أخــبـار مـحـلـيـةثقافية

الدراما التركية تتكلم “الجزائرية” للمرة الأولى

نجحت الدراما التركية في الآونة الأخيرة أن تطرق مسامع وأنظار العرب عبر شاشات تلفزيوناتهم بلغة عربية مدبلجة بلهجات غلب عليها الشامية أو المصرية، غير أن الجزائر أخذت من خصوصية لهجتها لتضيفه على المواد المصورة التي تبث على قنواتها الخاصة والحكومية.

فقد أطلّت في الآونة الأخيرة بعض القنوات الخاصة في الجزائر على جمهورها داخل البلاد والعربي بمسلسلات تركية مدبلجة إلى اللهجة المحلية في سابقة تعدّ الأولى من نوعها في البلاد. إذ ارتبطت لوقت قريب كافة القنوات الجزائرية (العمومية والخاصة) بشراء الأعمال الدرامية التركية والبرازيلية والمكسيكية المدبلجة بالعربية الفصحى أو لهجات لبنانية وسورية ومصرية.
وتسير بعض القنوات الجزائرية على غرار “الشروق” و”النهار” على خطى بعض التلفزيونات التونسية والمغربية التي سبقتها في التجربة، إذ لجأت إلى شراء حقوق بث مسلسلات تركية لكن بدبلجة محلية تتم داخل البلدين.وتعتبر التجربة الجزائرية في مجال الدبلجة في بداية مشوارها بسبب افتقار البلاد إلى استوديوهات صناعة الدراما والسينما وحتّى الترجمة، فضلاً عن سيطرة الأعمال المصرية والسورية والدراما التركية المدبلجة باللهجات المشرقية على الشبكة البرامجية للقنوات الجزائرية الخاصة والعمومية.

ففي منتصف أكتوبر/تشرين أول الماضي، بدأت قناة “الشروق”، بعرض المسلسل التركي الجديد “إليف” المدبلج إلى اللهجة الجزائرية للمرة الأولى، حيث حظي بمتابعة معتبرة منذ الحلقات الأولى.

وتعدّ مبادرة القناة سابقة ومغامرة في الوقت نفسه، في عالم السمعي البصري وميدان صناعة الأعمال الدرامية، باعتبارها أولّ تجربة. ليبقى نجاح وفشل التجربة مرهونا بمدى استقطاب الجمهور الذي “سرقته” الأعمال العربية، كما أنّه غير متعود على أعمال أجنبية أو عربية مقدمة بلهجته.

أما أغنية المسلسل المكون من 189 حلقة، فأدتها الفنانة الجزائرية “كنزة مرسلي” خريجة برنامج المسابقات الغنائية “ستار أكاديمي” الذي قدمته إحدى القنوات العربية في السنوات الماضية.

وحقق البرومو الدعائي نسبة مشاهدة عالية على موقع “اليوتوب” قدر ت بـ10 ملايين مشاهدة، بحسب ما رصده مراسل الأناضول.

وتدور أحداث المسلسل التركي وعنوانه الأصلي (رغم الأحزان) حول الفتاة “إليف” التى تبنّتها عائلة فقيرة منذ ولادتها، وبعد أن تكبر يجبرها والدها على الزواج ويمنعها من الدراسة في الجامعة.

لكن “إليف” تصرّ على دخول كلية الطب في الجامعة، فتحقق الحلم وتصبح طبيبة. فتلتقي الفتاة بضابط يدعى “عزيز” ساعدها في محنتها وتزوجته في النهاية. غير أنه سرعان ما تعرف حياتها مشاكل كثيرة فيما بعد.

ويشارك في تأدية العمل الذي أخرجه باشق سوسيال عن سيناريو للكاتب أرتان شانيوفا، مجموعة من الممثلين على غرار إيرغول ميراي شاهين (إليف)، باتوهان آيدار (عزيز)، نشأت أوزجان، تشيفتل وياسمين أوزتورك وآخرين.

واعترف مدير التسويق التجاري لمجمع “الشروق” للإعلام “سمير بوجاجة” أنّ بث مسلسل تركي باللهجة الجزائرية يُعد “مغامرة حقيقية”.

وقال في حديث مع صحيفة “الشروق اليومي” إنه “بعد تجارب سوريا ومصر والمغرب، يريد المجمع أن يكون من الأوائل في مجال الدبلجة بالجزائر من أجل نشر اللجة المحلية وتسويقها عربيا ودوليا”.

قناة ” النهار لكي”، هي الأخرى سارت على خطى سابقتها، وأتت بالمسلسل التركي “العشق الأسود” ودبلجته للجزائرية، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها بالنسبة لهذه القناة والثانية في البلاد.

يقول الإعلامي بمجمع “النهار” للإعلام (خاص) وليد بوهراوة، إن مبادرة “ليست مغامرة بل هي بحاجة إلى هكذا مبادرات من أجل تسويق اللهجة والثقافة الجزائريتين إلى الخارج”.

ويشير بوهراوة إلى أن الدبلجة يقوم بها طاقم شبابي بنفس التقنيات المعمول بها في استوديوهات مختصة في هذا المجال.

