مقالات و أراء

“الخوف من تركيا” يتحول إلى وباء .. لو عادت تركيا سيغادر الجميع!

سقوط الغرب وصعود تركيا

 

لقد أفضى تبدل موازين القوى الذي لم نشهد مثله منذ مئات السنين إلى حدوث فراغات كبيرة في السلطة، فمن كان سيملأ هذه الفراغات؟ هل أمريكا؟ فرنسا؟ بقية دول الاتحاد الأوروبي؟ إسرائيل؟ أم الأنظمة العربية الخاضعة للسيطرة الأمريكية – الإسرائيلية؟

 

ليس أيا منها، لا سيما في عصر تتراجع فيه الحضارة الغربية وتكسر فيها شوكة احتقار القوة التي صمدت لقرون لتظهر على الساحة قوى جديدة تقف في مواجهة الغرب.

لو عادت تركيا سيغادر الجميع!

 

لقد أصبحنا اليوم في وضعية تؤهلنا لنرى من سيغادر البحر المتوسط بل سيكون مضطرًا لفعل ذلك وأيّ القوى ستجبر على مغادرة منطقتنا. وهي حالة الانسحاب التي ستتخذ منحى دراماتيكيا بمرور الوقت.

سترون كيف تفقد الدول التي لطالما نعتموها بالقوية للغاية قوتها الواحدة تلو الأخرى، فستضعف أوروبا وستخسر الدول الاصطناعية في منطقتنا وتصبح عديمة الفائدة.

 

كانت تلك “الجبهة” ستجعل الداخل التركي يخضع لمحور أمريكا وإسرائيل وأوروبا

وبينما وضعوا كلّ هذه الحسابات وأعادوا ترتيب معادلة القوى أقصوا تركيا من كل خطة لأنهم كانوا يخشونها ويخافون من استيقاظها وتحركها لتفسد عليهم كل مخططاتهم.

ولهذا فقد بدؤوا أولًا بتأسيس كيانات من شأنها إدارة العقلية السياسية والميول الاجتماعية داخل تركيا نفسها وجمعوا تحت مظلة واحدة أحزابًا سياسية بعيدة كل البعد عن بعضها أيدولوجيًّا دون النظر لهويتها السياسية وضمّوا إليها بعد ذلك التنظيمات الإرهابية.

لقد كان هدفهم أن تسيطر هذه الجبهة الجديدة على الرأي العام الداخلي في تركيا وتوجهه وفق حسابات أمريكا وأوروبا وإسرائيل ليخططوا بعد ذلك مجدّدًا لإعادة ملء فراغ القوى وينجحوا في إقصاء تركيا. لقد حاولوا تنفيذ هذا المخطط المضاد لتركيا على أراضيها وكذلك في منطقتها.

من تخلوا عن تركيا لصالح التعاون مع الغرب سيخيب أملهم

إنّ كلّ الذين تخلوا عن تركيا على كل الجبهات التي خاضت عليها كفاحها يعتبرون جزءًا من مخطط خريطة القوى الجديدة التي رسم الغرب ملامحها. وهو ما نسميه بالخيانة، فهذا ما يقوله التاريخ السياسي، فنحن نشهد واحدًا من أوجع الأحداث التي شهدناها في المنطقة منذ قرون.

ليس لتخليهم عن تركيا ووقوفهم على الجبهة المعادية لأردوغان أدنى علاقة بالسياسة الداخلية. فلغتهم السياسية ومواقفهم وطريقتهم في المعارضة متوافقة تمامًا مع هذه الصياغة الجديدة التي ترسمها أمريكا وأوروبا وإسرائيل في منطقتنا. فمن يتابع هذا الأمر عن كثب سيرى هذه الحقيقة بوضوح.

هذا هو سبب الذعر

لكنّ الأمور لم تسر كما خططوا لها، ولن يحدث هذا أبدًا، فهمها حاولوا في الداخل والخارج وهددونا فإنّ تركيا ستملأ فراغ القوى في هذه المنطقة وستنزل بهم الشيء الذي لطالما خافوا منه بعدما تحركت بعد سبات دائم لمائة عام.

فهذا هو سبب ذعر فرنسا واليونان وعداوة جبهة السعودية – الإمارات وتأسيس إسرائيل لجبهة عربية مضادة لتركيا وتحريضهم جميع المتعاونين معهم في المنطقة ضدها.

نصيبك من الثناء على قدر عداوتك لأردوغان

لقد أصبحت تركيا وأردوغان هما المادة الخصبة للسياسة الداخلية في كل دول أوروبا، كما أصبحا موضع نقاش المنافسة بين ترامب وبايدن في أمريكا، الأمر ذاته ينطبق على إسرائيل.

