مقالات و أراء

الخطوة السعودية نحو تركيا.. هل هي بداية تموضع جديد؟

الخطوة السعودية المتمثلة باتصال الملك سلمان بالرئيس التركي كانت سبقتها مبادرة الأول بإرسال مساعدات سعودية لمتضرري زلزال إزمير الذي حدث نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. هذه الخطوة تأتي مباشرة بعد حديث للرئيس أردوغان قال فيه: “ضرورة فتح قنوات الدبلوماسية والمصالحة على مصراعيها من أجل إزالة الغموض الذي ظهر في المنطقة، بعد الانتخابات الأمريكية”.

 

 

حديث الرئيس أردوغان يوضحه حديث آخر له حين قال: “نحن كدول المنطقة من الممكن أن نحتل المكانة التي نستحقها في النظام السياسي والاقتصادي العالمي الجديد الذي يتسارع تشكيله مع جائحة كورونا، وذلك من خلال حلّ نزاعاتنا بسرعة والتحرك سوياً”.

إذن السعوديون الذين هددهم جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب يعانون أيضاً من تهديدات علنية إيرانية مستمرة منذ اعتلاء ملالي طهران للعرش.

 

 

تأتي مشكلة كورونا أيضاً، هذه الجائحة التي أثّرت على الاقتصاد السعودي ذي الطبيعة الريعية المرتكزة على تصدير النفط ومشتقاته، وعملت على تراجع القدرة السعودية في الإيفاء بمستلزمات مشاريعها الاقتصادية والخدمية في البلاد.

ويوجد أمرٌ آخر وهو انعقاد مؤتمر قمة مجموعة العشرين الاقتصادية العالمية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية وتشغل تركيا مقعدها السادس عشر وفق ترتيب قيمة الناتج المحلي عالمياً.

لقد بات واضحاً لدى السعوديين أن مقاطعة تركيا والاستمرار بسياسة العداء لها لن يخدمهم في المحصلة النهائية، فهم غير قادرين على مواجهة سياسة عدائية تضمرها لهم إدارة جو بايدن الديمقراطية، التي تعتبر بصورة ما امتداداً لفهم الديمقراطيين السياسي الدولي المتمثل بضرورة الحفاظ على علاقات مع إيران والسماح لها بتنفيذ برنامجها النووي الذي يدّعي الإيرانيون أنه برنامجٌ نووي سلمي، في وقت يعرف مراقبو الأسلحة النووية الدولية أن إيران تكثّف من جهودها لصناعة قنبلتها النووية الأولى.

ويدرك السعوديون وجود توجه غربي باتهام المملكة العربية السعودية بأنها المصدّر الأول للإسلام الراديكالي، وهذا يعني التخطيط لإزاحة هذا النظام واستبدال نظام سياسي أكثر عداءً للراديكالية به، وأكثر انفتاحاً على التطور العالمي بشقيه التكنولوجي والتنموي.

لكنّ الأمر بجوهره لا يكمن بهذا البروباغندا الإعلامية التي تتبناها وسائل الإعلام الغربية، بل يتعداه إلى العداء الإيراني العلني للسعودية ودول الخليج عموماً، إذ تريد إيران أن يكون محيطها العربي مجرد توابع سياسية لها.

فإيران تعرف أن إزاحة المملكة السعودية من طريقها، يعني بدء انفراط عقد مقاومتها في المنطقة، لا سيما أن الدور المصري مغيّب بفعل اعتماد سياسة المحاور والعداوات الأيديولوجية من قبل نظام السيسي.

لقد كشفت الخطوات الإصلاحية السطحية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن خطوات كهذه لن تصلح العطب العميق في بنية الدولة والمجتمع السعوديين، وبالتالي لن تصلح من شأن السياسات السعودية الجديدة التي يتبناها ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، التي لا تزال تعتمد على سياسة المحاور القائمة على الهروب من متطلبات التنمية والتطوير والعدالة الاجتماعية، فهذه الخطوات كانت مجرد طلاء للسطوح الخارجية، لبناء سياسي واقتصادي واجتماعي سعودي متآكل.

إن خطوة الملك سلمان بمهاتفة الرئيس أردوغان تعني أنه بات على قناعة بأن الخلافات بين بلاده وتركيا تسيء إلى البلدين ولا يستفيد منها غير أعدائهما المعلنين أو المضمرين. هذه الرؤية تتقاطع مع قناعة قيادة حزب العدالة والتنمية التركي التي لخصها أردوغان بقوله: “نحن في تركيا على استعداد كاملٍ لفعل ما يقع على عاتقنا، من أجل إرساء السلام والاستقرار والأمن والرخاء في المنطقة”.