ويلفت الرجل إلى أنه “رغم نقص الخبرة لدى المدبلجين إلا أنّ الطاقم رفع التحدي كما رفعته سابقا القناة في أمور وجوانب كثيرة”.

و”العشق الأسود” كتبته كل من أيلم كانبولات وسما إيرجينيكون، وأخرجه أحمد كاتيكسيز.

فيما قام بدوري البطولة، توبا بويوكستون الشهيرة في الوطن العربي باسم “لميس”، وانجين أكيوريك المعروف لدى العرب بـ”كريم” بطل مسلسل “فاطمة”.

ويروي الفيلم قصة حب تجمع بين المحقق “عمر ديمير” ومصممة جواهر من روما اسمها “إيلين دينيزر”، بعد جريمة مقتل خطيبة عمر ووالد إيليف دينيزر، وتتطور الأحداث عندما يواجهان عصابة مافيا يقودها “طاهر دندار”.

ووسط غياب مراجع وكتب تاريخية ولغوية عن ماهية اللهجة الجزائرية، تعتبر إحدى اللهجات العربية المستعملة في البلاد، وهي كغيرها من اللهجات العربية سليلة اللغة العربية الفصحى.

وطرأ على هذه اللهجة تغييرات مختلفة بسب عديد العوامل منها التاريخية والاجتماعية، وتضم مزيجا بين كلمات فرنسية وإسبانية وتركية وأندلسية، كما يتباين نطقها من محافظة إلى أخرى بسبب اللكنة التي هي أمازيغية (بربرية).

ويرى مختصون مع بروز التجربة الأولى من نوعها في الجزائر لقناتي “الشروق” و”النهار لكي” في مجال الدبلجة السمعية البصرية، أنّ الأخيرة ستشهد تطوراً مع مرور الوقت وستفتح سوق أخرى في عالم الدراما بالعالم العربي، خاصة إذا لقيت أولا صدى طيبا عند الجمهور الجزائري المعروف بشغفه للمسلات التركية المدبلجة بالعربية.

وبين مثمن للتجربة ومتخوف من فشلها تباينت آراء الفاعلين في حقل التمثيل بالجزائر والإعلام حول الدبلجة إلى اللهجة المحلية.

إذ وصف “إلياس نجيمي” إعلامي جزائري متابع للشأن الفني، هذه الخطوة بأنها “بادرة جيدّة”. مستدركاً “لكن تبقى بحاجة إلى عناية أكبر باعتبارها في بداية الطريق. وتجهل تفاصيل الدبجلة وأبجدياتها”.

مضيفاً في حديثه مع الأناضول “لا أعتقد أنّ تعود الجمهور الجزائري على متابعة المسلسلات التركية المدبلجة إلى المشرقية عائقاً، إلا أنّ الإشكال الذي ربما يصادفها بغض النظر عن المتطلبات التقنية للدبلجة هو عامل اللهجة في حد ذاته، نظراً لوجود عدّة لهجات في الجزائر”.

كما يرى نجيمي أنّ عدم مراعاة أمور تقنية تتعلق بتقنيات الدبلجة كـ”غياب التطابق بين الكلام وتحرك شفاه الممثلين” ستكون عائقاً أمام التجربة. لكنه يأمل في أن تنجح هذه التجارب الفتية خاصة بعد النجاح الذي حققته في الجارة المغرب.

وتعتقد الممثلة الجزائرية “لبنى بوشلوخ” أنّ الدبلجة تقوم على أسس خاصة كطاقم خاص وعمل متمكن”.

وتقول للأناضول “يمكن أن تلقى الدبلجة إلى اللهجة المحلية صدى إذا كانت صحيحة خصوصا وأنّ الأعمال الدرامية الجزائرية تعاني من نقص الحوار وتكتفي بالصورة والإطالة”.

وتشيد في السياق، بتجربة بعض القنوات الخاصة في هذا المجال، فقط وجب -حسبها- اعتماد دبلجة حقيقية تقنيا وفنّيا وبأصوات ممثلين جزائريين مميزين لكي يكون التسويق للثقافة الجزائرية جيدا في الخارج.

وعقب انتشار الحلقات الأولى من المسلسلين التركيين “إليف” و”العشق الأسود” في نسختيهما الجزائرية على موقع “اليوتوب” أبدى الجمهور الجزائري التفافه حول المبادرة.

وبرز هذا الإقبال في تعليقات كثيرة منها ما كتبته المعلقة “حسناء صوفيا” من المغرب: ” مسلسلين في المستوى، أحببتهما أكثر باللهجة الجزائرية، تحية من المغرب لإخوتنا في الجزائر..نحبكم كثيرا”.

وعلّق “أمين حنيفي” من الجزائر “دبلجة مسلسل إليف كانت عالية”. ودعا القائمين عليها إلى الاستمرار.

أمّا “مصطفى” فأشار إلى أن أنّ الجزائريين لم يتعودوا على الدبلجة باللهجات المغاربية، حيث كان الجمهور يتلقى كلّ الأعمال التركية باللهجات اللبنانية، لكن مع مرور الوقت سيطلّق الجزائريون ما وصفها بـ”القاعدة المشرقية” ويألفوا الصوت الجزائري في الأعمال التركية.

زر الذهاب إلى الأعلى