أخــبـار مـحـلـيـةروائع التاريخ العثمانيمـنـوعــاتمشاهير

السلطانة هُرَّم زوجة سليمان القانوني.. بين الأسطورة والتاريخ

قلةٌ من النساء في تاريخ الإمبراطورية العثمانية كان لهن تأثير أكبر من السلطانة هُرَّم، زوجة سليمان القانوني. ورغم أن قصة هذه المرأة المذهلة لا تزال تثير حيرة المؤرخين، فإن أصولها وحياتها قبل دخولها القصر الإمبراطوري تظل غامضة.

لا يعرف موطن السلطانة هُرَّم ولا اسمها الحقيقي، إنما ذكر المؤرخون الغربيون أن اسمها روكسيلانا أو روسالان أو روكسا أو روزا أو روسا أو روزياك. في حين قالت المؤرخة والباحثة “غالينا يارمولينكو”: “يمكن تشبيه ولادة روكزولانا في الحريم الإمبراطوري العثماني بولادة نيزك أو شهاب ساطع في ظلام الليل”. وزعم بعض الباحثين والمؤرخين الأوروبيين أن السلطانة هُرَّم كانت من أصل روسي.

“ميخائيل ليتفين”، سفير ليتوانيا في شبه جزيرة القرم في منتصف القرن السادس عشر، قال: “لقد تم اختطاف هُرَّم، زوجة السلطان العثماني من أرضنا منذ زمن”.

أما بالنسبة لسفير البندقية ” نافاجيرو”، فالسلطانة هُرَّم روسية. كانت أحبها السلطان لدرجة أنه لم يكن هناك امرأة أخرى تمتلك نفس السلطة. كانت جميلة ومتواضعة وعرفت طبيعة السلطان جيدا. كذلك أكد سفير آخر للبندقية يدعى “تريفيسانو”، أن هُرَّم من أصل روسي.

يقال أيضا إن تسمية الأوروبيين للسلطانة هُرَّم “روكسيلانا” مشتقة من المصطلح البولندي الذي كان يعني “العذراء الروثينية”. بالنسبة لصموئيل تواردوفسكي، السفير البولندي في إسطنبول في 1620، روكسيلانا ابنة كاهن أرثوذكسي من روهاتين، وهي بلدة قريبة من بلدة لفوف الأوكرانية على نهر دنيستر. وتقول أغنية شعبية قديمة من منطقة بوكوفينا، إن الشابة الفتية والجميلة اختطفها التتار من منطقة روهاتين وباعوها لحريم السلطان.

هُرَّم تفوز بقلب السلطان:

إذن، فالسلطانة هُرَّم قد اختطفها التتار من بلدتها بالقرب من لفوف على نهر دنيستر. ولا تعرف الطريقة التي أحضرت بها إلى الحريم. كما أنه ليس من المؤكد ما إذا كانت قد دخلت في حريم سليمان الأول، المعروف باسم سليمان القانوني، في مانيسا أو في إسطنبول. وتشير التقديرات إلى أنها كانت في عمر 14 أو 17 عامًا في ذلك الوقت. سميت باسم هُرَّم لأنها كانت دائما مبتسمة ومبتهجة. وقد فازت بقلب السلطان سليمان الأول عندما سنحت لها الفرصة.

ولدت السلطانة هُرَّم الأمير محمد عام 1521، فبات السلطان سليمان، بعدها، يعتقد أن الشمس تشرق من وجهها، فاستغلت محبته واستأثرت به فلم تدع أية امرأة أخرى تقترب من السلطان. وقد جعلها ذلك على خلاف مع نساء أخريات في حرملك السلطان، لا سيما مع ماهيدفران، والدة الأمير مصطفى. ومع ذلك، وقبل أن يتطور الوضع إلى أبعد من ذلك، تدخلت السلطانة حفصة، والدة السلطان سليمان، للتخفيف من حدة التوتر قليلاً.

