مقالات و أراء

الصحفي السعودي خاشقجي …هل تم قتله فعلاً؟

تحدثت في مقال سابق ( قضية الصحفي السعودي خاشقچي هل هي أزمة جديدة لتركيا )  عن قضية اختفاء الكاتب والمعارض السعودي جمال خاشقچي في ظروف غامضة عند دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2/10/2018 لإكمال أوراق رسمية، وأصبح واضحاً لجميع متابعي هذه القضية  ان الرجل دخل الى قنصلية بلاده ولم يخرج، وأصبح مصيره مجهولاً ولم تظهر حقيقة اختفاءه لحد هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه السطور، وقلت ان هذه العملية تثير الكثير من الأسئلة والشبهات حول توقيتها والاهداف التي تبتغيها.                                                                                                 

وقد اثارتني الاخبار التي تحدثت يوم أمس 7/10/2018والاخبار التي تتابعت عن هذا الموضوع، من ان خاشقچي قد قتل داخل قنصلية بلاده، وان هناك وفد سعودي دخل الى القنصلية السعودية ومن ثم غادرها بعد ساعتين من دخوله اثناء تواجد خاشقچي فيها، وقد استجدت أموراً وترشحت معلومات تثير الشكوك في هذه الحادثة، ومنها:

1- ذكرت الاخبار ان مصدر مسؤول في القنصلية السعودية بإسطنبول قال بأن هناك وفدا أمنيا مكوناً من محققين سعوديين وصلوا إلى إسطنبول، يوم السبت، بناء على طلب الجانب السعودي وموافقة الجانب التركي للمشاركة في التحقيقات”، اذن تم معرفة طبيعة هذا الوفد، وهو وفد من أجهزة الامن السعودية؟ فهل ياترى جاء هذا الوفد للتحقيق مع خاشقچي ام انه يحمل صفة تنفيذ الحكم بتصفيته داخل القنصلية؟ وعندما نتطرق الى هذا الاحتمال أي قتل خاشقچي وتصفيته جسدياً، فهل تم هذا الأمر بعلم ومشاركة الجانب التركي كما ذكر سابقاً من قبل المسؤول في القنصلية؟

2- وكما ذكرت الاخبار ان هذا الوفد جاء الى تركيا على متن طائرتين خاصتين، وهنا الشك الآخر هو لماذا بطائرتين وليس بطائرة واحدة، حيث لا يتجاوز عدد الوفد كما ذكرت الاخبار عن (15) شخص، أي ان أجهزة الأمن التركية على علم مسبق بدخول هذا الوفد، وهناك تنسيق عالي المستوى بين الجانبين لتواجد هذا الوفد المهم على الأرض التركية، علماً ان تركيا لم تصرح بطبيعة هذا الوفد أو اعلان وصوله؟ فهل ياترى تم استقبال هذا الوفد من قبل أطراف تركية حسب البروتوكولات المعمول بها ام لا؟ وهل تم مرافقة هذا الوفد من أي شخصية تركية عند دخوله مبنى القنصلية أو حتى أيصال الوفد الى باب القنصلية من باب المجاملة؟، وبعد ساعتين فقط يخرج أعضاء الوفد ليعودوا لاحقاً الى البلدان التي قدموا منها، فما هو المغزى من عودتهم الى بلدان متفرقة ولم يعودوا الى الرياض لاطلاع مرجعياتهم بنتائج التحقيق؟ وأية مهمة هذه تستوجب حضور مثل هذا الوفد لمدة ساعتين ومن ثم العودة الى بلدان مختلفة!!

3 – عند سؤال القنصل السعودي بإسطنبول محمد العتيبي عن إمكانية العودة لكاميرات المراقبة التي تعد واحدة من أهم الإجراءات الأمنية في كل سفارات العالم، قال العتيبي إن الكاميرات كانت معطلة ولا تعمل في ذلك اليوم، فهل يمكن لعاقل ان يصدق جواب القنصل هذا؟، وهنا لابد من طرح سؤال يمكن ان يتكهن به المتابع وهو: هل يمكن ان يكون هذا الفريق قام بقتل خاشقچي وتقطيع جثته وتوزيعها على حقائبهم الدبلوماسية ثم نقله خارج القنصلية دون تصوير أو بتعطيل متعمد للتصوير؟،أو قد تم قتله بطريقة استعمال مواد كيمياوية قوية جداً تقوم بتذويب اللحم وجعل جسم الانسان بحجم 50 سنتيمتركما ورد في معلومات لصحف بريطانية مثل ” ذا تلغراف والتايمز”؟ وعندما سئل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من قبل وكالة بلومبيرغ عن مصير خاشقجي أجاب: ” إن خاشقجي خرج من القنصلية بعد دقائق أو ساعة من دخوله، وإن السلطات السعودية ستسمح لتركيا بتفتيش القنصلية إن شاءت”، وكلام ولي العهد السعودي يدل على علمه بأن العملية قد تمت وبنجاح وانه واثق من تفتيش السلطات التركية للقنصلية سوف لن يعثروا على شيء يذكر.

اما الجانب التركي فينظر الى هذه القضية من زاوية أخرى، فقد أكد المتحدث الرسمي بإسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، عقب اجتماع وزاري برئاسة أردوغان مساء الأربعاء الماضي في أول رد فعل رسمي، أن خاشقجي موجود داخل القنصلية السعودية بإسطنبول ليرد بذلك على تصريحات أدلى بها مسؤول سعودي لرويترز في وقت سابق من اليوم ذاته، والتي أشار فيها إلى أن خاشقچي غادر القنصلية عقب عشرين دقيقة قضاها داخلها لاستيفاء بعض الأوراق، وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: ” إنه يتوجب على مسؤولي القنصلية السعودية في إسطنبول، إثبات مغادرة جمال خاشقچي مبنى القنصلية التي اختفى عقب دخولها الأسبوع الفائت”، وأضاف أردوغان أن مسؤولو القنصلية السعودية لا يمكنهم تبرئة ساحتهم عبر القول ” إنه قد غادر” القنصلية، مطالباً إياهم بإثباتات حول خروج خاشقچي من مبنى القنصلية، موضحاً أن مسؤولو الأمن والاستخبارات يبحثون قضية خاشقچي ، وأن متابعتهم لها مسؤولة سياسية وإنسانية في الوقت ذاته.

ونستخلص من الذي تم ذكره آنفاً، فإن هناك: إما سيناريو ظهور خاشقچي مجددا، قد يكون حلاً مثالياً لتخفيف حدة التوتر المتوقعة بين البلدين، وعندها سيكون من السهل الاتفاق على رواية تحفظ ماء وجه الجانب السعودي أمام الرأي العام، أو هناك السيناريو الآخر وهو تصفية الرجل وإخفائه الى الابد ولن تستطيع السعودية اظهاره مجدداً إن كان تم تهريبه الى الرياض أو قتله داخل القنصلية، وهذا السيناريو المرعب يعني قطع آخر احتمال على العلاقات الدبلوماسية التي تحاول تركيا الحفاظ عليه والحرص عليه خلال الفترة الماضية، وهو ما تطرقنا اليه في موضوعنا السابق، وستكشف الأيام المقبلة المزيد من المفاجئات .

 

 

د. عبد السلام ياسين السعدي –  خاص تركيا الآن

 

 


هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه

زر الذهاب إلى الأعلى