وهناك بعض الأنظمة العربية التي تأخذ نصيبها من ثناء الغرب على قدر عداوتها لأردوغان، فهذه هي وسيلتهم لتدعيم سلطانهم.

ويعتقد من بداخل تركيا كذلك أنهم سينال رضا الغرب بقدر عداوته لأردوغان، ولهذا تجد مواقفهم مبنية على مخطط “إيقاف تركيا”. فهذه الحقيقة كفيلة وحدها لتعلنها صراحة كيف أصبحت تركيا قوة لا يستهان بها.

لم يتوقعوا هذا القدر

دهشوا لما نزع آخر سلاح من أيديهم

يشهد الغرب صعود قوة بمستوى لم يتوقعه ويأمله أبدًا. فكان لديهم دائمًا الخوف من “استيقاظ تركيا”. لكنهم لم يتوقعوا أبدًا أن يحدث هذا الأمر بهذه السرعة والمفاجأة والعزيمة والتأثير وأن تركيا ستتحرك بهذا القدر من الشجاعة، ولهذا فقد أصابتهم الدهشة…

لقد نجحت تركيا خلال بضع سنين غلق جميع المساحات التي يمكن للغرب التدخل عبرها. ولقد كان الاقتصاد هو أضعف جوانبها، فاستطاعت تدعيم هذا الجانب باكتشاف حقول جديدة من الغاز الطبيعي، وهو ما سنشهد المزيد منه مستقبلا، لتنزع آخر وأقوى سلاح من أيديهم، ليدركوا خلال وقت قصير للغاية أن الجبهة التي أقاموها في الداخل كذلك لن تنفعهم.

ذلك أنّ ميزان القوى أصبح يصب في مصلحة تركيا وكذلك هو الحال بالنسبة لكل التطورات على الساحة الدولية، كما تغذي تركيا هذه المساحة بثرائها السياسي الذي يرجع تاريخه في المنطقة لألف عام مضت.

انتبهوا للعناصر التحريضية التي نشروها بيننا!

لقد استغلت القوى الغربية اليونان كعنصر تحريضي أطلقته على تركيا من ناحية الغرب، الأمر ذاته ينطبق على أرمينيا من ناحية الشرق، ومن ناحية الجنوب أطلقوا السعودية والإمارات والنظام المصري ليشكلوا جبهة عربية – إسرائيلية مضادة لتركيا بقيادة بن سلمان وبن زايد.

كما حرضوا تنظيمات إرهابية كبي كا كا وداعش ضد تركيا، فضلًا عن جبهات شيوعية وذات توجهات أخرى. فالقوى التي فعلت كل ذلك هي نفسها القوى التي أقامت “جبهة إيقاف تركيا” في الداخل.

أكبر تحدي أمام تركيا

لقد شرعوا في عملية تصفية حسابات ضخمة مركزها البحر المتوسط، وهو ما يعتبر أكبر حصار وهجوم منذ الحرب العالمية الأولى، لكنه يعتبر أكبر تحدي أمام تركيا بعد مرور قرن.

ولعلكم ترون الصراع الحقيقي عندما تكشف تركيا عن حقل غاز طبيعي قريبًا في المتوسط، إذ سيتدفقون على المنطقة بكل شراستهم وبشعهم لنهب ثرواتها، وحينها سيعلمون جيدًا من تكون تركيا التي تخوض كفاحًا موحدًا ضد كل الدول الغربية وأذنابهم في الداخل وفي المنطقة.

ولو حتى كانت إمبراطورية ماذا عساك فاعلًا؟!

لقد نجحنا خلال السنوات الأربع الأخيرة في تحقيق ما قالوا لن ننجح في تحقيقه في 4 عقود. فتخيلوا ماذا يمكن أن يحدث ويتغير بهذه السرعة والقوة.

إننا نشهد سقوط الغرب وصعود تركيا، فهذا ملخص الأحداث، وسيسير كلّ تطور جديد في هذا الاتجاه.

لقد اتهم ماكرون تركيا بـ”ترشيح فانتازيا الإمبراطورية”!

فماذا عسى ماكرون أن يفعل لو أنّ الأمر كذلك حقًّا؟!

لقد ولى عهد الاستعمار، فذلك النظام ينهار، وسنرى انهيارهم تواليًا عن قريب فيما يمكن أن نصفه بـ”نهاية التاريخ” بالنسبة للغرب.

ابراهيم قره غل رئيس تحرير يني شفق

 

زر الذهاب إلى الأعلى