عندما توفيت السلطانة حفصة عام 1534، كانت الحاكمة الوحيدة لحريم السلطان هي السلطانة هُرَّم. وكانت أول خطوة فعلتها هي إرسال ماهيدفران إلى ابنها الأمير مصطفى. بعد ذلك، تزوج سليمان من هُرَّم في 1533 أو 1534، وقد كان ممنوع على السلاطين وقتها الزواج بالجواري. وظلت حتى وفاتها عام 1558، أكثر محظيات السلطان سليمان قرباً منه.

وفاة هُرَّم:

على خلاف أمهات الأولاد السابقات، لم تلحق السلطانة هُرَّم بابنها الأكبر محمد في “السنجق” حيث أرسل في ولاية مانيسا عام 1542. ولم تغادر إسطنبول حتى لا تترك ابنها المعاق الأمير “جهانجير” بمفرده وكذلك السلطان سليمان. ومع ذلك، كانت تزور باستمرار الأماكن التي كان أبناؤها يؤدون فيها واجباتهم كحكام، ولم تتركهم بمفردهم.

ففي عام 1543، زارت الأمير محمد في مانيسا، والأمير سليم في قونية. وفي عام 1544، ذهبت إلى بورصة مع ابنتها “مهريماه”، وصهرها رستم باشا. جمعت عائلتها هناك. أمضت شهرًا مع الأمير سليم، الذي أرسل إلى مانيسا بعد وفاة الأمير محمد عام 1547. كما اصطحبت الامير “جيهانجير” معها. عام 1548، وخلال حملة أذربيجان، زارت الأمير سليم، الذي كلف باستلام مقاليد الحكم في “أدرنه” لحماية الحدود الغربية.

ووفقا لتقارير السفراء البندقية “نافاجيرو” و”تريفيسانو” في 1553 و1554، كانت السلطانة هُرَّم، وهي بعمر الـ50 تقريباً وقتها، محبوبةً بدرجة كبيرة من قبل سليمان القانوني. كان السلطان وزوجته يعيشان بمفردهما آنذاك. ووفقاً لهؤلاء السفراء، كانت السلطانة هُرَّم أعظم حب في حياة السلطان سليم القانوني، ورفيقته، وزوجته الرسمية، وشخصية نسائية استثنائية. وقد مهدت طريق العرش أمام أبنائها، عن طريق التخلص من منافسة الأمير مصطفى لهم.

رافقت السلطانة هُرَّم السلطان سليمان إلى أدرنة في 1558 حيث مرضت مرضاً خطيراً، وفشلت جميع جهود الأطباء بإيجاد علاج لمرضها. يذكر الرحالة قطب الدين مكي، الذي كان في إسطنبول في ذلك الوقت، أن السلطانة هُرَّم كانت تعاني من الملاريا وألم في الكتف، لفترة من الوقت. بعد وقت قصير من عودتها إلى إسطنبول، توفيت في أبريل / نيسان 1558. وتم تشييع جنازتها في مسجد بايزيد ودفنت بجوار مسجد السليمانية وقد صلى عليها شيخ الإسلام “أبو سعود” أفندي.

إحسان السلطانة هُرَّم:

عام 1536، قامت السلطانة هُرَّم ببناء مسجد، ومطبخ لإطعام الفقراء، ومدرسة دينية (كُتَّاب)، ومدرسة ابتدائية، كما بنت مشفى في منطقة أقسراي. وكان أول بناء ينجزه “معمار سنان” كمهندس معماري في إسطنبول.

كذلك بنت السلطانة هُرَّم مشاريع خيرية في أدرنة وأنقرة. منها إحضار الماء إلى أدرنة. ومطبخ لإطعام الفقراء ومشفى في القدس وآخر في مكة.

هذا وتعرف السلطانة هُرَّم في العالم العربي باسم “هيام” حيث اشتهرت بعد عرض المسلسل التاريخي “حريم السلطان”.

زر الذهاب إلى الأعلى