إن انعقاد مؤتمر مجموعة العشرين في المملكة العربية السعودية في ظل الموجة الثانية لجائحة كوفيد-19 (كورونا) سيكشف مقدار الخلل بالوضع الاقتصادي لهذه المجموعة التي بدأت تشهد انكماشاً اقتصادياً، سينعكس في صورة سياسات عدوانية خارجية لسدّ الفجوة الاقتصادية التي نشأت بسبب هذه الجائحة.

مؤتمر القمة الخامس عشر لمجموعة العشرين اختار السعوديون له شعاراً هو “فرصتنا لنلهم العالم برؤيتنا”، يحتاج من قِبلهم إلى أن يجسدوا هذا الشعار في سياساتهم لا أن يبقى مجرد كلام تحتويه لافتة ستُطوى بعد انتهاء القمة المذكورة.

السعوديون يحتاجون إلى الأتراك لمواجهة مخاطر وجودية تخصّ دولتهم، وأول هذه الأخطار يتمثل بالعداء الإيراني لهم، الذي يبدو أن سياسة الوافد الجديد إلى البيت الأبيض جو بايدن لم يخفها من حملته الانتخابية، فسياسته هي استكمال نسبي لسياسة أوباما المحابية لإيران والمعادية للعرب.

حاجة السعودية إلى التحالف مع الأتراك تعني قوة اقتصادية عملاقة، يوفرها هذا التحالف، الذي يبلغ مجموع ناتجيه المحليينما يقرب الـ 1548.9 مليار دولار، وتعني أن بإمكان السعودية التعاون والتحالف مع قوة تركيا العسكرية المتفوقة، التي لا تشكل تهديداً للمملكة ونظامها السياسي مثلما يشكل الإيرانيون تهديداً مستمراً للسعودية ودول الخليج العربية.

لهذا فإن وجود تحالف سعودي-تركي يعني ردعاً مسبقاً لأي محاولة للاعتداء على استقرار البلدين، بل هو تعزيز لمسعى خلق الاستقرار والسلام والتنمية الحقيقية في المنطقة، وقد ذهب إلى هذا الموضوع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين قال: “نحن كدول المنطقة من الممكن أن نحتل المكانة التي نستحقها في النظام السياسي والاقتصادي العالمي الجديد الذي يتسارع تشكيله مع جائحة كورونا، وذلك من خلال حلّ نزاعاتنا بسرعة والتحرك سريعاً”.

وفق ما تقدم يمكننا القول إن الحاجة السياسية والاقتصادية والأمنية لتركيا والسعودية تتطلب تقارباً وتعاوناً حقيقياً، مع تنحية الخلافات التي نتجت عن سياسات المحاور ومعاداة تركيا، المحور الذي يروج له الإماراتيون والمصريون هو محور البحث عن عدوٍّ مفترضٍ يعلّقون عليه كمشجب كل إخفاقاتهم في التنمية والتطوير والدفاع عن حقوق شعوبهم العربية.

التقارب السعودي-التركي الذي فُتحت بوابته يحتاج إلى التركيز على التقاطعات المفيدة الكبرى للبلدين وتنحية مؤقتة للخلافات حول قضايا يتكفّل الزمن والعلاقات الودية والتحالف الحقيقي بحلها.

وهذا يبدأ من تعاون اقتصادي وعلمي وسياسي، إذ يمكن للطرفين التعاون في إنشاء مشاريع اقتصادية ذات نفع للبلدين والشعبين، وكذلك التعاون الفعال في تطوير القدرات العلمية لديهما من خلال برامج وبحوث شاملة في جوانب العلوم المختلفة التي يحتاج إليها شعباهما.

والسؤال: هل بدأ العدّ العكسي لإزاحة الخلافات والتناحرات المؤذية في المنطقة وبين الدولتين الشقيقتين؟ وهل يجد كلام الرئيس أردوغان صداه حين قال: “نرغب في التحرك مع كل دول المنطقة التي نعتبرها صديقة ونعتبر شعوبها شقيقة”. ننتظر ما بعد مؤتمر قمة العشرين لنرى ما سيحدث.

 

 

أسامة محمود آغي TRT

زر الذهاب إلى الأعلى