والمزمع اجرائها في اذار المقبل وعندها سيكون لكل حادث حديث.

الدكتور عبد السلام ياسين السعدي

زر الذهاب إلى الأعلى